أمل دنقل أحد أبرز شعراء الرفض والمقاومة في مصر، وأحد أضلاع مثلث الإبداع الشهير مع صديقيه الأبنودي ويحيى الطاهر عبد الله، وهم مثلوا تجربة مميزة شغلت ولا تزال الأوساط الثقافية العربية.

تجاهلت وزارة الثقافة المصرية الاحتفال بالذكرى الثالثة والثلاثين لوفاته، ربما كي لا تشارك في جدل في العالم الافتراضي حول صورة للمطربة دينا مسعود تجلس فيها على أحد الشواطئ، وييدو على ظهرها وشم لجملة «خصومة قلبي مع الله»، وهي صورة فتحت عليها أبواب النقد والاستهجان من عدد كبير من الجماهير، ورواد مواقع التواصل الاجتماعي.

Ad

الجملة موجودة في قصيدة «مراثي اليمامة»، وهي عبارة عن مرثية على لسان اليمامة بنت كليب، مليئة بالنواح والبكاء على مقتل والدها الملك، حيث تندب حظه وتعبر عن كمدها وحزنها لمقتله غيلة بيد أعدائه.

ترك دنقل إنجازاً شعرياً مميزاً، ورغم أنه كان قليلاً (ستة دواوين) فإنه صنع أسطورة شاعر ما زال الناس بعد وفاته بـ33 عاماً يرددون أشعاره ويعتبرونها وقوداً، فهو شاعر الثورات المصرية والصوت الصادق لنبض الوطن، ولا يزال حاضراً في أذهان الشباب الثائر في كل مكان.

لفت دنقل الانتباه إليه بشدة من خلال ديوانه الأول «البكاء بين يدي زرقاء اليمامة» عام 1969، حيث جسّد إحساس الإنسان العربي بنكسة 1967. وهو الشاعر الصعلوك، كما كانوا يصفونه، وكان هذا الوصف يسعده. وكانت قصيدته «أغنية الكعكة الحجرية» حدثاً في تاريخ الشعر السياسي في مصر، بل في الشعر العربي بأجمعه، وهو كتبها وسط تظاهرات الطلاب وصدامهم الشهير مع سلطة النظام عام 1972: اذكريني/ فقد لوثتني العناوين/ في الصحف الخائنة/ لونتني لأني منذ الهزيمة لا لون لي/ غير لون/ الضياع.

وجوه أخرى

وصفته عبلة الرويني في مذكراتها بـ{الصعيدي المحافظ العنيد، الذي لا يتزحزح عما في رأسه، وقضيته دائماً هي الحرية، ومشواره الدائم يبدأ بالخروج». وتظل قصيدته الأشهر «لا تصالح» تمثل أقسى درجات رفضه السياسي، وهي حاضرة بقوة في كل أزمة تعيشها أمتنا العربية.

الموظف والناقد

بعيداً عن الوجه السياسي، يحمل دنقل وجوهاً أخرى يقول عنها الكاتب والناقد الأدبي أحمد الشريف: «ثمة وجوه عدة لأمل دنقل. هو الموظف، والناقد، والرومانسي»... الموظف حيث حصل على الثانوية العامة عام 1957، والتحق بكلية الآداب جامعة القاهرة عام 1958 لمدة عام فقط، عاد بعدها إلى محافظة قنا وعمل موظفاً في المحكمة لكنه انشغل بالشعر والحياة وترك الوظيفة. غادر إلى القاهرة مجدداً فعاد ليعمل موظفاً في مصلحة الجمارك بالسويس ثم بالإسكندرية، ولكنه ترك العمل نهائياً وتفرغ لشعره عام 1971.

أما وجه الناقد فهو ما بدا في رأيه في الشعر والشعراء في حوار تلفزيوني مع الشاعر فاروق شوشة، يقول: «أصبح للشاعر وظيفة اجتماعية، بصرف النظر عن الموقف السياسي. يجب أن يكون له موقف اجتماعي من الناس ومن قضايا المجتمع ومن قضايا العصر الذي يعيش فيه». أما رأيه في الشعر: «كل الشعر الذي ظهر ويتبنى شعارات سياسية زاعقة هو شعر لا يحمل الأسس الفنية لتقييمه، كذلك الشعر الذي ينشر غالباً ونجده مجرد ترجمة لنشاطات الصحف... قصيدة في مختلف المشروعات، قصيدة حول دخان المصانع، قصيدة حول الإنجازات الوطنية والاجتماعية... هذه في الحقيقة قصائد ساذجة».

