• شهد تنفيذ الأغاني راهناً تطوراً كبيراً... هل تصف لنا طريقة تنفيذ الأغاني قديماً، وما هي أوجه الاختلاف؟- الأمور التي طرأت على تنفيذ الأغاني أفرغت الأعمال من الحس الفني، لاسيما عقب فتور العلاقة بين أطراف الأغنية، وأصبحت الأعمال تنجز في فترة قياسية وبسرعة كبيرة، وهذه الأمور لم تكن في صالح العمل الفني، بل أثرت سلباً على نجاح الأغنية واستمرارها، وربما يستغرب البعض أننا في السابق كنا نحتاج إلى أشهر أو أعوام لإنجاز أغنية، ولا أبالغ إذا قلت، إن أغنية «وداعية» التي غناها الفنان الكبير عبدالكريم عبدالقادر استغرقت 4 أعوام لإنجازها وأغنية « أنا رديت» احتجنا إلى عامين كاملين لتنفيذها، لأنه في السابق، حينما يسافر الملحن مثلاً، سيتوقف المشروع ولن يستطيع المطرب والشاعر استكمال العملن بعكس ما يجري راهناً، فثلاثي الأغنية المطرب والملحن والشاعر الكل يعمل منفرداً بدون تنسيق مع الأطراف الأخرى.
• تود أن تقول، إن غياب العمل الجماعي أثر سلباً على الأغنية بغض النظر عن تطور الأجهزة؟- غياب أجواء العمل الجماعي والاجتماعات المتكررة والنقاشات الفنية والتواصل بين الشاعر والمطرب والملحن، أدى إلى ضعف الأغنية وتدهور مستواها وهشاشته سواء على مستوى الكلمة أو اللحن أو الأداء، لأن ثمة أمراً ضرورياً تلاشى، ولم يعد موجوداً ألا وهو الإحساس الفني والعمل الجماعي، فراهنا الشاعر يكتب قصيدته بإحساسه، ثم تنتقل هذه القصيدة إلى الملحن، وليس بالضرورة أن يجتمع الشاعر مع الملحن، فينسج الأخير تفاصيل لحنه وفقاً لمشاعره وإحساسه بمنأى عن إحساس الشاعر، ثم يأتي في مرحلة لاحقة المطرب يركب صوته على الأغنية، كما أن عازف الكمان والكورال وعازف العود والإيقاعيين، يعملون بشكل منفرد، فيتشكل إحساس مختلف مع كل خطوة تمر فيها الأغنية، فلا يوجد حس فني يجمع الأغنية ويشكل قاسماً مشتركاً فيها، لذلك تظهر الأغنية فاقدة الإحساس، وأنا لا أعمم هذا المثل على كل الأغاني، بل أنقل واقع تنفيذ الأغاني راهناً، بينما كنا في السابق نعقد اجتماعات متكررة ونقاشات معمقة وطويلة ونستغرق وقتاً طويلاً في البحث والمطالعة والاستمتاع والرصد للظهور في مشروع غنائي متكامل، وأذكر أننا كنا نجتمع أنا والفنان عبدالكريم عبدالقادر والملحن أنور عبدالله أو راشد الخضر، لكن هذه الاجتماعات لم تعد سائدة بسبب مشاغل الحياة ومتطلباتها وسرعة إيقاع الزمن.• هل ترى أن ثمة أسباباً أخرى أدت إلى تدهور الأغنية راهناً؟- نعم بالفعل هناك عوامل أخرى ساهمت في هذا التراجع وركاكة الأغنيةن وفي مقدمة هذه العناصر انتشار القنوات الفضائية والتي بدورها فتحت الباب على مصراعيه لكل من هبّ ودبّ أن يمتشق الميكرفون ويغني، أو بمعنى أدق يكتشف قدراته في الغناء ويجرب حظه في هذا المجال، لعل وعسى أن يحالفه الحظ وينتقل من مصاف الجمهور إلى المطربين، من خلال برامج اكتشاف الأصوات المنتشرة في الفضائيات، والتي تدر أرباحاً على المحطات.• ما ملاحظاتك على برامج اكتشاف الأصوات؟- ثمة علامات استفهام كبيرة على هذه البرامج، في مقدمتها آلية انتقاء المتسابقين، وكذلك بعض الأسماء المشاركة في لجان التحكيم، إذ إن بعض المحكمين لا يستحقون هذه الصفة، ويجب ألا يجلسوا على مقاعد التحكيم، إضافة إلى أن النظرة المادية، التي تسيطرعلى هذه النوعية من البرامج، لاسيما من خلال الاعتماد على تصويت الجمهور وانتقاء الأكثر تحصيلاً للأصوات ليفوز باللقب معتمداً بالنسبة لجماهيرية المتسابق على الكثافة السكانية للبلد الذي ينتمي إليه، بغض النظر عن إمكاناته الصوتية. أما بالنسبة لأعضاء لجنة التحكيم، فأعتقد أن القائمين على البرامج يبحثون عن محكمين يجذبون المشاهد، وليسوا من أصحاب الخبرة والدراية في المجال الغنائي والموسيقى. كما لا يفوتني أن أذكر عنصراً مهماً ساهم في تدهور الأغنية وهو«الفيديو كليب» الذي يفترض أن يؤدي دوراً كبيراً في انتشار الأغنية وإيصالها إلى الجمهور بالشكل الجميل بينما سلك «الفيديو كليب» مسرباً آخر، وأصبح عاملاً منفراً وطارداً، وأنا أشبهه بمرض السرطان لأنه يشوه الأغنية ولا يجملها ويساهم في إلحاق الضرر بالجمهور، من خلال بعض طرق التصوير المتّبعة التي تدفع المتلقي إلى التركيز في الصورة، وما يجري فيها بعيداً عن كلمات الأغنية، لذلك أنا أحمل «الفيديو كليب» مشكلة إفساد ذائقة المستمع الحقيقي للغناء والمحب للمفردة الأصيلة والموسيقى واللحن الجميل، للأسف ما يجري من مشكلات في طرق تصوير «الفيديو كليب» يعتبر جريمة لا تغتفر بحق الأغنية.