• حدثنا عن رحلة العلاج؟

- منذ 15 عاما وأنا أعاني مرض الباركنسون (الشلل الرعاش)، وتحملت خلال هذه الأعوام الكثير من الألم، بفضل الله عز وجل، وفي أبريل الماضي حظيت بمقابلة رئيس مجلس الوزراء سمو الشيخ جابر المبارك، وعقب هذه المقابلة، أمر سموه بإرسالي إلى ألمانيا في رحلة علاجية، لاستكمال الفحوص الطبية هناك، وأشكر سموه لهذه المبادرة الطيبة.

Ad

كما لا يفوتني أن أشكر الأخ ساير العنزي، والفنانة الكبيرة حياة الفهد، على دورهما في تذليل الصعاب لهذه الرحلة العلاجية، كما أشكر كل الذين ساهموا في إرسالي إلى ألمانيا لاستكمال العلاج.

ربما لا يخفى على الجميع أن هذا المرض ترك آثارا سلبية على تفاصيل حياتي، إذ كنت أجد صعوبة في المشي والكتابة والقراءة، ما أثر على نفسيتي وتعاملي مع الآخرين، إذ وضع هذا المرض قيودا علي لا أستطيع تجاوزها بسهولة.

الأفكار السلبية

• كيف كنت تتغلب على متاعب المرض؟

- بطبعي لا أحب الاستسلام بسهولة، حاولت التغلب عليه بإرادتي القوية، فلم ينل هذا المرض من عزيمتي، وكنت دائما أستعين بالله، عز وجل، لقهر ضعفي، والتحلي برباطة الجأش والعزيمة القوية.

وأذكر أن رئيس مجلس الوزراء سمو الشيخ جابر المبارك، أوصاني بعدم الاستسلام، وطلب مني التحلي بالصبر، والتخلص من الأفكار السلبية، التي ربما تدفعني إلى العزلة، ودفعني باتجاه التفاؤل، وعدم اليأس من رحمة الله، وأذكر أنه كان يشد على يدي ويقول «شد حيلك، ولا تيأس، ولا تدع المرض ينال من عزيمتك».

بين الوفاء والجحود

• هل لمست الوفاء خلال محنة مرضك ممن تتوقع منهم الوفاء، ولاسيما أنك تذمرت من تضاؤل هذه الصفة؟

- «لو خليت خربت»... هكذا يقول المثل الدارج، والناس ليسوا على وتيرة واحدة، ويحملون صفات متشابهة، فهناك الوفي والجاحد والكريم واللئيم وهكذا، وخلال مشواري الطويل حرصت على أن أمد يدي للجميع، فلم أمنع المساعدة عن أحد، ولم أدخر وسعا في عون فرد ما، لكن ردود فعل الآخرين لن تستطيع التحكم فيها، فوجدت نكران الجميل، ولمست الوفاء، وأعتقد أن هذه هي الحياة، صعود وهبوط، وحضور وغياب، فلا أستغرب ما جرى معي من قبل أفراد لا أود أن أذكر أسماءهم.

وفي مقابل نكران الجميل، الحمد لله لمست الوفاء من أفراد كثيرين، منهم الملحن الكبير غنام الديكان، والفنان الكبير عبدالكريم عبدالقادر، و»سفير الأغنية الكويتية» المطرب عبدالله الرويشد، والملحن الكبير أنور عبدالله، و«بلبل الخليج» الفنان نبيل شعيل، والملحن الكبير يوسف المهنا، والأقرب بينهم الملحن أنور عبدالله، وأتواصل معه شكل مستمر. ولأصدقك القول، خلال هذه المحنة وعقب مشواري الطويل، قررت أن أتبع مبدأ «الذي يريدني يسأل عني ويتواصل معي»، وأرجو ألا يُفهم من كلامي أنني أعاني بسبب هذا الموضوع «فالدنيا لا تزال بخير»، وهناك أوفياء يعيشون بيننا، وننعم بتواصلهم معنا.

موقف صعب

• هل يتنظر الإنسان الوفاء ممن مد له يد العون، أي هل يقدم الإنسان على مساعدة الآخرين لجني الوفاء لاحقا؟

- الأمور لا تقاس بهذه الطريقة، لكن ثمة أفرادا قدمت لهم مساعدة كبيرة، وعلى مراحل، ولم تبخل عليهم بأي شيء، لذلك حينما تطلب من أحدهم أن يغني في حفل عيد ميلاد أحد أبنائك وتخبره بأنك ستدفع مبلغا من المال نظير هذا العمل، فيشترط عليك مبلغا ماديا كبيرا يصل إلى 10 آلاف دينار، هنا أتساءل: أين الوفاء؟ وهذا الموقف ليس من نسج الخيال، بل تعرضت له مع فنان لم أكن أتوقع أن يصدر منه ذلك.

