في مقال للباحث حسين ابيش نشرته مجلة "نيويورك تايمز"، تناول فيه تحول حزب النهضة الإسلامي إلى الحياة السياسية، وخروجه من عباءة الإخوان المسلمين التي نشأت في مصر في عشرينيات القرن الماضي. الحركة التي انتشرت في البلاد العربية الأخرى والكويت بشكل خاص، حيث سيطرت على أغلب مؤسسات المجتمع المدني، وما زالت تسيطر على معظم جمعيات النفع العام والاتحادات الطلابية. يتناول المقال البحث في جدية هذا التحول، والانخراط في الحياة السياسية والثقافية للمجتمع، حيث يستبعد كثيرون إمكانية خروج حزب النهضة أو أي حزب إسلامي من أدبياته، ليقبل الدساتير الحديثة والديمقراطية العلمانية.

من تونس بدأ الربيع العربي، وأحدث هذا الربيع تحولا مهما وخطيرا، وأخرج مجموعات إرهابية تبنت الخط الإسلامي المناقض للإسلام الوسطي، وأطرت أعمالها تحت شعارات إسلامية. وأنتجت تلك المجاميع صورا نمطية للشخصية الإسلامية ليس في العالم الغربي فقط وإنما في العالم العربي أيضا. ومن تونس أيضا يحدث التحول الذي يعيد حزبا إسلاميا إلى الحياة الديمقراطية بما يشبه التصريح الكامل لفصل السياسة عن الحركة الدينية والعمل الديني الدعوي. وسواء داخلنا الشك في جدية ذلك أو صدقنا ما طرحته الحركة فما تم طرحه كان نتاج اعتقاد ساهمت فيه التجربة التي عاشها الحزب في زمن دكتاتورية بن علي الرئيس السابق لتونس، والحياة الديمقراطية التي تعيشها تونس اليوم. بما معناه أن الحياة الديمقراطية والدستورية التي يقبلها الشعب ويتقبل العيش تحتها تفرض وضعا مختلفا عن تلك الحياة التي يعيشها الناس تحت سياط الخوف.

Ad

في مجتمع مسلم سواء في تونس أو غيرها من الدول ذات الأغلبية العظمى من المسلمين فإن وجود جماعة ما تحمل شعارا إسلاميا هو إيحاء مباشر أو غير مباشر بأن من لا ينتمي لهذا الشعار هو خارج هذا الشعار. وذلك وضع شائك وغير حقيقي يحتاج إلى إعادة نظر. فهذه الجماعة هي جزء من التركيبة المجتمعية تقاسم الآخرين ثقافة واحدة، وعليها تقبل التعددية الفكرية والإيمان بالاختلاف الطبيعي وحرية الإنسان في المعتقد، وانضواء الجميع تحت دستور وقوانين وأحكام. كما تمارس ذلك الحركة الديمقراطية المسيحية في الغرب.

في حال تبني الحركات الإسلامية الأخرى في الدول العربية التي تعيش ديمقراطية نسبية هذا النهج فسيكون ذلك تحولا مهما ليس سياسيا فقط وإنما اجتماعيا وثقافيا. لقد كانت الحركات الإسلامية، في الكويت تحديدا، سلطة ظل تمارس الكثير من قمع الحريات، وتحاول فرض نفوذها في سياسات المنع. فتعرض الكثير من المفكرين والأدباء للتشهير بسبب آرائهم وكتبهم، ومارست سلطة الإسلام السياسي عبر وجودها التاريخي ما ينافي المبادئ الأساسية للدستور الذي كفل حرية التعبير والكلمة. ولفترات طويلة كانت هذه الأحزاب تمارس العمل السياسي وهي غير مؤمنة إيمانا كاملا بالدستور الذي تقسم على الحفاظ على مكتسباته. وربما كانت تتمنى الفرصة المتاحة للإخلال به وتعديله نحو المزيد من مكاسبها وإقصاء الفكر المناهض لها.

الحركات الإسلامية تدفع اليوم ثمنا باهظا لما يعيشه العالم العربي من تطرف الجماعات الإرهابية، ولكي تعود إلى حاضنة المجتمع لن تجد طريقا سوى الفصل بين عملها السياسي ومراقبة عملها الدعوي ليكون ممثلا حقيقيا لصورة المسلم المناقضة للصورة النمطية التي نجحوا في تقديمها سواء بوعي أو دون وعي.