روسيا تلجأ إلى القوة الناعمة للتدخل في أوروبا

قام رئيس الوزراء الصربي ألكسندر فوتشيتش بزيارة غير معلَنة لموسكو، أتت هذه الزيارة مع تنامي التقارير عن قلق روسيا حيال انفتاح صربيا على الغرب، بما في ذلك اتخاذها خطوات للانضمام إلى الاتحاد الأوروبي، وفي وقت لاحق من ذلك اليوم، توجّه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إلى اليونان، حيث ناقش مع رئيس الوزراء اليوناني ألكسي تسيبراس التعاون والاستثمار في مجال الطاقة.

ولكن بما أن روسيا تعاني اليوم الكثير من المشاكل الاقتصادية، تراجعت أدواتها الدبلوماسية المعتادة، فقبل الأزمتَين الأوكرانية والاقتصادية، «كان باستطاعة روسيا استغلال المشاريع الكبيرة المحتملة في مجال البنية التحتية بغية تحفيز العلاقات»، خصوصاً في أوروبا الوسطى والشرقية، حسبما يوضح ديميتار بيتشيف، باحث زائر في مركز ميندا دي غونزبيرغ للدراسات الأوروبية في جامعة هارفارد، ولكن نظراً إلى الواقع المالي الراهن، ما عادت روسيا قادرةً على جذب الشركاء بالاعتماد على مشاريع الاستثمار الكبيرة.

يضيف بيتشيف: «لم يتبقَّ لروسيا سوى القوة الناعمة»، فقد استغلت موسكو تأثيرها الإعلامي الكبير وبثها الدعائي في الدول الغربية للتشديد على إخفاقات الاتحاد الأوروبي وتفككه، وقد حقق هذا التكتيك النجاح، وخصوصاً في غرب البلقان، حيث يُعتبر القادة السياسيون في ألبانيا، وصربيا، والجبل الأسود متعاطفين مع موسكو، حتى فوتشيتش نفسه الذي يسعى إلى التقرب من الاتحاد الأوروبي.

على نحو مماثل، تستخدم روسيا القوة الناعمة لتسدي الخدمات خارج البلقان، وخصوصاً للأحزاب الشعبوية اليمينية المتطرفة في أوروبا، فقد عبّر زعيم حزب استقلال المملكة المتحدة نايجل فراج عن إعجابه ببوتين، كذلك تلقت الجبهة الوطنية في فرنسا قرضاً بقيمة 9 ملايين دولار من مصرف روسي، وكما أخبر المحلل الهنغاري بيتر كريكو صحيفة «غارديان»، «لا شك أن النفوذ الروسي العلني مفاجئ». وتضيف هذه الصحيفة أن الدبلوماسيين الأوروبيين والأميركيين يعتقدون («من دون تقديم أدلة قوية») أن روسيا تموّل الحملات البيئية المناهضة لعملية التكسير الهيدروليكي في أوروبا ومعارضة شراكة التجارة والاستثمار عبر الأطلسي (صفقة التجارة الحرة المقترحة بين الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي).

بالإضافة إلى ذلك، استغلت موسكو نفوذها الإعلامي لتدعم السياسيين الموالين لها، الذين ينتمون غالباً إلى اليمين المتطرف، ولتبرز التشققات التي ظهرت في الوحدة الأوروبية بسبب مسائل مثل أزمة اللاجئين والسياسة الاقتصادية. أما في الداخل فتستخدم روسيا الخطابات الموالية لها وزيارات السياسيين اليمينيين المتطرفين إلى القرم كي تؤكد للشعب الروسي أن موسكو تحظى بدعم أوروبي.

صحيح أن روابط روسيا باليمين المتطرف في أوروبا لم تؤدِّ بعد إلى تبدلات سياسية جذرية في أوروبا، إلا أن ازدياد شعبية الكثير من هذه الأحزاب عبر القارة وتنامي تأثير روسيا في هذه الأحزاب قد يبرهنان لاحقاً أن استراتيجية القوة الناعمة التي تعتمدها موسكو ناجحة، وهذا ما نلاحظه اليوم مع احتدام النقاش بين القادة الأوروبيين بشأن الحد من العقوبات المفروضة على روسيا وإثارته الكثير من الجدل.

يؤكد بيتشيف: «تسعى روسيا إلى تسليط الضوء على مواضع الضعف في كل مكان»، وهكذا أثبتت روسيا أنها لا تزال تتمتع بنفوذ كبير، مع أن العقوبات وأسعار النفط المتدنية حدّت من تأثيرها.

ماريا سافيل