فيما يتعلّق بالوجه الرومانسي، كان دنقل المحب كما بدا في قصيدة «العينان الخضراوان» وجاء فيها:

العينان الخضراوان مروحتان/ في أروقة الصيف الحران/ أغنيتان مسافرتان/ أبحرتا من نايات الرعيان بعبير حنان/ بعزاء من آلهة النور إلى مدن الأحزان/ سنتان وأنا أبني زورق حب/ يمتد عليه من الشوق شراعان/ كي أبحر في العينين الصافيتين إلى جزر المرجان/ ما أحلى أن يضطرب الموج فينسدل الجفنان/ أنا أبحث عن مجداف عن إيمان!

في صمت «الكاتدرائيات» الوسنان صور «للعذراء» المسبلة الأجفان/ يا من أرضعت الحب صلاة الغفــــــران وتتمطى في عينيك المسبلتين شباب الحرمان/ ردّي جفنيك لأبصر في عينيك الألوان/ أهما خضراوان كعيون حبيبي؟ كعيون يبحر فيها البحر بلا شطاّن/ يسأل عن حبّ عن ذكرى عن نسيان! قلبي حران حران/ والعينان الخضراوان مروحتان.

نبذة

ولد أمل دنقل في أسرة صعيدية في عام 1940 بقرية القلعة، مركز قفط بمحافظة قنا في صعيد مصر. كان والده عالماً من علماء الأزهر الشريف فأثر في شخصيته وقصائده بشكل واضح. ورث عن والده موهبة الشعر وكان يكتب العمودي منه، كذلك كان يملك مكتبة ضخمة تضم كتباً في الفقه والشريعة والتفسير وذخائر التراث العربي، ما ساهم في تكوين اللبنة الأولى لدنقل لهذا الأديب.

فقد دنقل والده وهو في العاشرة من عمره، ما أثر عليه كثيراً وأكسبه مسحة من الحزن تجدها في أشعاره كافة. رحل إلى القاهرة بعدما أنهى دراسته الثانوية، والتحق بكلية الآداب ولكنه انقطع عن الدراسة منذ العام الأول كي يعمل. عمل موظفاً في محكمة قنا وجمارك السويس والإسكندرية ثم بعد ذلك موظفاً في منظمة التضامن الأفرو آسيوي.

استوحى دنقل قصائده من رموز التراث العربي، وكان السائد في ذلك الوقت التأثر بالميثولوجيا الغربية عموماً واليونانية خصوصاً، فعبّر عن مصر وصعيدها وناسها، ونجد هذا واضحاً في قصيدته «الجنوبي» في آخر مجموعة شعرية له «أوراق الغرفة 8».

أصيب دنقل بالسرطان وعاناه لمدة تقرب من ثلاث سنوات، ويتضح ذلك في مجموعته «أوراق الغرفة 8» وهو رقم غرفته في المعهد القومي للأورام حيث أمضى ما يقارب الأربع سنوات، وعبرت قصيدته «السرير» عن آخر لحظاته ومعاناته.

رحل أمل دنقل في 21 مايو عام 1983، وكانت آخر لحظاته في الحياة برفقة كل من د. جابر عصفور وعبد الرحمن الأبنودي صديق عمره، مستمعاً إلى إحدى الأغاني الصعيدية القديمة.

صدرت له ست مجموعات شعرية هي:

«البكاء بين يدي زرقاء اليمامة» - بيروت 1969.

«تعليق على ما حدث» - بيروت 1971.

«مقتل القمر» - بيروت 1974.

«العهد الآتي» - بيروت 1975.

«أقوال جديدة عن حرب بسوس» - القاهرة 1983.

«أوراق الغرفة» 8 - القاهرة 1983.