هارون الرشيد يبحث عن خليفة المسلمين (1 - 30)

نشر في 06-06-2016
آخر تحديث 06-06-2016 | 00:00
مع بداية شهر رمضان الكريم، نقدم جزءاً جديداً من حكايات ألف ليلة وليلة، نستكمل به ما بدأناه العام الماضي من حكايات ذلك العمل القصصي العظيم، الذي قدمته الثقافة العربية الشرقية إلى الثقافة الإنسانية، وترك آثاراً كبيرة على فن القصة القصيرة وعلى فن الرواية الغربيين، ما زالت إلى اليوم، حيث يبدو كثر من كتاب الواقعية السحرية في أميركا اللاتينية متأثرين بهذا العمل الكبير.
نبدأ من حيث انتهينا العام الماضي، مع رحلة جديدة لخليفة المسلمين هارون الرشيد، ووزيره جعفر البرمكي، وسيافه مسرور، الذين خرجوا يتجولون ذات يوم متخفين في ملابس تجار أغراب عن بغداد، مقر الخلافة الإسلامية وقتها، فاكتشفوا أن ثمة شاباً ثرياً اسمه محمد الجوهري، يدّعي أنه خليفة المسلمين، ويقوم بأفعال وتصرفات تدفع الناس إلى تصديق أنه فعلاً هارون الرشيد، فماذا فعل الخليفة الحقيقي حينما التقى ذلك الخليفة المزيف؟   
لما كانت الليلة الثمانون بعد المئة، قالت شهرزاد للملك شهريار: بلغني أيها الملك السعيد أن الخليفة هارون الرشيد قلق ليلة من الليالي قلقاً شديداً، فاستدعى وزيره جعفر البرمكي وقال له: صدري ضيق، ومرادي في هذه الليلة أن اتجول في شوارع بغداد، وأنظر في مصالح العباد، بشرط أن نرتدي زي التجار حتى لا يعرفنا أحد من الناس.

 فقال له الوزير: سمعاً وطاعة، ثم قاما وخلعا ما عليهما من ثياب، ولبسا ثياب التجار، وأخذا معهما مسروراً السياف، ولم يزالوا سائرين حتى وصلوا إلى الدجلة فرأوا شيخاً قاعداً في زورق فتقدموا إليه وسلموا عليه، وقالوا له: يا شيخ نشتهي من فضلك وإحسانك أن تفرجنا في مركب، وخُذ هذا الدينار أجرتك. قال الشيخ صاحب الزورق لهم: من ذا الذي يقدر على الفرجة فالخليفة هارون الرشيد ينزل هنا كل ليلة في زورق صغير، ولن تمضي ساعة حتى يحضر وكل من وجد وسط النهر، من كبير وصغير، وخاص وعام، فإنه يأمر بضرب عنقه، أو شنقه على صاري مركبه! فقال له الخليفة وجعفر: يا شيخ خذ هذين الدينارين، وادخل بنا قبة من هذه القباب إلى أن يحضر زورق الخليفة. قال لهم الشيخ: هاتوا الذهب والتوكل على الله تعالى.

 ثم أخذ منهم الدينارين ومضى بهم إلى قبة هناك، فما كادوا يدخلونها، حتى أقبل زورق فخم فيه الشموع والمشاعل مضيئة، فقال لهم الشيخ: أما قلت لكم إن الخليفة يحضر إلى هنا كل ليلة في زورقه؟ وأخذ يدعو الله قائلاً: يا ستار لا تكشف الأستار، ثم ضرب عليهم ستارة سوداء حتى لا يراهم أحد، فصاروا يتفرجون من خلالها على الزورق ومن فيه، ولما اقترب منهم رأوا فيه نحو مئتي مملوك واقفين يمينا ويساراً، وفي وسطهم عرش من الذهب وعليه شاب كأنه القمر، وقد ارتدى خلعة سوداء بطراز من الذهب الأصفر، وبين يديه شخص كأنه الوزير جعفر، وخادم كأنه مسرور السياف وبيده سيف مجرد، وقد امتلأ الزورق بالجواري الحسان والندماء. فلما رأى الخليفة ذلك قال لجعفر: لعل هذا الشاب أحد أولادي، ثم تأمل الشاب وهو جالس على الكرسي، فرآه كامل الحسن والجمال، والقد والاعتدال، فالتفت إلى الوزير وقال له: والله إن هذا الشاب لا ينقصه شيء من شكل الخلافة، وهذا الشخص الواقف بين يديه كأنه أنت يا جعفر. أما الخادم الذي بيده السيف فكأنه مسرور، وهؤلاء الندماء كأنهم ندمائي، وقد حار عقلي في هذا الأمر. هنا أدرك شهرزاد الصباح، فسكتت عن الكلام المُباح.