• ما المواصفات الواجب أن يتحلى بها أعضاء لجان تحكيم برامج اكتشاف الأصوات.- يشترط أن تتوافر في أعضاء لجنة التحكيم مجموعة إمكانات وقدرات تخولهم تبوؤ هذه المكانة، في مقدمتها الإلمام بالموسيقى والاطلاع الفني والثقافة العالية في مجال الغناء، كذلك علم الأصوات، ويفضل أن تكون اللجنة متنوعة من حيث المضمون، بمعنى أن يكون هناك ملحن ومغن لتنوع الآراء وإثراء النقاش حول المتسابقين.وسأورد لك أمثلة على ذلك، فمن مصر أرشح الملحن حلمي بكر بسبب خبرته الطويلة في مجال الغناء والموسيقي، ومن الكويت أرى أن الأكفأ لهذه المهمة الملحن يوسف المهنا والملحن غناء الديكان، وحينما أذكر هذه الأسماء، أنا لا أطعن بالمشاركين في لجان التحكيم في هذه النوعية من البرامج، لكن أرى أن هذه المجموعة أحق من غيرها في انتقاء المواهب ووضعها على الطريق الصحيح.ومن منظوري، أن عضو لجنة التحكيم، يجب أن يكون مثقفاً على مستوى عالٍ لأنه يحدد مصير هذه المواهب، وثمة مهمة جسيمة أوكلت إليه، ونظراً إلى هذه الجسامة أطالب بالتشدد في انتقاء أعضاء لجنة التحكيم لإصدار أحكام منطقية حول الأصوات المشاركة والمواهب المتسابقة، وقد استمعت إلى كثير من آراء لجان التحكيم، فوجدت قصوراً كبيراً في مسألة التقييم، ولاحظت بعض الأخطاء، مثلاً رصدت أن أحد المتسابقين يعاني خللاً في مخارج بعض الحروف وآخر لديه مشكلة في الصوت، وطريقة التنفس، وإحساسه بما يغني، وانتظرت سماع تعليقات لجنة التحكيم على هذه المشكلات، لكن فوجئت أن شيئاً من هذا القبيل لم يذكر، لذا يجب وضع مقاييس دقيقة ومعايير منتظمة لاختيار أعضاء لجنة التحكيم.• هلّا عدنا إلى أغنية « وداعية» التي شدا بها الفنان عبدالكريم عبدالقادر وذكرت أنها استغرقت أربعة أعوام في التحضير لها؟- تبدو الفترة طويلة جداً، وربما تثير استغراب البعض، لأنه في وقتنا الراهن يعقد المطرب والملحن والشاعر اجتماعاً واحداً يجهزون من خلاله محتوى ألبوم كامل، عموماً لست معنيا بطريقة الآخرين في تنفيذ مشاريعهم الفنية، وسأذكر لك تفاصيل أغنية «وداعية»، التي شهدت تعاوني مع الملحن الكبير يوسف المهنا والمطرب الكبير عبدالكريم عبدالقادر، وكنا أثناء إحدى الجلسات التي نعقدها للتحضير للأعمال المقبلة، عرضت عليهما يوسف المهنا وعبدالكريم عبدالقادر – المذهب الأول للأغنيةن إذ لم أكمل القصيدة كلها، فأعجبنا بالمذهب لكن يوسف المهنا كان على سفر، وقرر الذهاب إلى مصر فأخذ المذهب معه ولحنه وحينما كنا نلتقي نحاول استكمال المشروع، وكانت لدينا رغبة كبيرة بأن نقدم أغنية تشكل علامة بارزة فتريثنا في الكتابة والتلحين، ولا أبالغ إذا قلت أننا كنا نشترك في كتابة الأغنية كلمة كلمة وما ننجزه يأخذه يوسف المهنا لوضع اللحن له، لكن كنا نتعامل مع هذه الأغنية بطريقة مختلفة، وكان يوسف يسجل ما ينجزه من اللحن، إلى أن يتسنى له استكماله، ومرت الأيام والأِشهر، بل الأعوام، وكنا نجري التعديلات على الأغنية، وحينما يحضر المهنا إلى الكويت كنا نجتمع ونناقش هذا المشروع الغنائي، الذي مر على تنفيذه أكثر من ثلاثين عاماً لكنه حافظ على نجاحه وجماهيريته، ليس فقط لدى أبناء تلك الحقبة بل استمع إليه أبناء الجيل الحالي، وأعجبوا فيه ونالت الأغنية استحسانهم.• في وقتنا الراهن لا يدوم نجاح بعض الأغنيات لفترة طويلة، فما سبب ذلك؟- طريقة تنفيذ الأغنية طرأت عليها أمور كثيرة إذ لم يعد المغني يشارك الشاعر في كتابة الأغنية، وكذلك الملحن في انتقاء جمله الموسيقية، إذ أصبحت الأغنية تمر بمراحل مختلفة وفاقدة للحس الفني، لذلك تظهر بهذا الشكل المفكك، لأنها تفتقد للوشائج الفنية والحسية، التي تربطها ضمن إطار فني جميل، ما ننجزه في أشهر يقدمه بعض المغنين في يوم أو يومين لذلك لا تتمتع أغنياتهم بالإحساس الفنى ولا ترسخ في أذهان الجمهور ولا تمس مشاعره ووجدانه.
