الرشيد يزوّج شقيقة جعفر من «الخليفة المزيّف»

نشر في 07-06-2016
آخر تحديث 07-06-2016 | 00:00
No Image Caption
في الحلقة الثانية من «ألف ليلة وليلة»، نستكمل رحلة الخليفة هارون الرشيد مع وزيره جعفر البرمكي وسيافه مسرور، للبحث عن أسرار ذلك الشاب الثري غريب الأطوار محمد الجوهري، الذي يدّعي أنه خليفة المسلمين هارون الرشيد، وبدأ يحكي حكايته للخليفة الحقيقي المتخفي مع وزيره وسيافه، في زي تجار أغراب عن بغداد، إلى أن أنهاها وقرر الخليفة مساعدته في نهاية الحكاية.
كذلك نتعرف إلى بداية حكاية علي المصري، الذي ورث أموالاً طائلة عن والده، إلا أنه لم يكن عند حسن الظن، إذ خالف وعوده للوالد قبل أن يرحل وعمل على تبديد الثروة...
انتهينا في الحلقة السابقة، عند الشاب محمد الجوهري الذي بدأ يحكي حكايته، وقال فيها إنه ولد ثرياً وابناً لتاجر كبير في بغداد، وأنه في أحد الأيام، وبينما كان جالساً في دكانه، وحوله الخَدَم والحَشَم، إذا بجارية أقبلت راكبة على بغلة، في خدمتها ثلاث جوار كأنهن الأقمار، فلما اقتربت منه، نزلت دكانه وجلست عنده وسألت: هل عندك جواهر تصلح لي؟.. فقال لها إن لديه عقداً من الجواهر، لا يملك مثله أحد من الأكابر، وثمنه مئة ألف دينار. لما رأته قالت: هذا مطلوبي وهو الذي طول عمري أتمناه، ولك خمسة آلاف دينار فائدة. فقال: يا سيدتي العقد وصاحبه بين يديك، فقالت: لا بد من الفائدة، ولك المنة الزائدة.

ثم قامت من وقتها وركبت البغلة بسرعة وقالت لي: تعال معنا لتأخذ الثمن، فإن نهارك اليوم بنا مثل اللبن. قمت وسرت معها إلى أن وصلنا إلى الدار، فوجدت عليها آثار السعادة لائحة، وكان بابها مزركشاً بالذهب والفضة واللازورد، كتب عليها هذان البيتان:

ألا يا دار لا يدخلك حزن...

ولا يغدر بصــــاحبك الزمان 

فنعم الدار أنت لكل ضيف...

إذا ما ضاق بالضيف المكان 

نزلت الجارية ودخلت الدار، وأمرتني بالجلوس على مصطبة الباب، إلى أن يأتي الصيرفي، فجلست على باب الدار ساعة وإذا بجارية خرجت إليّ وقالت: يا سيدي ادخل الدهليز فإن جلوسك على الباب قبيح. قمت ودخلت الدهليز، وجلست على الدكة. بينما أنا جالس وإذا بجارية خرجت إليّ وقالت لي: يا سيدي إن سيدتي تقول لك ادخل واجلس على باب الإيوان حتى تقبض مالك. قمت ودخلت البيت وجلست لحظة، وإذا بكرسي من الذهب وعليه ستارة من الحرير، وإذا بتلك الستارة قد رفعت فبدت من تحتها الجارية التي اشترت مني العقد، وقد أسفرت عن وجه كأنه القمر... والعقد في عنقها فطار عقلي واندهش لبي من فرط جمالها. لما رأتني قامت من فوق الكرسي وسعت نحوي، وقالت لي: يا نور عيني، هل من كان مليحاً مثلك لا يرثي لمن تيمها هواه؟ قلت: يا سيدتي الحسن كله فيك، وهو من بعض معانيك. فقالت: يا جوهري اعلم أني أحبك وما صدقت أني أجيء بك عندي.

وهنا أدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح.