الخليفة المزيّف

لما كانت الليلة الحادية والثمانون بعد المئة، قالت شهرزاد: بلغني أيها الملك السعيد أن الخليفة لما تعجّب من ذلك الأمر، قال له جعفر: أنا والله أشد عجباً يا أمير المؤمنين. ثم مضى الزورق حتى غاب عن أنظارهم، وعند ذلك أخرجهم الشيخ من القبة وقال لهم: الحمد لله على السلامة. فسأله الرشيد: هل هذا الخليفة يا شيخ يأتي كل ليلة إلى الدجلة هكذا؟ أجاب: نعم يا سيدي. وله على هذه الحالة سنة كاملة، فقال له الرشيد: نريد أن نكون هنا في الليلة المقبلة وسنعطيك خمسة دنانير ذهباً، ونحن قوم غرباء وقصدنا النزهة. فقال له الشيخ: حباً وكرامة. ثم توجه الخليفة وجعفر ومسرور من عند الشيخ إلى القصر، حيث غيروا ما عليهم من ملابس التجار، ثم جلس كل واحد منهم في مرتبته، ودخل الأمراء والوزراء والحجاب والنواب، فلما انفضّ المجلس وتفرق الناس وراح كل واحد في حال سبيله، قال الخليفة هارون الرشيد للوزير جعفر: هيا بنا للفرجة على الخليفة المزيّف. فضحك جعفر ومسرور، ثم ارتدى الثلاثة ملابس التجار، وخرجوا من باب سري وهم في غاية الانشراح.

لما وصلوا إلى الدجلة وجدوا الشيخ صاحب الزورق قاعداً في الانتظار، فنزلوا في زورقه، ومضى بهم إلى القبة التي كانوا فيها في الليلة الماضية، وهناك جلسوا يتحدثون إلى الشيخ ساعة، حتى ظهر زورق الخليفة المزيّف، واقترب من مخبئهم، ولما أمعنوا فيه النظر، وجدوا فيه مئتي مملوك غير المماليك الأول، وكان المشاعلية الذين ينادون كعادتهم منذرين بقتل من يوجد في طريقه، فقال الرشيد: هذا شيء لو سمعت به ما كنت أصدقه، ولكنني آراه الآن عياناً. ثم قال لصاحب الزورق الذي هم فيه: خذ هذه الدنانير العشرة وسر بنا في محاذاتهم، فإنهم في النور ونحن في الظلام، فنراهم ونتفرج عليهم وهم لا ينظروننا. أخذ الشيخ الدنانير ومضى بزورقه في محاذاة ذلك الزورق... وهنا أدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح.

لما كانت الليلة الثانية والثمانون بعد المئة، قالت شهرزاد: بلغني أيها الملك السعيد أن الخليفة هارون الرشيد ومعه جعفر ومسرور ما زالوا سائرين في أثر الزورق حتى وصلوا إلى البساتين، وإذا بغلمان واقفين ومعهم بغلة مسرجة ملجمة، فركبها ذلك الخليفة المزيّف، وسار بين الندماء وأمامهم المشاعلية، فطلع هارون الرشيد وجعفر ومسرور إلى البر، وشقوا طريقهم بين المماليك، وساروا قدامهم، ثم لاحت من المشاعلية التفاتة فرأوا ثلاثة أشخاص عليهم هيئة التجار الأغراب، فقبضوا عليهم، وأحضروهم بين يدي الخليفة المزيّف، فلما رآهم قال لهم:

كيف وصلتم إلى هذا المكان، وما الذي جاء بكم في هذا الوقت؟ فأجابوا: يا مولانا نحن قوم من التجار، غرباء الديار، قدمنا في هذا اليوم، وخرجنا للنزهة فجاء هؤلاء وقبضوا علينا، فقال لهم الخليفة المزيّف: لا بأس عليكم لأنكم غرباء ولو كنتم من بغداد لضربت أعناقكم. ثم التفت إلى وزيره وقال: هؤلاء ضيوفنا الليلة، فقال: سمعاً وطاعة لك يا مولانا. ثم سار وهم معه إلى أن وصلوا إلى قصر عال عظيم الشأن، محكم البنيان، ما حاز مثله سلطان قام من التراب، وتعلق بأكناف السحاب، وبابه من خشب الساج مرصع بالذهب الوهاج، يصل منه الداخل إلى إيوان، بفسقية وشاذروان، وفيه أبسطة فارسية، ووسائد حريرية، وهناك ستر مسبول، وفرش يذهب العقول، ويعجز من يقول، وعلى الباب كُتب هذان البيتان:

قصر عليه تحية وســــــــــــــــــلام

خلعت عليه جمالها الأيام

فيه العجائب والغرائب نوع

 فتحيّرت في وصفه الأفهام

ثم دخل الخليفة المزيّف وهم معه، إلى أن جلس على كرسي من الذهب مرصع بالجواهر، وعليه سجادة من الحرير الأصفر، ومن حوله جلس الندماء ووقف السياف بين يديه ثم مد السماط، وأكلوا، ورفعت الأواني، وغسلت الأيادي، وأحضروا آلة المدام، وصُفّت الكاسات وأديرت إلى أن وصلت إلى الخليفة هارون الرشيد فامتنع عن الشراب، فقال الخليفة المزيّف لجعفر: ما بال صاحبك لا يشرب؟ فقال له: يا مولاي إن له مدة ما شرب من هذا. فقال الخليفة المزيّف: عندي مشروب غير هذا يصلح لصاحبك، وهو من شراب التفاح، ثم أمر به فأحضروه في الحال، فتقدم الخليفة المزيّف بين يدي هارون الرشيد وقال له: كلما وصل إليك الدور فاشرب من هذا الشراب. وما زالوا في انشراح، وتعاطي أقداح الراح، إلى أن تمكّن الشراب من رؤوسهم، واستولى على عقولهم، وأدرك شهرزاد الصباح، فسكتت عن الكلام المباح.

المسامرة

لما كانت الليلة الثالثة والثمانون بعد المئة، قالت شهرزاد: بلغني أن الخليفة المزيّف هو وجلساؤه ما زالوا يشربون حتى تمكّن الشراب من رؤوسهم واستولى على عقولهم، فقال الخليفة هارون الرشيد لوزيره جعفر: ما عندنا آنية مثل هذه الآنية، فيا ليت شعري مَن شأن هذا الشاب؟ وبينما هما يتحدثان سراً، لاحت من الشاب التفاتة إليهما، فقال لهما: إن المساورة تفسد المسامرة، فقال له جعفر: رفيقي يذكر لي أنه سافر إلى أكثر البلاد، ونادم أكابر الملوك وعاشر الأجناد، فما رأى أحسن من هذا النظام ولا أبهج من هذه الليلة، غير أن أهل بغداد يقولون: الشراب بلا سماع، ربما أورث الصداع. فلما سمع الخليفة المزيّف ذلك، تبسم وانشرح، وكان بيده قضيب فضرب به على مدوره، وإذا بباب فتح وخرج منه خادم يحمل كرسياً من العاج، مصفحاً بالذهب الوهاج، وخلفه جارية بارعة الجمال والبهاء والكمال، نصب الخادم الكرسي، وجلست عليه الجارية كالشمس الضاحية في السماء الصاحية، وبيدها عود من عمل صانعو الهنود، فوضعته في حجرها، وانحنت عليه انحناء الوالدة على ولدها، ثم غنت فأطربت، وللعقول أذهلت وما زالت تتفنن في النغمات، وتسمع أعذب الأصوات، إلى أن أنشدت تقول: لسان الهوى في مهجتي لك ناطق

يخبر عني أنني لك عاشق

وما كنت أدري قبل حبك ما الهوى

ولكن قضاء الله في الخلق سابق

لما سمع الخليفة المزيّف الشعر من الجارية، صرخ صرخة عظيمة وشق البذلة التي كانت عليه إلى الذيل، فأسبلت عليه السنارة، وأتوه ببذلة غيرها أحسن منها، فلبسها ثم عاد إلى مجلسه الأول. لما وصل إليه القدح ضرب بالقضيب على المدورة، وإذا بباب قد فتح وخرج منه خادم يحمل كرسياً من الذهب، وخلفه جارية أحسن من الجارية الأولى، جلست على ذلك الكرسي، وبيدها عود يكمد قلب الحسود، فغنت عليه بهذين البيتين:

كيف اصطباري ونار الشوق في كبدي

والدمع من مقلتي طوفانه أبـدي

والله ما طاب لي عيش آسر بـه

فكيف يفرح قلب حشوه كمـدى؟

لما سمع الشاب الخليفة المزيّف الشعر صرخ صرخة عظيمة، وشق ما عليه من الثياب إلى الذيل، وأسدلت عليه الستارة وأتوه ببذلة أخرى فلبسها ورجع إلى مجلسه الأول. لما وصل القدح إليه ضرب على المدورة، فخرج خادم وراءه جارية أحسن من التي قبلها، ومعه كرسي جلست الجارية عليه وبيدها عود، فغنت هذه الأبيات:

اقصروا الهجر أو اقلوا جفاكم

ففؤادي وحقكم ما سلاكم

وارحموا مدنفا كئيبا حزينا

ذا غرام متيما في هواكم

قد برته السقام من فرط وجد

فتمنى من الإله رضاكم

يا بدور محلهم في فؤادي

كيف أختار في الآنام سواكم؟

لما سمع الشاب هذه الأبيات، صرخ صرخة عظيمة، وشق ما كان عليه من الثياب، فأرخوا عليه الستارة وأتوه بثياب غيرها، ثم عاد إلى مجلسه بين ندمائه، ودارت الأقداح. لما وصل القدح إليه ضرب على المدورة فانفتح الباب وخرج منه غلام ومعه كرسي وخلفه جارية فنصب لها الكرسي، وجلست عليه وأخذت العود وأصلحته وغنت عليه بهذه الأبيات:

حتى متى يبقى التهاجر والقلى

ويعود لي ما قد مضى لي أولا

من أمس كنا والديار تلمنا

في أنسنا ونرى الحواسد غفلا

غدر الزمان بنا وفرق شملنـــا

من بعد ما ترك المنازل كالخلا

أتروم مني يا عذولي سلــــــــوة

وأرى فؤادي لا يطيع العـــــــــذلا

فدع الملام وخلني بصبابتـــــــــي

فالقلب من أنس الأحبة ما خلا

يا سادة نقضوا العهود وبدلـــوا

لا تحسبوا قلبي ببعدكم ســـــلا

لما سمع الخليفة المزيّف إنشاد الجارية، صرخ صرخة عظيمة وشق ما عليه من الثياب.

وأدرك شهرزاد الصباح، فسكتت عن الكلام المباح.

محمد الجوهري

لما كانت الليلة الرابعة والثمانون بعد المئة، قالت شهرزاد: بلغني أيها الملك السعيد أن الخليفة المزيّف بعد أن صرخ صرخة عظيمة وشق ما عليه من الثياب، خرّ مغشياً عليه، فأرادوا أن يرخوا عليه الستارة بحسب العادة، فتوقفت حبالها ولاحت من هارون الرشيد التفاته إليه فرأى على بدنه آثار ضرب، فقال لوزيره جعفر: والله إنه شاب مليح، إلا أنه لص قبيح. فسأل جعفر: من أين عرفت ذلك يا أمير المؤمنين؟ فأجاب: أما رأيت ما على بدنه من أثر السياط؟ ثم أسبلوا عليه الستارة وأتوه ببذلة غير التي كانت عليه، فلبسها ورجع إلى مجلسه مع الندماء، فلاحت منه التفاتة فوجد الخليفة وجعفر يتحدثان سراً.

سألهما: ما الخبر يا فتيان؟ أجاب جعفر: يا مولانا إن رفيقي هذا من التجار، وقد سافر إلى جميع الأمصار والأقطار، وصحب الملوك والأخيار، وهو يقول لي: إن الذي حصل من مولانا الخليفة في هذه الليلة إسراف عظيم، ولم أر أحداً فعل مثل فعله في سائر الأقاليم، لأنه شق كذا وكذا بذلة، كل بذلة بألف دينار، وهذا إسراف زائد. فقال الخليفة المزيّف: يا هذا إن المال مالي، والقماش قماشي، وهذا من بعض الإنعام على الخدم والحاشية، فإن كل بذلة شققتها تُعطى لواحد من الندماء الحاضرين.