• بماذا تصف هذا الفنان؟

- جاحد وناكر للجميل، ومن واقع تجربتي مع المطربين، فقد أيقنت بأن قلة هم الذين ننعتهم بالوفاء، ولا سيما من تربطك بهم علاقة وطيدة ساعدتهم في بداياتهم.

وفاء الرويشد

• تعاملت مع كثير من المطربين في بداياتهم، فكيف وجدت تعامل عبدالله الرويشد ونبيل شعيل ونوال ورباب وغيرهم حينما صاروا نجوما كبارا؟

- التعامل مع هذه المجموعة لم يطرأ عليه أي تغيير، فهم نجوم في الفن والتعامل معا، وأذكر أن سفير الأغنية الكويتية الفنان عبدالله الرويشد عند التحضير لأي ألبوم غنائي يتصل بي ويسألني، ويقول «هل لديك شيء جديد يناسبني؟»، وهذا الاتصال أو إبداء الرغبة في التعامل من جديد اعتبره نوعا من الوفاء، كما أنه - الرويشد - دائما يذكرني بأنه لا يستغني عني، وأنه لا ينسى أن بداياته كانت معي، وكثير من المطربين يحفظون ذلك، كما أن هناك مطربين لديهم وفاء كبير، بسبب التقدير والمحبة اللتين قدمتهما لهم.

• عاصرت بدايات معظم نجوم الساحة الغنائية، فهل كنت تتوقع لهم الاستمرار والنجومية؟

- لو لم أكن مؤمنا بموهبتهم وإمكاناتهم الفنية، لما تعاونت معهم في مشاريع فنية، فالغناء يعتمد على الحس الفني والرؤية الثاقبة، فمن خلال مشاهدتي لهم في البدايات، وأعني هنا سفير الأغنية الكويتي عبدالله الرويشد وبلبل الخليج نبيل شعيل ونوال، شعرت بمدى ثراء مواهبهم الفنية وقدرتهم على العطاء، لذلك تعاونت معهم، وقدمنا مشاريع فنية متنوعة تشكل إضاءات جميلة في مختلف المراحل الفنية، ومن البدايات توقعت لهم مستقبلا كبيرا، وخصوصا قيثارة الخليج نوال، وهي الآن نجمة الخليج الأولى.

كثير من المطربين تنبأت لهم بالنجاح والاستمرار، وللإيضاح أكثر، في السابق كنا نعمل على مشروع غنائي كفريق المطرب والشاعر والملحن، ونجلس معا، ونناقش ونطرح الأفكار، وتتنوع الآراء، ثم ينتج عن هذا العصف الذهني مشروع فني جميل، لذلك كنا نقدم أعمالا تدوم طويلا، وتشكل علامات بارزة في مشوارنا.

للأسف، الآن اختفى هذا الأمر رويدا رويدا إلى أن وصلت الأغنية إلى هذا الضعف والهشاشة. ومن منظوري، إن ما آلت إليه الأمور نتيجة حتمية لتدهور الوضع، وتفكك عناصر الأغنية، أو بمعنى آخر مثلث الأغنية المطرب والشاعر والملحن.

• ذكرت قبل قليل أن نوال هي نجمة الخليج الأولى، هذا اللقب أصبح إشكالية، فمن وجهة نظرك، أي الألقاب أحب إلى الفنان؟

- من منظوري، أحلام نجمة ونوال كذلك، وحينما قلت إن نوال هي نجمة الخليج الأولى اعتمدت على الأقدمية، فللمطربة نوال السبق، إضافة إلى أنها تتمتع بحس فني راقٍ، وإمكانيات صوتية جميلة، والحال ينسحب على المطربة أحلام، ولكل منهما أغنيات جميلة رسخت في أذهان الجمهور.

وبحكم علاقتي الوطيدة بالطرفين، فهما تتمتعان بصفات جميلة أيضا، وأحلام قلبها طيب، وإنسانة عفوية، ونقية السريرة، وتعطي الكثير، وتضحي، واستحقت أيضا لقب الملكة.

• من يمنح الألقاب، الجمهور أم الفنان؟

- الألقاب في وقتنا الراهن بدأت تشكل بؤرة للمشكلات، وشرارة للصراعات بين المطربين. ومن وجهة نظري، إن ما يجري على الساحة الغنائية تنقصه الحكمة، وأن هذه التسميات أو الألقاب لا تسمن ولا تغني من جوع، وفي حال افتقد المطرب الأداء الجميل والإمكانات الصوتية، فلن يفرض نفسه بلقبه، بل بجمال فنه وعمله.

