رمضان شهر الاتزان
لكي يستطيع الفرد المسلم أن يصنف نفسه في خانة «المتزنين الناجحين»، فإنه بحاجة إلى إدارة واجباته التعبدية الروحانية بالشكل المرضي، وأن يقوم بأداء واجباته المهنية والوظيفية أو الدراسية على أكمل وجه، وأن يحرص في الوقت ذاته على ضبط أخلاقياته ومزاجه عند تعامله مع الآخرين.
لا يمكن أن يعتبر الإنسان ناجحا في حياته، ما لم يكن يعيش في حالة من الاتزان على المحاور الخمسة لعجلة الحياة، وهذه المحاور، لمن لا يعرفها، وهي التي أسميها محاور دائرة الاتزان الحياتي، هي، وببساطة، أن يكون الإنسان متزنا على المحور (1) الروحاني-الأخلاقي، والمحور (2) العلمي-الفكري، والمحور (3) المهني-المالي، والمحور (4) الاجتماعي-العاطفي، والمحور (5) الجسدي-الصحي.لنتخيل شخصا تمكن من تحقيق أعلى المراتب العلمية والفكرية، لكنه مهمل جهدا لعاداته الغذائية والرياضية، مما انعكس سلبا على حالته الصحية، فهل يمكن أن نسميه ناجحا؟ ولنتخيل كذلك شخصا استطاع أن يعتلي أعلى المراتب المهنية وتحقيق دخل مالي كبير، لكن حقق ذلك على حساب إهماله لواجباته الأسرية والاجتماعية مما قاده إلى حالة من التفكك الأسري والمشاكل الاجتماعية الكبيرة، فهل يمكن أن نسميه ناجحا؟ ولنتخيل في مثال أخير، شخصا استطاع أن يصل إلى مرتبة علمية عالية، لكنه في الوقت ذاته يعاني مشاكل في تعامله مع من حوله، حيث يتهم بالتعالي والعنف اللفظي وعدم احترام الآخرين، فهل يمكن اعتباره ناجحا؟! من هذه الأمثلة، سيتبين لنا بسهولة، أن "مصطلح النجاح"، وإن كان الناس يطلقونه في العادة على ظاهر الشخص عندما يرونه متفوقا في جانب ما، إنما يعني أن يكون الإنسان متزنا على مختلف محاور حياته.هذه الفكرة البسيطة الجوهرية، هي مدار البرامج التدريبية والمحاضرات التي أنشط وأتخصص مؤخرا في تقديمها، سواء من خلال برنامج أكاديمية التطوير المستمر المسمى "دبلوم إدارة الاتزان الحياتي"، أو من خلال الأنشطة المتعددة التي أقدمها للجهات المختلفة.
وفقا لهذه المعطيات، يمكن لي أن أعتبر شهر رمضان الكريم، اختبارا دقيقا للاتزان الحياتي، فلو نظر كل واحد منا إلى تجربته عندما يأتي عليه شهر رمضان، وكيف يدير حياته خلال هذا الشهر الفضيل، فسيتمكن من أن يرسم صورة لمدى قدرته على إدارة الاتزان الحياتي في سائر حياته. نعم، لا شك أن شهر رمضان هو تجربة استثنائية، لكونها مضغوطة في إطارات كثرة الالتزامات وتعدد الأماكن وقصر الزمن، إلا أنها تعطي صورة دقيقة للمقصود بالاتزان الحياتي.خلال شهر رمضان، ولكي يستطيع الفرد المسلم أن يصنف نفسه في خانة "المتزنين الناجحين"، فإنه بحاجة إلى إدارة واجباته التعبدية الروحانية بالشكل المرضي، وأن يقوم بأداء واجباته المهنية والوظيفية أو الدراسية على أكمل وجه، وأن يحرص في الوقت ذاته على ضبط أخلاقياته ومزاجه عند تعامله مع الآخرين، سواء من زملاء أو مرؤوسين أو مراجعين أو من عموم الناس حوله، في ظل نظام غذائي ضاغط يلزمه بالصيام طوال النهار وضبط مقادير الأكل بعد الإفطار، وذلك مع ضبط ميزان نشاطه الجسماني ومراعاة وضعه الصحي، مع الحرص على القيام بكل واجباته الأسرية والوفاء بكل التزاماته الاجتماعية! هل ترون كيف أن رمضان هو بالفعل شهر الاتزان؟!من ينجح في ضبط ميزان الاتزان الحياتي خلال شهر رمضان، هذا الشهر الاستثنائي المبارك، يمتلك الوصفة السحرية التي ستقوده إلى النجاح في الاتزان في سائر حياته.وفقنا الله وإياكم للاتزان الحياتي، في رمضان وفي سائر شهور العام، وكل عام وأنتم أطيب وإلى الله أقرب.