رمضان... «فوتوشوب»

نشر في 05-06-2016
آخر تحديث 05-06-2016 | 00:03
من المعيب خلط فوائد الصيام مع كونه عبادة وكفى، فالحديث عن الفوائد منطلق فاسد ونفعي يرسم في عقل المسلم سلوكاً ذرائعياً يبحث عن فائدة الأشياء لا حقيقتها.
 مظفّر عبدالله أول العمود:

كيف يمكن الحديث عن زيادة نسب النجاح في الثانوية العامة مع الإقرار بتفشي ظاهرة الغش الإلكتروني.

***

ساعات تفصلنا عن صوم شهر رمضان، الذي أشفق فيه على حالنا بقدومه، فهو طقس ديني يتطلب تنفيذه برمجة عقلية سريعة في لحظة تأتي بعد أحد عشر شهراً من السلوك والطبائع المختلفة! أتحدث هنا عن زحمة الحياة العصرية المليئة بالموبقات كالحروب والاختلاسات والتزوير والكذب. ماذا يحدث في عقل الإنسان الصائم هنا ليلة الإعلان عن دخول رمضان وتبعات إلغاء هذه البرمجة ليلة العيد.

يأتى شهر الصوم الذي أدخل عليه المسلمون الكثير من التعديل ليبدو أقرب إلى الاحتفال منه للعبادة، ومن هؤلاء "المسلمين" أهل الفن، حيث يختزلون إنتاجهم الفني لصيد المشاهد وهو على مائدة الإفطار، ومنهم أيضا أهل الذكر الذين يجترون المسلمات والكلمات ذاتها إيذانا بدخول الشهر، وبينهم أيضا الأطباء الذين ينافقون الصائمين بقولهم إنها شعيرة ذات منحى صحي ومعالجة للأمراض! وبذلك يتحول أرقى طقس ديني في الديانات كلها إلى مهرجان دعاية!

في رمضان تطل مظاهر مطلوب من الصائم أن يهضمها بسرعة بعد ثبات الهلال الذي يفرق عالم المسلمين بين تاريخين وهلالين، ففيه يظهر المتسولون الذين يتطلب وجودهم برمجة عقلية للتصدق عليهم، وبينهم مخالفو قانون الإقامة ونصابون ورجال يرتدون عباءات، وفيه يصبح مديرو الفنادق منافسين للدعاة في الصحف ووسائل الإعلام لأنهم أصحاب "خيام الخير"، وفيه يتكالب أصحاب اليقين في المساجد يوم السابع والعشرين بسبب بعض رجال الدين الذين يحرضون بشكل موارب على هذه الليلة دون غيرها.

من المعيب حقا خلط فوائد الصيام مع كونه عبادة وكفى، فالحديث عن الفوائد منطلق فاسد ونفعي يرسم في عقل المسلم سلوكا ذرائعيا يبحث عن فائدة الأشياء لا حقيقتها، كما يؤكد ذلك عالم الاجتماع الفرنسي غوستاف لوبون (١٨٤١- ١٩١٣) الشهير بدراسات السلوك الجمعي. ليس من المطلوب أن نرسم صورا لرمضان، كأن يكون صيدلية، أو شهر استشفاء، أو فرصة لاتقاء جهنّم، أو فرصة لإثبات نظريات علمية بشكل بائس، بل يجب التأكيد على أن كل ديانة تقوي المفهوم الجمعي لدى أتباعها من خلال الشعائر التي تحقق فكرة التضامن، ويجب التأكيد أيضا على أن تعامل الأفراد مع الشعائر مختلف في الاستجابة بسبب ما يمكن تسميته بالسجايا والخصال التي هي هبة سماوية لا صلة للتربية بها، وهذا يخلصنا من موضوع تقييم الناس.

رمضان، على ما سبق ذكره، يتعرض كل عام إلى عملية "فوتوشوب" مصطنعة تبعده عن كونه عبادة راقية تساهم في تقليل الكلام وإشاعة السكينة والهدوء والتراحم بين الناس.

back to top