التكريم على قيد الحياة
حظي الشاعر بالعديد من التكريمات خلال مشواره، وكان أحدث تكريم حصل عليه من المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب عرفاناً بالدور الكبير، الذي قدمه على مدار عقود من الزمن، وفي هذا السياق قال الأمين العام للمجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب م. علي اليوحة: « إن الدورة الثامنة عشرة لمهرجان الموسيقي الدولي الثامن عشر اقترنت باسم أحد فرسان الأغنية الكويتية وأبرز صانعيها على مدى عقود، وهو الشاعر الكبير عبداللطيف البناي».وأضاف اليوحة، أن كلمات الشاعر البناي وعباراته الشعرية عبرت عن الحالات التي عاشها ويعيشها المجتمع الكويتي في السراء والضراء، وعكست آماله وطموحاته، إضافة إلى تناولها معظم الحالات العاطفية التي يمر بها الإنسان، لافتاً إلى حرص الكويت على تكريم أبنائها المتميزين في شتى المجالات، ومنها المجالات الفنية والثقافية والأدبية، وذلك انطلاقاً من دعمها وتشجيعها لنشر الثقافة في المجتمع.وذكر أن «شاعرنا أبدع في الغناء، فلامس مشاعرنا بعمق ورقي، وأبدع في المسرح الغنائي، فتحولت تصاويره وتعابيرة إلى شخوص تحيا وتبتسم على خشبة المسرح، وكانت كلماته المبدعة أجنحة حلقت بها أنغام الملحنين وأصوات المطربين، متجاوزة حدود الكويت إلى العالم الواسع، تحكي عن إبداع الكويتيين شعراً وإحساساً ونغماً».بدوره، قال المحتفي فيه الشاعر الكبير عبداللطيف البناي:» ما أسعد وما أجمل أن يكرم الفنان في بلدة وهو على قيد الحياة، وهي مبادرة طيبه من قبل المجلس الوطنى للثقافة والفنون والآداب، ممثلة في الأمين العام المهندس علي اليوحة، والأمين المساعد محمد العسعوسي، نتمنى استمرارها لتشمل المزيد من الفنانين المبدعين».وخلال الحفل عرض تسجيل فيديو عن مسيرة البناي بإشراف طلال الهيفي، وشارك فيه بكلمات معبرة وصادقة من القلب بعض من رفاق المسيرة الفنية، من الشعراء بدر بورسلي وساهر، ومن الملحنين غنام الديكان وسليمان الملا وأنور عبدالله، ومن المطربين عبد الكريم عبدالقادر وعبدالله الرويشد ونبيل شعيل، والفنانة حياة الفهد، وبعد ذلك جرت مراسم تكريم البناي.أما الجزء الثاني من الحفل فقد كان عبارة عن أمسية غنائية لأعمال كتبها البناي، حيث قاد الفرقة الموسيقية المايسترو الكويتي أيوب خضر، وشارك في إحيائها 3 فنانين، إذ بدأها الفنان العماني ماجد المخيني بأداء لثلاث أغنيات، «تناظر الساعة» للمطربة أحلام، ووداعية لعبدالكريم عبدالقادر تبعه الفنان الكويتي علي عبدالله في أعمال أيضاً هي «حاسب الوقت»، و»أرجوك أرجوك» للمطربة الراحلة رباب»، و»مشترية» لعبدالكريم عبدالقادر.ثم مسك الختام الفنانة المغربية دنيا بطمة، التي أبدعت في أداء 4 أغنيات، « تبرا» للمطربة نوال «قول عني ما تقول» لأحلام « يبغي السماح» للمطرب نبيل شعيل، وأخيراً «على إيش نتفاهم عبدالله الرويشد.