أثناء وجوده في شركته التي يملكها، شعر المهندس الشاب «رامي» بدوار بسيط، فقرر العودة إلى فيلّته بالتجمع الخامس (شرق القاهرة)، لينال قسطا من الراحة، طلب من سكرتيرته الحسناء أن تلغي مواعيده، وتعتذر لعملائه، وتخبر سائقه الخاص أن يستعد لتوصيله إلى منزله. لم يكن الإرهاق الذي يتملكه نتاج إفراط في العمل، ولكن من أفعال زوجته التي طيرت النوم من عينيه، فرغم أنه يبادلها الحب، فإن دلعها وتصديقها الخرافات حوّل حياتهما إلى جحيم لا يطاق.

أخذت الأفكار تتلاعب بـ «رامي» وهو يجلس بجوار سائقه. كان يشعر بضعفه وقلة حيلته أمام جمال «سمر» ودلالها، لم يكن يعرف كيف يواجه زوجته التي تسيطر عليها أوهام السحر والشعوذة، وبمجرد أن دخل إلى فيلته اشتم رائحة بخور تملأ أرجاء بهو الفيلا، ووجد زوجته الحسناء «سمر» جالسة مع صديقاتها الثلاث. علت علامات الغضب وجه الزوج، وأدرك أن زوجته ابنة الوزير السابق تعقد مجلساً مع صديقاتها لحل مشكلتها الأزلية، وهي اعتقادها الراسخ بأن ثمة «عملاً سفلياً» خاصاً بها ينغّص عليها حياتها.

Ad

باقتضاب ألقى الزوج الشاب بالتحية على زوجته «سمر» وصديقاتها، وتوجه إلى غرفة نومه ليلقي بجسده على السرير طلباً للراحة، بينما أحست صديقات الزوجة بالحرج، وقررن المغادرة على وعد لـ «سمر» باستكمال جلسة البخور في وقت آخر.

ودعت «سمر» صديقاتها ثم صعدت إلى غرفة النوم وقالت لزوجها بقلق:

- مالك يا حبيبي رجعت بدري ليه... أنت تعبان ولا حاجة؟

رد «رامي» بصوت متعب قائلا:

* عندي صداع رهيب. جيت أرتاح شوية.

انقبض قلب الزوجة الشابة فهتفت قائلة:

- يا نهار أسود... صداع. أكيد العمل اللي معمول لي طالك أنت كمان يا رامي. ما هي الحكاية بدأت معايا كده بصداع.

قفز «رامي» من السرير قائلا في غيظ:

* عمل إيه بس يا سمر؟ بقولك عندي صداع... يا حبيبتي سيبك من الأوهام اللي أنتِ عايشة فيها دي. ما فيش حاجة اسمها أعمال لا سفلية ولا علوية.

وقاطعته «سمر» في غضب شديد قائلة:

- اسكت والنبي. بطل الكلام ده. السحر مذكور في القرآن.

وقاطعها «رامي» بدوره قائلا في حنق:

* ومذكور برضه في القرآن أن الجن ما يعرفش الغيب وأنه مخلوق ضعيف.

لم تجد «سمر» الحجة مقنعة لاستمرار النقاش والجدل مع زوجها في أمر السحر... راحت تبكي بحرقة وتقول:

- أنا تعبانة يا رامي. ما حدش حاسس بالنار اللي جوايا. كل الناس فكراني مجنونة لكن أنا مش مجنونة والله. أنا معمول لي سحر لازم تصدقني يا رامي.

وراح «رامي» يحتضن زوجته الباكية ويربت على كتفها برفق قائلا بحنان:

* إن شاء الله هتبقي كويسة يا حبيبتي. إن شاء الله.

سبع دوخات

ثلاثة أشهر كاملة داخ فيها «رامي» مع زوجته «سمر» السبع دوخات على عيادات الأطباء النفسيين. الكل أجمع على خلو الزوجة الشابة من أي مرض نفسي أو عضوي وعلى سلامة قواها العقلية. حاول «رامي» إقناع زوجته بالانصراف عن فكرة «العمل السفلي»، المعمول لها بعد كلام الأطباء لها، ولكن الزوجة الشابة رفضت كلمات زوجها، وأصرت على أنها مصابة بسحر أسود ينغّص عليها حياتها، ويجعلها تشعر باختناق وهزال في جسدها.

