«هل بدأت أسواق النفط تبدو وكأنها سيارة بلا قائد؟»، هذا التساؤل يتم تداوله كثيرا، وبالاخص بعد اجتماع الدوحة في ابريل الماضي لمجموعة من منتجي النفط سواء من منظمة «اوبك» او خارجها، بعد الفشل في الوصول الى اتفاق على تثبيت إنتاج النفط.كما أنهت منظمة أوبك العالمية اجتماعها الخميس الماضي، في فيينا، دون التوصل لاتفاقات أو قرارات حاسمة، من شأنها تقليل تثبيت أو خفض الإنتاج لتقليل وفرة المعروض في أسواق النفط، وبالتالي رفع الأسعار، بعد أن وصلت إلى مستوى متدن جدا دون 27 دولارا للبرميل، وتعافيها مؤخرا لتلامس الـ50 دولارا للبرميل، بسبب كثرة التصريحات الإعلامية وبالاخص من روسيا، عن عقد اجتماعات متالية، أدت إلى تخوف المستثمرين وقيامهم بتغطية مراكز البيع والترقب لنتائج تلك القرارات.
ويرى المحللون ان الترقب الذي يسود أسواق النفط قبل كل اجتماع يخص خفض الإنتاج ورفع الأسعار أمر طبيعي، لأن هناك قلقا للدول المستفيدة، حيث إن انخفاض أسعار برنت يقلل من فاتورة الاستيراد لديها، وبالتالي أي زيادة في الأسعار تعني خللا في الموازنة العامة لها، لاسيما مثل دول كروسيا التي تعتمد في اقتصادها على البترول، وإيران التي تبحث عن تعويض خسائر اقتصادها بعد إنهاء حالة الحظر عليها.
خلافات أعضاء «أوبك»
لا شك في أن الخلافات بين اعضاء منظمة «اوبك» تقوّض من دورها كمراقب في أسواق النفط. ويرى المحللون في حال تمسك السعودية، أقوى أعضاء «أوبك» نفوذا، بموقفها فسيؤدي ذلك إلى كتابة شهادة وفاة لإحدى الاستراتيجيات الرئيسة للمنظمة، والمتمثلة في إدارة أسعار النفط العالمية من خلال تنظيم المعروض.وذلك لأن السعودية ترفض التوقيع على أية ترتيبات لتثبيت الإنتاج، ما لم توقع عليها طهران، وفي المقابل الاخر ترفض إيران الالتزام بأي سقف للإنتاج لرغبتها في العودة إلى سوق النفط بعد أعوام من حظر شراء نفطها.ويقول المحلل أندرياس فيلر، رئيس قسم الاستشارات في بنك «جوليوس باير» السويسري، إن منظمات مثل «أوبك» بدأت تفقد مضمونها، بعد فشلها في الاتفاق على استراتيجية واضحة للإنتاج. وأشار إلى أن منظمات مثل «أوبك» تصبح مع الوقت بلا معنى، ذلك أنها ليس بمقدرها تبني موقف مشترك.الا ان المراقبين يرون ان هناك دبلوماسية مكثفة بذلها وزير الطاقة والصناعة والثروة السعودي خالد الفالح، صاحب النبرة الهادئة في أول اجتماع يحضره لمنظمة البلدان المصدرة للبترول (أوبك)، وخطابه الذي حفل بكلمات وعبارات مثل «الأسلوب الناعم» و«دون صدمات» و«الإجماع» هذه الكلمات أقنعت الكثيرين أن «أوبك» مازالت تتمتع بالحيوية وليست جثة هامدة.وأكد المراقبون أن السعودية تدرك حاجتها لوحدة «أوبك» لأن الحرب التي تخوضها المنظمة من أجل حصتها من السوق على المنتجين ذوي التكلفة المرتفعة مثل منتجي النفط الصخري في الولايات المتحدة استغرقت وقتاً أطول مما كان متوقعاً عندما تم التخطيط لها في عام 2014.كما ان بعد ما حدث في اجتماع الدوحة ابريل الماضي أدرك السعوديون أنهم لا يريدون تبديد عشرات السنين من تاريخ «أوبك»، وقرروا أن يكونوا أكثر تعاونا.كما اكد المراقبون ان السعوديين قرروا تغيير الأسلوب بعد اجتماع الدوحة لأنهم خشوا أن يكون الناس قد بدأوا يتشككون في حيوية «أوبك»، وهو ما تبين من تصريحات الفالح حينما قال الخميس الماضي إن «الأسواق يمكنها أن توازن نفسها في النهاية، لكن وكما شهدنا عندما نعتمد على الأسواق وحدها يكون الأمر في غاية الإيلام للجميع».وأضاف: «أعتقد أن الإدارة بالأسلوب التقليدي الذي جربناه في الماضي قد لا تحدث مرة أخرى... لن نقر تحديد سعر مستهدف لنفط أوبك... وإنما تنسيق الاستراتيجيات ومحاولة فهم ما يمكن لكل منا أن يفعله أو ما لا يمكن أن يفعله».تعيين أمين جديد... مؤشر إيجابي
لا شك في أن تعيين الأمين العام الجديد لـ «أوبك»، محمد باركيندو، يظهر أن المنظمة عازمة على تعزيز وحدتها.وقال باركيندو إن أوبك قررت انتخاب أمين عام لها بعد سنوات عدة من المساومات، وهذا في حد ذاته مؤشر إيجابي، ليس فقط للسوق، بل أيضا للمجتمع الدولي على أن «أوبك» تعود بقوة أكبر، مؤكدا انه عاقد العزم على إحداث فرق في هذا المنصب.يذكر ان منظمة «أوبك» تشهد انقسامات حول كيفية مواجهة تخمة المعروض العالمي، والتي دفعت أسعار النفط للهبوط إلى النصف في العامين الماضيين. وظهرت التوترات بين عضوي المنظمة، السعودية وإيران، في اجتماعات عدة سابقة للتكتل، وتقوض هذه الخلافات دور «أوبك» كمراقب في أسواق النفط.