أخت جعفر البرمكي

لما كانت الليلة الخامسة والثمانون بعد المئة، قالت شهرزاد: بلغني أيها الملك السعيد أن الجارية قالت للجوهري: أنا السيدة دنيا بنت يحيى بن خالد البرمكي، وأخي جعفر وزير الخليفة. لما سمع ذلك منها قال لها: يا سيدتي مالي ذنب في التهجم عليك، أنت أطمعتني فيك. فقالت: لا بأس عليك، ولا بد من بلوغك المراد بما يرضي الله فإن أمري بيدي، والقاضي ولي عقدي، والقصد أن أكون لك أهلاً، وتكون لي بعلاً. ثم دعت بالقاضي والشهود، فلما حضروا قالت لهم: هذا محمد بن علي الجوهري قد طلب زواجي، ودفع لي هذا العقد في مهري، وأنا قبلت ورضيت. قال الجوهري: كتبوا كتابي عليها، وأحضرت آلات الراح، ودارت الأقداح بأحسن نظام وأتم حكام، ولما شعشعت الخمر في رؤوسنا أمرت جارية عوادة أن تغني، فأخذت العود وأطربت بالنغمات، وأنشدت هذه الأبيات :

بدا فأراني الظبي والغصن والبدرا فتبا لقلب لا يبيت به مـــغري 

مليح أراد الله إطفـــــــــاء فتنة بعارضه فاستؤنفت فتنة أخرى 

أغالط عذالي إذا ذكـــــــــر له حديثا كأني لا أحب له ذكـــرا 

وأصغي إذا فاهوا بغير حديثه بسمعي ولكني أذوب به فكرا 

نبي جمال كل ما فيه معجــــز من الحسن لكن وجهه الآية الكبرى 

قام بلال الخال في صحن خده يراقب من لألاء غرته الفجرا 

يريد سلوى العاذلون جهالـــــة وما كنت أرضى بعد الإيمان كفرا 

أطربت الجارية بما أبدته من نغمات الأوتار، ورقيق الأشعار، ولم تزل الجواري يغنين جارية بعد جارية وينشدن الأشعار، إلى أن غنت عشر جوار، وبعد ذلك أخذت السيدة دنيا العود فأطربت بالنغمات وأنشدت هذه الأبيات: 

قسما بغصن قوامك المياس أني لنار الهجر منك أقاسي 

فارحم حشى بلظى هواك تسعرت يا بدر تم في دجى الأغلاس

أنعم بوصلك لي فإني لم أزل أجلو جمالك في ضياء الكأس 

ما بين ورد نوعت ألوانه وزهت محاسنه خلال الآس 

لما فرغت من شعرها أخذت العود منها، وضربت عليه غريب الضربات، وغنيت بهذه الأبيات: 

سبحان ربي جميع الحسن أعطاك حتى غدوت أنا من بعض أسراك 

يا من لها ناظر تسبي الآنام به هل الأمان لنا من سهم مرمـــــاك 

ضدان: ماء ونار في سنا لهب حواهما بغريب الشـــــــكل خداك 

أنت النعيم لقلبي والعذاب لــــه فما أمرّك في قلبــــــــــي وأحلاك 

لما سمعت مني هذا الغناء، فرحت فرحاً شديداً، ثم صرفت الجواري وقمنا إلى أحسن مكان قد فرش لنا فيه فرش من سائر الألوان.

وأدرك شهرزاد الصباح، فسكتت عن الكلام المباح.

الملكة زبيدة

لما كانت الليلة السادسة والثمانون بعد المئة، قالت شهرزاد: بلغني أيها الملك السعيد، أن محمد بن علي الجوهري قال: ثم أقمت عندها شهراً كاملاً، وقد تركت الدكان، والأهل والأوطان، فقالت لي يوماً من الأيام: يا نور العين أني قد عزمت اليوم على المسير إلى الحمام، فاستقر أنت على السرير، ولا تنتقل من مكانك حتى أرجع إليك، وحلفتني على ذلك، فقلت لها: سمعاً وطاعة. أخذت جواريها وذهبت إلى الحمام، إلا جارية عجوز لم تذهب معها، وجاءتني وقالت لي إن الملكة زبيدة تدعوك لتذهب إليها، فقلت لها إني لا أخالف ما اتفقت عليه مع السيدة، فقالت العجوز: ما كانت الملكة زبيدة تدعوك، فإنها سمعت بأدبك وظرفك وحسن غنائك. فقلت لها: والله ما أقوم من مكاني حتى تأتي السيدة دنيا.