ويوماً بعد آخر، دب اليأس في قلب الزوج من شفاء زوجته من أوهامها، فقرر ترك الحبل لها على الغارب، وعندما طلبت منه البحث عن ساحر يفك لها العمل السفلي، ورغم عدم اقتناع «رامي» بأعمال الدجل والشعوذة، وافق على فكرة زوجته عسى أن تهدأ وتستقر حالتها.

كاد الرجل يفقد عمله وشركته بسبب ضغط زوجته الدائم عليه، لذا اعتقد بأن علاج زوجته بأي طريقة هو الحل الوحيد لعودته إلى الحياة الطبيعية، ولو كان الحل هذا يكمن في اللجوء إلى ساحر، لكنه قرر ألا يترك زوجته وحدها في مواجهة هذا العالم الغريب، إنما قرر أن يرافقها في رحلة البحث عن الساحر حتى لا يتركها بمفردها في هذا العالم الغريب المجهول.

لم تطل فترة البحث عن ساحر، فبعد يومين فقط همست إحدى صديقات «سمر» لها بوجود ساحر لا يشق له غبار في مدينة «الحوامدية» بمحافظة الجيزة، وراحت الصديقة تعدد مزايا هذا الساحر الذي ذاعت شهرته أرجاء مصر كلها، بل امتدت إلى بعض الدول العربية لا سيما الخليجية منها، وأحست «سمر» كأن طوق نجاة ألقي إليها وهي على وشك الغرق. أسرعت تخبر زوجها بأمر الساحر المعجزة، وطلبت منه السفر معها إلى الحوامدية للقاء الساحر الشهير، مؤكدة لزوجها أن إحساسها هذه المرة لن يخونها، وأن شفاءها سيكون على يد هذا الساحر الرهيب.

لقاء الساحر

انطلق الزوجان إلى مدينة الحوامدية، وداخل أحد المنازل المتواضعة جلسا في انتظار دورهما للقاء الساحر الشهير، ولم تمض نصف ساعة حتى سمح الساحر للزوجة بالدخول إليه، بينما رفض دخول الزوج من دون إبداء الأسباب، جن جنون «رامي»، ورفض أن يترك زوجته بمفردها في غرفة مع رجل غريب، قفز من مكانه صارخا في زوجته بحدة:

* «قومي نمشي... بلا ساحر بلا زفت».

لكن «سمر» راحت تتوسل إلى زوجها أن يوافق على دخولها حتى ترتاح من متاعبها، وتؤكد له أنها بمئة رجل، وألا يخشى عليها، ثم إنها تبعد عنه خطوات، لو حدث أي شيء لها ستصرخ وتستنجد به فورا، وعلى مضض وافق «رامي»، رغم قلقه العارم على زوجته التي انطلقت فرحة للقاء الساحر المنقذ.

لم يستغرق لقاء الساحر بالزوجة الشابة «سمر» سوى ربع ساعة، خرجت «سمر» بعدها وقد اكفهر وجهها، فارتسمت علامات القلق والتوتر على وجه «رامي»، الذي بادر زوجته يسألها عما جرى في الداخل، لكنها رفضت أن تنبث بكلمة حتى تغادر هي وزوجها المكان. خرج «رامي» مصطحباً زوجته من بيت الساحر المتواضع، لكنه ظل يلح على «سمر» أن تخبره بما جرى وما دار بينها وبين الساحر في غرفته.

قالت «سمر» في ذهول:

- أنا مش مصدقة نفسي، ده راجل مبروك بجد، عرف كل حاجة من غير ما أفتح بُقي بكلمة. قال لي إني معمول لي عمل سفلي بالهلاك والدمار، وأن واحدة من دمي هي اللي عملت لي العمل ده، وطلب مني أرجع له بكرة، ومعايا عرق وحب وبخور ولبان دكر، عشان يحرق العمل.

