كمال الشناوي... الوجه الآخر للقمر (3 - 30)

وسامته تجذب فتيات الحي
مشهد ذبح الأضحية يُسقطه مغشياً عليه

نشر في 08-06-2016
آخر تحديث 08-06-2016 | 00:04
تابعنا في الحلقة السابقة من سيرة حياة الفنان الكبير الراحل كمال الشناوي، كيف كانت نشأته صغيراً وسط الغابات والأدغال في منطقة الأبيض و"ملكال"، في السودان، حيث كانت هناك مخاوف على حياة الطفل من الحيوانات المفترسة التي كانت تتجول في حديقة المنزل، قبل أن تعود الأسرة سنة 1925 إلى القاهرة.
في هذه الحلقة، نتابع الشاب محمد كمال، الذي لم يتمكن من الالتحاق بكلية الطب، بعدما حصل على شهادة "التوجيهية" بعد إتمام الدراسة الثانوية، وضع أمامه خياران كان عليه أن يختار أحدهما، فرغم تفوقه في التوجيهية بما يؤهله للالتحاق بكلية الطب أو الهندسة، وذلك ما رغبت فيه الأسرة، فإنه لم يخضع لأمنياتها، وقرر أن يختار بين إحدى الدراستين، الأولى أن يدرس الفن التشكيلي، بعد أن أصبح يجيد الرسم ويشهد له كل من حوله، أو أن يدرس الموسيقى والغناء.
استطاع الجد "الشناوي" الكبير أن يتفهم مشاعر حفيده، وطلبه للهدوء والسكون اللذين اعتادهما، ولأنه لن يستطيع أن يغير من مظاهر وطقوس الحي الشعبي، لجأ إلى حل وسط، يرضي به حفيده، وفي الوقت نفسه لا يغضب جيرانه بالشكوى الدائمة من إزعاجهم، فخصص له غرفة كبيرة فوق سطح المنزل، تكون مقرا له طوال اليوم، يجلس فيها للمذاكرة أو القراءة، أو حتى استقبال زملائه فيها، على أن يعود إلى الطابق الثاني عند النوم.

بالتحاق الحفيد بالمرحلة الثانوية، ولأن والده لايزال في مدينة المنصورة لم ينتقل إلى القاهرة بعد، قرر الجد أن يحتفي ببلوغ الحفيد مرحلة الرجولة والشباب، فاصطحبه إلى "الترزي"، ليحيك له أربع "بذلات" دفعة واحدة، كما اشترى له عددا كبيرا من "الكرافات" الإيطالي، والقمصان الحرير، فضلا عن أربعة أزواج من الأحذية بألوان مختلفة، حتى أصبح أكثر أبناء الشارع، بل والحي بأكمله، أناقة، فضلا عن أنه واحد من عدد قليل محدود من أبناء الشارع، الذين وصلوا إلى مرحلة الدراسة الثانوية، ما أدخل الزهو والغرور في نفس محمد كمال، فهو حفيد عائلة كبيرة، ذات صيت ذائع في الحي، وطالب في المرحلة الثانوية، إضافة إلى أناقته واعتداده بنفس، حتى بلغ إحساسه بالزهو أنه كان يرفض أن يسير فوق "الرصيف" مثل بقية المارة، بل يسير في منتصف الشارع فوق "قضبان الترام"، حتى إن الترام عندما يأتي من خلفه، يظل سائقه يدق "الجرس" بشكل متواصل كي يتنحى جانبا، إلا أن محمد كمال لا يعبأ بذلك، يظل سائرا في طريقه، كأنه لا يسمع شيئا، أو هناك ما يتعجله، حتى يميل عن القضبان عندما يصل إلى هدفه، أو يضطر لأن يدخل في شارع جانبي سيواصل فيه طريقه.