قالت العجوز: يا سيدي لا تدع الملكة زبيدة تغضب عليك، فقم ثم ارجع إلى مكانك. قمت من وقتي والعجوز أمامي، فلما وصلت إليها قالت لي: هل أنت معشوق السيدة دنيا؟ فقلت: أنا مملوكك وعبدك، فقالت: صدق الذي وصفك بالحسن والأدب والكمال، فإنك فوق الوصف والمقال، ولكن غن لي حتى أسمعك. فقلت: سمعاً وطاعة، فأتتني بعود فغنيت عليه:

قلب المحب مع الأحباب مغلوب وجسمه بيد الأسقام منــــــهوب 

ما في الرجال زمت ركائبــــهم إلا محب له في الركب محبـوب 

استودع الله في أطنابكم قمـــرا يهواه قلبي وعن عيني محجوب

يرضي ويغضب ما أحلى تدلله وكل ما يفعل المحبوب محبوب

لما فرغت من الغناء قالت لي: اصح الله بدنك، وطيب أنفاسك، فقد كملت في الحسن والأدب والغناء، فقم وامض إلى مكانك قبل أن تجيء السيدة دنيا فتغضب عليك. قبلت الأرض بين يديها، وخرجت والعجوز أمامي إلى أن وصلت إلى الباب الذي خرجت منه، فدخلت وجئت إلى السرير فوجدتها قد جاءت من الحمام وهي نائمة على السرير فقعدت عند رجليها وكبستها.

لما رأتني تحت رجليها رفستني ورمتني من فوق السرير وقالت لي: يا خائن خنت اليمين وحنثت فيه ووعدتني أنك لا تنتقل من مكانك وأخلفت الوعد وذهبت إلى الملكة زبيدة! والله لولا خوفي من الفضيحة لهدمت قصرها على رأسها. ثم قالت لعبدها: يا صواب، قم اضرب رقبة الخائن الكذاب، فلا حاجة إلينا به. تقدّم العبد وشرط من ذيله رقعة عصب بها عيوني، وأراد أن يضرب عنقي.

وأدرك شهرزاد الصباح، فسكتت عن الكلام المباح.

 

شفاعة الجواري

لما كانت الليلة السابعة والثمانون بعد المئة، قالت شهرزاد: «بلغني أيها الملك السعيد أن محمد الجوهري قال: لما عصب العبد عيني وأراد أن يضرب عنقي، قامت الجواري وقلن لها: يا سيدتنا ليس هذا أول من أخطأ، وهو لا يعرف خلقك، وما فعل ذنباً يوجب القتل. فقالت: والله لا بد من أن أعمل فيه أثراً. ثم أمرت بضربي، فضربوني على أضلاعي، وهذا الذي رأيتموه أثر ذلك الضرب. 

بعد ذلك أمرت بإخراجي، فأخرجوني وأبعدوني عن القصر، فحملت نفسي ومشيت قليلاً قليلاً حتى وصلت إلى منزلي، وأحضرت جراحاً وأريته الضرب، فلاطفني وسعى في مداواتي. لما شفيت ودخلت الحمام، وزالت عني الأوجاع والأسقام، جئت إلى الدكان وأخذت جميع ما فيه وبعته، وجمعت ثمنه واشتريت لي أربعمئة مملوك، ما جمعهم أحد من الملوك، وصار يركب معي منهم في كل يوم مئتان.

وعملت هذا الزورق وصرفت عليه خمسة آلاف دينار من الذهب، وسميت نفسي بالخليفة، ورتبت من معي من الخدم والحشم. لما سمع هارون الرشيد كلامه، وعرف وجده ولوعته وغرامه، قال: سبحان الله جعل لكل شيء سبباً. ثم استأذنوا الشاب في الانصراف فأذن لهم، واضمر له الرشيد الإنصاف، وأن يتحفه غاية الإتحاف. لما وصلوا إلى محل الخلافة وغيروا ما عليهم من الملبوس، ولبسوا أثواب المواكب، قال الخليفة لجعفر: عليَّ بالشاب.. وهنا أدرك شهرزاد الصباح، فسكتت عن الكلام المباح.

الجوهري يتزوّج دنيا

لما كانت الليلة الثامنة والثمانون بعد المئة، قالت شهرزاد: بلغني أيها الملك السعيد أن الخليفة قال للوزير: عليَّ بالشاب الذي كنا عنده في الليلة الماضية، فقال: سمعاً وطاعة. ثم توجه إليه وسلم عليه، وقال له: أجب أمير المؤمنين الخليفة هارون الرشيد. فسار معه إلى القصر حتى دخل على الخليفة فقبل الأرض بين يديه، ودعا له بدوام العز والإقبال وبلوغ الآمال، فتبسم الخليفة في وجهه ورد عليه السلام، والتفت إليه بعين الإكرام وقربه لديه، وأجلسه بين يديه، وقال له: يا محمد علي، أريد منك أن تحدثني بما وقع لك في تلك الليلة فإنه من العجائب وبديع الغرائب. قال الشاب: العفو يا أمير المؤمنين. أعطني الأمان ليسكن روعي ويطمئن قلبي. فقال له الخليفة: لك الأمان من الخوف والأحزان. شرع الشاب يحدثه بما حصل له من أوله إلى آخره. فقال الخليفة له: أتحب أن أردها عليك؟ قال: هذا من فضل أمير المؤمنين.