صمتت «سمر» للحظات وهي تنظر إلى الفراغ وكأنها منومة مغناطيسياً ثم استطردت قائلة في فرحة عارمة:

- «أنا حاسة يا رامي إن مشكلتي خلاص هتتحل، لازم بكرة نيجي للراجل المبروك ده... لازم».

كان الزوج يستمع إلى «سمر» وقلبه يعتصر من الألم على الحال الذي وصلت إليه زوجته خريجة الجامعة الأميركية، المثقفة ابنة معالي الوزير السابق.

في اليوم التالي، وداخل غرفة السحر لم تصدق «سمر» ما شاهدته بعينيها، أمسك الساحر بالطلبات التي أحضرتها الزوجة الشابة، وسكب عليها كوبا من الماء فاحترقت بعد أن تغير لون المياه إلى الأحمر، ثم قال لها بصوت أجش: «كده العمل اتحرق، لكن فاضل التحصين، عشان ما حدش يرجع يجدد لك العمل مرة تانية».

وسألت الزوجة وعلامات الانبهار على قسمات وجهها:

- والتحصين ده بيتعمل إزاي يا سيدنا الشيخ؟

صمت الساحر وهو يطالع جسد «سمر»، ثم قال وهو مغمض العينين:

* الجن بيأمرك إني أعاشرك.

وقعت كلمات الساحر على أذني «سمر» كالصاعقة، أفاقت من ذهولها وقالت وهي تلملم شتات نفسها من الخجل:

- بس أنا جوزي معايا بره!

عاد الساحر يقول بصوته الأجش في غضب:

* الجن بيأمرك أن المعاشرة تتم في بيتك، في سريرك، وفي وجود جوزك.

قالت «سمر» في خجل أكبر:

- الحكاية دي صعبة أوي يا مولانا... عموماً أديني فرصة وهأرد عليك بكرة.

عاد الساحر ليصمت من جديد للحظات ثم قال محذراً:

* عموما أنتِ حرة... عقلك في رأسكِ تعرفي خلاصك... لكن لا تعودي لي وتقولي العمل اللي معمول لي أتجدد تاني... أنا حذرتك.

خرجت «سمر» من بيت الساحر، ولم تستطع إخفاء الأمر عن زوجها «رامي»، الذي ظل صامتاً طوال طريق العودة إلى فيلته في التجمع الخامس، يفكر في وضع نهاية مناسبة لهذا الساحر قليل الأدب. بمجرد أن وصل الزوجان إلى فيلتهما قال «رامي» لزوجته في لهجة آمرة: «اطلعي أنتِ دلوقتي. أنا رايح مشوار... نص ساعة وأرجع لك». حاولت «سمر» أن تعرف إلى أين سيذهب زوجها «رامي»، ولكن الزوج أمر السائق بالانطلاق إلى مديرية أمن القاهرة.

المشعوذ... سبّاك

في مديرية الأمن، طلب المهندس الشاب لقاء رئيس مباحث العاصمة، وجلس الضابط الكبير يستمع إلى البلاغ الذي تقدم به «رامي» ضد الساحر قليل الأدب الذي تحرش بزوجته، والعرض الشاذ الذي طلبه منها بحجة تحصينها من العمل السفلي المعمول لها. لحظات وأرسل رئيس المباحث في طلب أحد مساعديه ليستمع معه إلى قصة الساحر، وما إن استمع المساعد مقتطفات من الحكاية حتى صاح قائلا لرئيسه: «ده أكيد الشيخ ثروت».

قال الزوج هاتفاً في فرحة: «أيوه اسمه ثروت فعلا».

وهنا ابتسم رئيس المباحث موجها كلامه للمهندس الشاب:

- «إحنا عارفينه كويس... أنا لوحدي قابض عليه ثلاث مرات قبل كده».

وقال الزوج في حرج:

* وسايبينه ليه يا فندم؟

ورد رئيس المباحث قائلاً:

- «ما هو لازم ناس زي حضرتك كده يقدموا بلاغ الأول... عموماً، أنت كده عملت اللي عليك ودلوقتي يجي دورنا. إحنا عاوزينك يا باشمهندس توافق على طلبات الساحر... خلي المدام تتصل به وتقول له إنك وافقت... وإحنا ح نكون في انتظاره عندك في البيت علشان نمسكه متلبس قبل ما يلمس شعرة من زوجتك... اطمئن».

