شعراء البيان: الباعث الأيديولوجي (1-2)
![فوزي كريم](https://storage.googleapis.com/jarida-cdn/images/1498033753948674500/1498033754000/1280x960.jpg)
ولأنني شاعر من هذا الجيل، وموضوع من مواضيع كتاب الاستاذ خالد، لا أعرف لمن تشير أصابعه حين يتحدث عن شعراء جيله الضحية، وعن الأيديولوجي الجلاد. والأيديولوجي، كما أعرف ويعرف خالد، هو المنتسب لعقيدة، أو لحزب ذي عقيدة. فمن مِن شعراء جيله الضحية لم يكن فخوراً بانتسابه العقائدي، أو الحزبي، ماركسياً كان أو قومياً، ومنتصراً كان أو منكسراً؟ القارئ لا يحتاج مني أن أضع قائمة بكل أسماء شعراء الجيل الستيني، وأُعين انتماء كل واحد منهم. ولعل انكساراتهم التي اتضحت بعناوين دواوينهم، وقصائدهم، ما هي إلا انكسارات رجل العقيدة الحزبية، يوم رأى أن الانسان في حزبه لم يرتقِ إلى مصاف الفكرة المقدسة. لنقرأ هذه الجملة لخالد علي مصطفى يتحدث فيها عن الشاعر سامي مهدي: "لم يكن سامي مهدي، بعد ديوانه الأول، معنياً بأن تكون البواعث الأيديولوجية دافعاً لكتابة الشعر عنده بصورة مباشرة، إلا إذا تلامحت خفية من وراء القصيدة. لقد أخذت قصيدته تخترق هذه القشرة، على نحو تصبح فيه ملاحظة العين، أو مكونات النفس المُدركة أو غير المدركة، أو حيرة العقل في تأملاته الماورائية، هي المادة الغفل، التي يحولها التعبير إلى قصيدة دالة، في معناها الثاني، على وعي ذاتي خاص، تتفجر فيه المشاعر بكل هدوئها، وضجيجها، وتوترها.." ص38إنها جملة نقدية حائرة، تريد أن تفلت من مأزق الاعتراف الذي أدلت به في قولها عن البواعث الأيديولوجية التي يريدها الشاعر أن تتلامح خفية من وراء القصيدة. إنه إذن معني بأن تكون هذه البواعث دافعاً لكتابة القصيدة، بصورة مباشرة أو غير مباشرة. والأخطر أن تتقنع هذه الدوافع الأيديولوجية بقناع "الوعي الذاتي الخاص"، الذي تتفجر فيه المشاعر، بكل هدوئها، وضجيجها، وتوترها. إن خالد هنا يمنح مصداقية لكل مشاعر الكراهية، والروح الهجائية في قصائد سامي مهدي، ما دامت قد خرجت بصورة غير مباشرة من البواعث الأيديولوجية، بالرغم من أن هذه الكراهية المُعلنة، والتنكيل المصوّت بالآخر لم يكونا كما تريدهما جملة خالد علي مصطفى النقدية: أن تكون قد تلامحتْ خفيةً من وراء القصيدة. إنه يريد أن يبرئ، بأي ثمن، شعر سامي مهدي من البواعث الأيديولوجية. لأن هذه البواعث لو توفرت فلن تكون لمصلحة الشعر.