لـ «الإخوان» في كل مكان!
رغم كل ما أحيط به من تشكيك وغمز ولمز فإن من يعرف راشد الغنوشي، زعيم حركة النهضة، التي تحولت إلى حزب سياسي تونسي قطع صلته نهائياً بما يسمى "الإسلام السياسي"، لابد أنه كان يعرف أن خطوته التي أقدم عليها بقناعة، ونتيجة معاناة طويلة، ستشجع العديد من القياديين "الإخوانيين" على الإقدام على ما بقوا يفكرون فيه منذ فترة سابقة بعيدة، وحقيقة إن هذا ما حصل، حيث لم يكن مفاجئاً أن يتخذ ما يوصفون بأنهم "عقلاء" جماعة الإخوان المسلمين في الأردن، وهم في حقيقة الأمر كذلك، خطوتهم الشجاعة التي اتخذوها، والتي جاءت في اللحظة التاريخية المناسبة تماماً.وبالطبع فإن هؤلاء، الذين كانوا ومازالوا والمؤكد أنهم سيبقون رموزاً وطنية لها دورها الرئيسي في الحياة السياسية الأردنية والعربية أيضاً، سيتعرضون لاتهامات الذين يصرون على التمترس في خنادقهم القديمة، كما أنهم لن يسلموا من "ألسنة" الذين امتهنوا شتم الآخرين، دون أن يعطوا أنفسهم فرصة للحكم على تجربة لم تأت على نحو مفاجئ، ولا هي نتيجة نزوة آنية، ولا هي أيضاً محصلة معاناة شخصية.
لقد ألقى الشيخ راشد الغنوشي، صاحب التجربة الطويلة والمعاناة الصعبة، حجراً في بركة لم تكن راكدة، ثم وعندما تبادر هذه القيادات "الإخوانية" الأردنية، المشهود لها بالوطنية والعقلانية والكفاءة السياسية وبُعد النظر والحكمة والتروي، فإن هذا يعني أن حركة التاريخ بالنسبة لهذا التيار، الذي هو أحد تيارات القرن العشرين الرئيسية، قد وضعت أقدامها على بداية الطريق الصحيح، هو أن ما غدا مطلوباً مع بداية القرن الحادي والعشرين والألفية الثالثة هو الأحزاب البرامجية، وليس أحزاب النظريات الجامدة التي ثبت بعد أعوام طويلة أنها في واد، وأن هموم الشعوب وقضاياها في وادٍ آخر. إنه انسجام مع الذات ومع القناعات المستجدة، التي ترتبت على معاناة مسيرة طويلة على طريق شائك أوصل السائرين عليه أن تخطو هذه المجموعة القيادية "الإخوانية" الخطوة التي أقدم الشيخ راشد الغنوشي ومعه الأساسيون من قيادات "حركته" و"حزبه"، والمفترض أنها ستدفع كل تنظيمات وتشكيلات جماعة الإخوان المسلمين في الوطن العربي كله إلى إعادة النظر بأوضاعهم واتخاذ الخطوة ذاتها، والمؤكد أنه لا يوجد "مقدسٌ" ومن المهد إلى اللحد في العمل التنظيمي السياسي، فالحياة كالنهر الذي يراه المراقب، وكأنه مستقر وثابت، وهو في الحقيقة متغير دائماً وأبداً وفي كل لحظة، وهذا يتطلب مراجعة دائمة ومستمرة في كل حزب من الأحزاب في ضوء مستجدات مجتمعاتها، وإلا فإن حركة التاريخ ستتجاوزه، وسيتحول في النهاية إلى وعاءٍ أكله الصدأ، ويضم أناساً لا تتجاوز تطلعاتهم المستقبلية أرنبات أنوفهم.الآن أصبح "التنظيم العالمي" للإخوان المسلمين عبئاً على نفسه، وعبئاً على فروعه، وعبئاً على المجتمعات التي تنشط فيها هذه الفروع، وهنا فإن الأخطر أن الفشل قد حول بعض فروعه كـ"جماعة مصر" إلى التطرف والعنف والإرهاب، ويقيناً إن هذا سيكون مصير كل تشكيلات هذا التنظيم إن لم يسارع عقلاء هذه "الجماعة" إلى الإقدام على الخطوة التي أقدم عليها الشيخ راشد الغنوشي، والخطوة التي أقدم عليها إخوانهم... وإخواننا في "إخوان الأردن"!