عاد «رامي» إلى فيلته في ساعة متأخرة، فأسرعت إليه زوجته «سمر» تسأل عن المشوار الغامض الذي كان فيه. ربت «رامي» على كتف زوجته وقص عليها أمر الخطة التي أعدها رجال مباحث القاهرة لإسقاط هذا الساحر المشعوذ، وقال لزوجته بابتسامة عريضة على شفتيه: «اتصلي بالساحر الحيوان ده وقولي له إني موافق على طلباته».

في اليوم التالي، ضربت «سمر» موعداً للساحر في فيلتها، بناء على الاتفاق الذي تم بين زوجها وبين رجال مباحث العاصمة، ومنذ الصباح الباكر كان أكثر من عشرة رجال من الشرطة السريين يملؤون جنبات فيلا المهندس «رامي»، ثلاثة منهم كانوا في غرفة النوم وحدها، حتى يطمئن الزوج أن الساحر لن يلمس شعرة من زوجته كما وعده رئيس المباحث، فيما انتشر باقي أفراد القوة في أرجاء الفيلا وحولها، أحكموا الحصار ولم يتركوا للساحر ثقب إبرة يهرب منه.

وجاءت ساعة الصفر... وصل الساحر ودخل مع الزوجة إلى غرفة نومها، وتركا الزوج في بهو الفيلا بمفرده، ولم يخطر ببال الساحر أن قوة من ضباط المباحث منتشرة في أرجاء الفيلا، ولم تمض دقائق حتى صرخت «سمر»، بمجرد اقتراب الساحر منها، كانت صرختها هي الإشارة لرجال المباحث ليقتحموا الغرفة ويلقوا القبض على الساحر.

وقف الساحر مذهولاً، راح يصرخ ويهدد الجميع أن الجان لن يتركهم في حالهم بعد الآن، وسينتقم منهم جميعاً، بينما راح أفراد القوة يدفعونه أمامهم في سخرية ويقولون له باستهزاء: «لو مسكتش هنقبض على الجن بتاعك هو كمان».

أحيل الساحر إلى النيابة، وأمام وكيل النائب العام لم يجد مفراً من الاعتراف بمحاولته التحرش بالزوجة الشابة «سمر»، بعدما أعجبه قوامها الممشوق، وقال إنه أدى أمامها بعض الألعاب السحرية مثل تحويل لون المياه إلى اللون الأحمر من خلال استخدام عملية كيماوية لمحلول كربونات الصوديوم، مع حمض الهيدروكلوريك، فصبهما في وعاء يحتوي نصفه على ماء، فتحول لون الماء إلى اللون الأحمر، وانبهرت الزوجة واعتقدت أن العمل قد تم حرقه وإبطاله.

وأضاف الساحر في اعترافاته أنه يعمل سباكا، وأنه احترف الدجل والشعوذة منذ سنوات، وأقر بقيامه بهتك عرض كثيرات من زبائنه بحجة علاجهن من السحر.

كانت «سمر» تستمع إلى اعترافات الساحر ويكاد الخجل من نفسها يقتلها. أحست أنها، رغم سنوات دراستها وتخرجها في الجامعة الأميركية، لا تختلف عن أي امرأة جاهلة لم تتلق ولو قسطاً بسيطاً من التعليم الأساسي، وقرر وكيل النائب العام إحالة المتهم إلى محكمة جنايات القاهرة، لتقضي بمعاقبة الساحر قليل الأدب بالسجن المشدد 5 سنوات، بعد إعلان الحكم اقتربت «سمر» في خوف ومسكت بيد زوجها «رامي»، وتطلعت إلى عينيه وقالت:

- «أنا خايفة أوي يا رامي من تهديدات الساحر لنا، خايفة يسلط علينا العفاريت تعمل فينا حاجة».

رد الزوج متبرما: «تاني يا سمر... يا حبيبتي ما عفريت إلا بني آدم».