«الأوروبي» يعزز التجارة مع إيران
بعد رفع العقوبات النووية، صار بإمكان إيران والاتحاد الأوروبي استعادة الروابط التجارية التي كانت تجمعهما، إلا أن هذه الخطوة لن تخلو من العقبات. تعود العلاقات بين إيران والاتحاد الأوروبي إلى عام 1963، وبعد الثورة الإسلامية عام 1979، استمرت هذه العلاقات، مع أنها مرت بتقلبات كثيرة. في مطلع تسعينيات القرن الماضي شهدت هذه العلاقات تحسناً كبيراً، فبعد انتخاب الرئيس المصلح محمد خاتمي عام 1997، توسّعت الروابط بينهما كثيراً في مجالات عدة، منها التجارة، الثقافة، والتبادل الأكاديمي، ولكن عقب انتخاب الرئيس المتشدد محمود أحمدي نجاد عام 2005 وتنامي التوتر السياسي مع الغرب بسبب برنامج إيران النووي، سلكت العلاقات التجارية بين إيران والكتلة الأوروبية مساراً هابطاً. وبما أن الاتحاد الأوروبي تبنى موقفاً مماثلاً لموقف الولايات المتحدة، فارضاً عقوبات أحادية الطرف على المصارف وشركات التأمين الإيرانية ومنعها من التعامل مع جمعية الاتصالات المالية العالمية بين البنوك (SWIFT)، كانت تأثير كل ذلك في التجارة كبيراً، فتراجعت صادرات الاتحاد الأوروبي إلى إيران من 11.3 مليار يورو عام 2006 إلى 7.3 مليارات يورو في عام 2012.نتيجة لذلك، بدأت إيران تتجه شرقاً في تجارتها، موسعة بالتالي روابطها الاقتصادية مع دول مثل الصين والهند،وفي عام 2013 انتُخب حسن روحاني المعتدل، الذي تعهد بإنهاء عزلة البلد من خلال الحوار، رئيساً لإيران، وبعد التوافق على خطة العمل الشاملة المشتركة في شهر يوليو عام 2015، زار إيرانَ أوروبيون كثر من قطاعات مختلفة، بما فيها الطيران، والاتصالات اللاسلكية، والسيارات، والزراعة، والطاقة، ووقعوا عدداً كبيراً من العقود بقيمة مليارات اليورو. لا بد من الإشارة في هذا الصدد إلى أن الاهتمام بتوسيع الروابط بين إيران والاتحاد الأوروبي لا يقتصر على الأوروبيين، فقد تحدثت السلطات الإيرانية مراراً عن استعداد بلدها لتوسيع العلاقات مع هذه الكتلة. تصب إيران اليوم كل اهتمامها على الاستثمارات الأجنبية كي تعيد إنعاش اقتصادها، ويقدّر المسؤولون أن هذا البلد يستطيع استيعاب أكثر من 50 مليار دولار من الاستثمارات الأجنبية سنوياً، علاوة على ذلك لا شك أن جذب الاستثمارات الأجنبية المباشرة من أوروبا يساعد إدارة روحاني في تحقيق أهدافها المعلنة، التي تشمل دعم القطاع الخاص الإيراني، وتحرير الاقتصاد، وتعزيز تنوعه بغية الحد من اعتماده على النفط، كذلك تخدم هذه الشراكة مصالح البلد الطويلة الأمد لأنها تحول دون تحوّل إيران إلى مجرد عميل، وتحد بالتالي من اعتمادها على الكتلة الأوروبية. في مقابلة مع "المونيتور" ذكر تشارلز روبرتسون، كبير الخبراء الاقتصاديين العالميين في مصرف Renaissance Capital، أنه يتوقع أن تشكّل فرنسا، وألمانيا، وإيطاليا من بين الدول الأوروبية أبرز المستثمرين في إيران خلال السنوات المقبلة.
وأضاف روبرتسون: "تمتعت إيران تاريخياً بروابط قوية جداً مع أوروبا، بدءاً من التجار الفرنسيين وصولاً إلى معدات الدفاع الإنكليزية، ومنذ عام 2014، نشهد دفقاً متواصلاً من الشركات الأوروبية التي تزور إيران على أمل إقامة علاقات تجارية مع هذا البلد أو الاستثمار فيه". وأكد هذا الخبير للمونيتور: "في سبعينيات القرن الماضي شكّلت إيران إحدى أهم الأسواق العالمية الثلاث لشركة كارفور، كذلك رأينا مصارف أوروبية تنفتح على مصارف إيرانية، ونتوقع أن تحذو الشركات الصناعية الأوروبية حذوها". على نحو مماثل شدد دبلوماسي أوروبي تحدث إلى "المونيتور"، طالباً عدم ذكر اسمه، على أن إيران والاتحاد الأوروبي يعيدان اليوم بناء روابطهما التجارية إلا أن الدرب لا يخلو من العقبات.وتابع موضحاً: "لا شك أن استئناف العلاقات مع إيران سيولد فرصاً لكلا الطرفين في مجالَي التجارة والاستثمار. لكن التغيير سيحدث تدريجياً، ولا يمكننا توقع النتائج بين ليلة وضحاها، وستتطلب المشاريع الإيرانية الطموحة دعم المستثمرين الدوليين، إلا أن شركات الاستثمار الأوروبية [والدولية] ما زالت بحاجة إلى الوقت لتكيّف خططها مع هذه الحالة الجديدة وتقيم الشروط القانونية الطارئة". نتيجة لذلك يبدو أن الاتحاد الأوروبي، رغم الاتفاق النووي، ما زال يحتاج إلى أشهر أو حتى سنوات ليعود مجدداً أكبر شريك تجاري لإيران.ميسم بيزار