وقد رسمت لهم مع كل بذلة بخمسمئة دينار، فقال له الوزير جعفر: نعم ما فعلت يا مولانا، ثم أنشد هذين البيتين:

بنت المكارم وسط كفك منزلا

وجعلت مالك للأنام مباحا

فإذا المكارم أغلقت أبوابهـــا

كانت يداك لقفلها مفتاحا

لما سمع الشاب الشعر من الوزير جعفر رسم له بألف دينار وبذلة، ثم دارت بينهم الأقداح، وطاب لهم شرب الراح، فقال الرشيد: يا جعفر اسأله عن الضرب الذي على جسده حتى تنظر ما يقول في جوابه. فقال له جعفر: لا تتعجّل يا مولانا وترفق بنفسك فإن الصبر أجمل. فقال: وحياة رأسي وتربة العباس، إن لم تسأله لاخمدن منك الأنفاس. عند ذلك التفت الشاب إلى الوزير وسأله: مالك مع رفيقك تتساوران؟ سألتك بالله أن تخبرني بخبركما ولا تكتما عني شيئاً من أمركما. فقال له: يا مولاي إنه أبصر على جبينك ضرباً وأثر سياط ومقارع، فتعجب من ذلك غاية العجب وقال: كيف يضرب الخليفة؟ وقصده أن يعلم السبب، فلما سمع الشاب ذلك، تبسم وقال:

وقاتلتي فاقت جميع الكواعب

لها مقلة كحلاء مثل مهند

فترمي سهاما من قسى الحواجــب

وقد حس قلبي أن فيكم إمامـنا

خليفة هذا الوقت وابن الأطايب

وثانيكم وهو المــــنادي بجعـــــــفر

لديه وزير صاحب وابن صـــاحب

وثالثكم مسرور سياف نقمة..

لما سمعوا منه هذا الكلام، حلف له جعفر وأكد في يمينه أنهم غير المذكورين، فضحك الشاب وقال: اعلموا يا سادتي أنني لست أمير المؤمنين، إنما سميت نفسي بهذا الاسم لأبلغ ما أريد من أولاد المدينة. اسمي محمد بن علي الجوهري، وكان أبي من الأعيان، فمات وخلف لي مالاً كثيراً، من ذهب وفضة ولؤلؤ ومرجان وياقوت وزبرجد وجواهر وعقارات وحمامات وغيطان وبساتين ودكاكين وطوابين وعبيد وجوار وغلمان، فاتفق في أحد الأيام أن كنت جالساً في دكاني، وحولي الخدم والحشم، وإذا بجارية قد أقبلت راكبة على بغلة، وفي خدمتها ثلاث جوار كأنهن الأقمار، فلما اقتربت مني، نزلت على دكاني وجلست عندي وقالت لي: هل أنت محمد الجوهري؟ فقلت لها: نعم هو أنا مملوكك وعبدك، فقالت: هل عندك جوهر يصلح لي؟

قلت: يا سيدتي الذي عندي أعرضه عليك، وأحضره بين يديك، فإن أعجبك منه شيئاً كان هذا لسعد المملوك، وإن لم يعجبك شيئاً فلسوء حظي، وكان عندي مئة عقد من الجوهر، فعرضتها عليها كلها، فلم يعجبها أي شيء منها، وقالت: أريد أحسن مما رأيت، وكان عندي عقد صغير اشتراه والدي بمئة ألف دينار، ولا يوجد مثله عند أحد من السلاطين الكبار، فقلت لها: يا سيدتي ما بقي عندي إلا عقد من الجواهر، لا يملك مثله أحد من الأكابر، فقالت لي: أرني إياه، ولما رأته قالت: هذا مطلوبي وهو الذي طول عمري أتمناه، ثم قالت لي: كم ثمنه؟ فقلت لها: ثمنه على والدي مئة ألف دينار. فقالت: ولك خمسة آلاف دينار فائدة، فقلت: يا سيدتي العقد وصاحبه بين يديك، فقالت: لا بد من الفائدة، ولك المئة الزائدة... وهنا أدرك شهرزاد الصباح وسكتت عن الكلام المباح.

وإلى حلقة الغد

ارتدى ملابس تجار وعرف أن شخصاً يأتي إلى الدجلة كل ليلة ويدّعي أنه الرشيد بقصوره وغلمانه وخدمه وحشمه

قصة السيدة التي اشترت العقد بأكثر من مئة ألف دينار
back to top