وللأسف، إن بعض الألقاب باتت تمنح بالمجان، كما أنها في الوقت نفسه فوق مستوى الحدث أو العمل، وكأن هذه الألقاب جاءت لإحداث ضجة إعلامية، وبتنا نرى «الشجار» في وسائل الإعلام، بسبب هذه التسميات، والمفارقة أننا في السابق كنا نواجه رفض الأهل، لانخراط أولادهم في المجال الغنائي، بسبب العادات والتقاليد، فيضطر المطرب إلى انتقاء لقب له، بدلا عن اسمه واسم عائلته، فيما راهنا الصراعات تنشب على لقب «أمير الغناء» أو «أمير الطرب»، وغيرهما، وأنا لا أقصد أن المطربين لا يستحقون الألقاب، بل أرى أن ثمة مبالغة أصبحت تسيطر على هذا الجانب.

فتور العلاقة بين أضلاع الأغنية

أكد الشاعر الغنائي الكبير عبداللطيف البناي، أن الأغنية العاطفية تعاني أزمة حقيقية في الوقت الحالي، بسبب فتور العلاقة بين أضلاع الأغنية الثلاث، المطرب والشاعر والملحن، وعدم جلوسهم مع بعض وتمضية وقت طويل في النقاش وسماع الآراء للوصول إلى الصيغة النهائية للعمل، وهذا التباعد وعدم الانسجام ينعكسان سلبا على الأغنية، فتظهر بوجه باهت، وبصيغة مفككة وفاقدة للإحساس.

وأشار إلى أن دفعة المشاعر شيء ضروري في العمل الفني، فإن لم يشعر المطرب بالكلمة التي يغنيها بالشكل المطلوب، سواء كانت ألما أو فرحا أو سعادة، سينتقل من مرحلة التطريب إلى أداء الواجب، فيغني الكلمات، لكنه من دون حس فني، أو إحساس بالمعنى، لذلك في السابق كنا نجتمع مع بعض: المطرب والشاعر والملحن، رغبة في إتقان عملنا، والوصول إلى صيغة نهائية ترضي جميع الأطراف، وضمن هذا الإطار قدمنا أعمالا كثيرة حققت النجاح، لأنها كانت تخاطب وجدان المستمع وأحاسيسه.

وأضاف: «هذا المأزق الذي تعيشه الأغنية حاليا يتحمله الجميع، المطرب والشاعر والملحن، لأن كل فرد فيهم يعمل على حدة، لذلك تفقد الأغنية صفة الجماعية، وتتحول إلى عمل منفرد، كل شخص يؤدي ما هو مطلوب منه فقط، من دون مناقشة، والأغرب من ذلك، أن فرسان مثلث الأغنية لا يلتقون، ولا يجتمعون، فتكون مشاعر كل واحد فيهم مختلفة، فيؤثر ذلك سلبا في نجاح الأغنية.

«اصبر» عمله الغنائي

نشأ الشاعر الغنائي عبداللطيف البناي، المولود عام 1947، في منطقة جبلة بالكويت القديمة، حيث الفرجان الطينية والمساكن البسيطة، فمن طيبة الأوائل استخلص عذوبة المفردة، ومن التآلف والتآخي استمد الحب والمودة، ومن شغف العيش والمعاناة أخذ الإبداع والتميز، عشق البحر وأحب البر وجذبته الحكايات الشعبية، فقطع عهدا على نفسه، بألا يبعد عن لهجته الكويتية، متمسكا بكل مفرداتها وخصوصيتها، باحثا عن جمالياتها وشذراتها، مستلهما ممن سبقوه التفرد في النصوص والتميز في الكلمة، متبعا مبدأ السهل الممتنع.

أحب الشعر منذ نعومة أظفاره، فانكب على قراءة وتثقيف نفسه، مطلعا على قصائد كبار الشعر في الكويت، ومنهم منصور الخرقاوي وعبدالمحسن الرفاعي وزيد فهد الحرب وفهد بورسلي، وفي مرحلة لاحقة تعرف إلى نتاج شعراء الأغنية، ومنهم بدر بورسلي ويوسف ناصر ومحمد محروس وفايق عبدالجليل.

شكلت هذه المعطيات والأسماء الكبيرة جوانب مهمة في شخصية البناء إلى أن بدأ بكتابة الخواطر الشعرية، ثم انتقل إلى كتابة الأغنية، من خلال تجاربه، التي حملت عنوان «اصبر»، وغناها الفنان عوض الدوخي عام 1969.