عند ذلك التفت الخليفة إلى الوزير وقال له: يا جعفر أحضر لي أختك السيدة دنيا. فقال: سمعاً وطاعة يا أمير المؤمنين. ثم أحضرها في الوقت والساعة، فلما مثلت بين يديه سألها الخليفة: أتعرفين من هذا؟ قالت: يا أمير المؤمنين من أين للنساء معرفة الرجال؟ تبسم الخليفة، وقال لها: يا دنيا هذا حبيبك محمد بن علي الجوهري، وقد عرفنا الحكاية من أولها إلى آخرها، وفهمنا ظاهرها وباطنها، والأمر لا يخفي إن كان مستوراً.

قالت: يا أمير المؤمنين كان ذلك في الكتاب مسطوراً، وأنا أستغفر الله العظيم مما جرى مني، وأسألك العفو من فضلك عني. ضحك الخليفة هارون الرشيد، وأحضر القاضي والشهود، وجدد عقدها على زوجها محمد بن علي الجوهري، وحصل لها وله سعد السعود، وإكماد الحسود، وجعله من جملة ندمائه، واستمروا في سرور، ولذة وحبور، إلى أن أتاهم هادم اللذات، ومفرق الجماعات.

لما سمع الملك شهريار الحكاية، قال: والله إنها لآية في العجب وأي آية. فقالت شهرزاد: ما هي يا مولاي بأعجب من حكاية التاجر علي المصري، فقال لها: ما حكايته؟ 

علي المصري

لما كانت الليلة التاسعة والثمانون بعد المئة، قالت شهرزاد للملك شهريار: يحكى أنه كان في مصر رجل تاجر، عنده شيء كثير من المال والجواهر والمعادن، وله أملاك لا تحصى، واسمه حسن الجوهري البغدادي، وقد رزقه الله بولد حسن الوجه، معتدل القد، مورد الخد، ذي بهاء وكمال وبهجة وجمال، فسماه علياً المصري، ثم علمه القرآن والعلم والفصاحة حتى صار بارعاً في كل العلوم. كذلك درّبه على العمل في التجارة. حدث أن مرض حسن الجوهري وأيقن بالموت فأحضر ولده علي المصري وقال له: يا ولدي إن الدنيا فانية، والآخرة باقية، وكل نفس ذائقة الموت، والآن قد قربت وفاتي، وأريد أن أوصيك وصية إنْ عملت بها لم تزل آمناً سعيداً إلى أن تلقى الله تعالى، وإن لم تعمل بها فإنه يحصل لك تعبٌ شديد، وتندم على ما فرطت به في وصيتي.

فقال له: يا أبت، كيف لا أعمل بوصيتك مع أن طاعتك وسماع قولك واجب عليَّ؟ فقال له: يا ولدي إني خلفت لك أماكن ومتاجر وأمتعة وأموالاً وجواهر لا تحصى، إن كنت تنفق في كل يوم خمسمئة دينار، لم ينقص ذلك من ثروتك، ولكن يا ولدي عليك بتقوى الله، واتباع ما أمر به من الفرائض، وكن مواظباً على فعل الخيرات وصحبة أهل الخير والصلاح والعلم، وعليك بالإحسان إلى الفقراء والمساكين، وتجنّب الشح والبخل وصحبة الأشرار وذوي الشبهات، وانظر إلى خدمك بالرأفة، وأكرم زوجتك فإنها من بنات الأكابر، وهي حامل منك، لعل الله يرزقك منها بالذرية الصالح. 

وما زال يوصيه وهو يبكي ويقول له: يا ولدي أسأل الله الكريم رب العرش العظيم أن يخلصك من كل ضيق يحصل لك ويدرك بالفرق القريب منه. فبكى الولد بكاء شديداً. ثم صار الرجل يتشهد ويقرأ إلى أن شهق ففارقت روحه جسده وتوفي إلى رحمة الله تعالى، فحزن ولده أشد الحزن، وعلا الضجيج في بيته، واجتمع عليه أصحاب والده، فأخذوا في تجهيزه، ثم حملوا جثمانه إلى المقبرة، فأودعوه مقره الأخير، ورجعوا إلى المنزل فعزوا ولده وانصرف كل منهم إلى سبيله.

ولم يزل ولده أربعين يوماً وهو مقيم في البيت لا يخرج إلا إلى المُصلى لأداء صلاة الجمعة، وإلى قبر والده لزيارته، وبعد ذلك دخل عليه أقرانه من أولاد التجار، وقالوا له: إلى متى هذا الحزن الذي أنت فيه وترك شغلك وتجارتك واجتماعك بأصحابك؟ وصاروا يحسنون له أن يخرج معهم إلى السوق، وإبليس يغريه بموافقتهم إلى أن وافقهم على الخروج معهم من البيت .

إفلاس التاجر

لما كانت الليلة التسعون بعد المئة، قالت شهرزاد:

بلغني أيها الملك السعيد أن التاجر علي المصري ابن التاجر حسن الجوهري خرج إلى السوق مع أصحابه، ثم نزل على رغبتهم فركب بغلته وتوجه معهم إلى البستان ليتفرج فيه لعله ينسى الحزن، وكان أحدهم أعد لهم الغداء وأحضره إلى البستان، فأكلوا وانبسطوا، وجلسوا يتحدثون إلى آخر النهار، ثم ركبوا وانصرفوا وسار كل منهم إلى منزله، ولما أصبح الصباح جاؤوا إليه وقالوا له: قم بنا إلى البستان الفلاني فإنه أحسن من الأول، فركب وتوجه معهم إلى ذلك البستان، وهناك أحضر واحد منهم ألواناً من الطعام والمدام، فأكلوا ثم أحضروا الشراب، فقال لهم: ما هذا؟ فقالوا له: هذا الذي يذهب الحزن ويجلب السرور. 

ولم يزالوا يحسنون له حتى شرب معهم، واستمروا في حديث وشرب إلى آخر النهار، ثم توجهوا إلى منازلهم، وكان علي المصري قد سكر، فلما دخل على زوجته وهو بهذه الحال، قالت له: ما بالك متغيراً؟ فقال: نحن اليوم كنا في حظ وانبساط، وقد جاء بعض أصحابنا بشراب وألحوا عليّ حتى شربت معهم. 

سألته زوجته: يا سيدي هل نسيت وصية والدك وفعلت ما نهاك عنه من معاشرة أصحاب الشبهات؟ أجابها: إن هؤلاء من أولاد التجار ولم يكونوا أصحاب شبهات وإنما هم أصحاب حظ وانبساط.

وما زال كل يوم مع أصحابه على هذه الحالة يتوجهون إلى محل بعد محل، وهم في أكل وشرب، إلى أن قالوا له: قد فرغ دورنا وصار الدور عليك. فقال لهم: أهلا وسهلا ومرحباً. ولما أقبل الصباح، أحضر ألواناً كثيرة من المأكل والمشرب، وأخذ معه الطباخين والفراشين والقهوجية، ثم توجهوا إلى الروضة والمقياس، حيث مكثوا شهراً كاملاً في أكل وشرب وسماع وانبساط.

لما مضى الشهر رأى نفسه قد صرف جملة من المال، فأغراه إبليس اللعين وقال له: لو صرفت كل يوم مثل الذي صرفته لم ينقص مالك، واستمر على هذه الحال مدة ثلاث سنوات وزوجته تنصحه وتذكره بوصية والده، وهو لا يسمع كلامها، إلى أن نفد كل المال الذي كان عنده فصار يبيع من الجواهر ويصرف أثمانها، ثم أخذ في بيع البيوت والعقارات حتى لم يبق منها شيء، فباع الضياع والبساتين إلى أن ذهبت جميعها، ولم يبق عنده شيء يملكه إلا البيت الذي هو فيه، فصار يقلع رخامه وأخشابه ويتصرف فيها إلى أن أفناها جميعاً.

وإلى حلقة الغد

{دنيا} استضافت التاجر الثري في بيتها شهراً وتزوجته سراً وأمرت بقطع رقبته

علي المصري ينسى نصيحة والده ويبدد ثروة طائلة على أصدقاء السوء
back to top