زاد من هذا كله، وإحساسه بذاته، ما حباه الله به من وسامة ظاهرة، لم تتوافر لأي من أبناء الحي، بل ولأغلب أبناء العائلة، ما لفت نظر إحدى فتيات الحي، بدأت تلقي له بنظراتها، فتعلق بها قلبه، وتحولت النظرات إلى إعجاب، ثم إلى حب بريء، لتتطور النظرات إلى لقاءات، يتحدثان فيها عن حبهما ويرسمان مستقبلهما معا، حتى ذيع سرهما في الحي، بعد أن تبرع أولاد الحلال بإفشاء سره إلى جده، فما كان منه إلا أن ضربه "علقة ساخنة" وحرمه من المصروف، وكان هذا الحرمان سبباً في عدم لقاء حبيبته، لأنه لم يعد يملك ثمن "تذكرة التروماي" والمشروب الذي يدعوها إليه، بل وقام جدها بإرسال برقية عاجلة إلى والده في دمنهور، حيث يعمل، ليعود ويصطحبه معه إلى هناك، حيث أمضى معه إجازة الصيف لمدة ثلاثة أشهر، ليعود بعدها ليفاجأ بأن حبيبته قد تزوجت، فشعر بصدمة كبيرة تعتصر قلبه الصغير، ومن دون أن يدري وجد نفسه يرسم لوحة لفتاته.

- طبعا من حقك تعيش حياتك كشاب، لكن مش عايزك تعمل حاجة تسيء لاسم العيلة.

* تأكد يا جدي أني هاكون عند حُسن ظنك.

- اتعشم ذلك... والمهم عندي أنك تلتفت لدروسك... علشان تبقى باشمهندس زي والدك.

* لا يا جدي، اسمح لي، أنا ليا رغبة أني أدخل مدرسة الطب.

- عايز تبقى حكيم... وماله مش بطال برضه... ولك عليا يا عم أفتح لك "اسبتالية" مافيش أختها في المديرية.

* أطمن يا جدي، إن شاء الله تكون راضي عني كل الرضا.

طبيب العائلة

واصل محمد كمال دراسته الثانوية باجتهاد واضح، من أجل أن يحقق أمنيته بالالتحاق بكلية الطب، وفي الوقت نفسه ليكون عند حُسن ظن جده، فلم يعد يهتم سوى بمذاكرة دروسه فقط، حتى إنه تخلى عن العديد من أنشطته التي اعتاد عليها خلال المرحلة الابتدائية، سواء الأنشطة الرياضية، أو الهوايات الفنية، سواء الخطابة أو التمثيل، أو حتى الفن التشكيلي، كل ذلك من أجل تحقيق حلمه بالالتحاق بالطب، حتى كان ذلك اليوم، عندما اصطحبه جده ووالده وبقية رجال العائلة لصلاة عيد الأضحى، وبعد عودتهم من الصلاة، وقف الجميع في فناء المنزل، يشاهدون ذبح الأضحية، وسط فرحة الكبار والصغار، وما إن وضع "القصاب" سكينه على رقبة الأضحية وذبحها، حتى فوجئ الجميع بمحمد كمال يسقط مغشيا عليه من منظر الدماء:

- الله يخيبك يا محمد... بقى شوية دم يخلوك تقع كده مغمى عليك.

* ده شيء فظيع يا جدي... فظيع.

- هو أيه اللي فظيع... أنت ماشوفتش العيال ولاد عماتك اللي أصغر منك كانوا واقفين ازاي فرحانين، وكمان كانوا بيلعبوا في الدم ويحطوا ايديهم فيه.

* معلش سامحني يا جدي قلقتكم وبوظت عليكم العيد.

- معلش يا سي محمد المهم سلامتك أهو زميلك طمنا عليك وقال إنها حاجة بسيطة إن شاء الله.

* زميلي؟ زميلي مين؟

- الحكيم يا حكيم المستقبل.

* آه تقصد الدكتور... لا يا جدي، أنا بعد اللي شفته ده مش ممكن أفكر في موضوع الطب ده تاني.

- أنت بتقول أيه يا ولد.

* أنا آسف يا جدي، مش هاقدر أنا ممكن أموت قبل ما أكشف على المريض.

- عموما ده كلام سابق لأوانه... شد حيلك أنت بس واللي ربنا عايزه هيكون.

جاء حادث الأضحية سببا في أن يلازم محمد كمال الفراش عدة أيام، ليقضي على طموحه في الالتحاق بكلية الطب، حتى إنه عندما حصل على "التوجيهية" بعد إتمام الدراسة الثانوية، وضع أمامه خيارين كان عليه أن يختار أحدهما، فرغم تفوقه في التوجيهية بما يؤهله للالتحاق بكلية الطب أو الهندسة، وهو ما رغبت الأسرة في إحداهما، إلا أنه لم يرضخ لأمنياتها، حيث قرر أن يختار بين إحدى الدراستين، الأولى أن يدرس الفن التشكيلي، بعد أن أصبح يجيد الرسم ويشهد له كل من حوله، أو أن يدرس الموسيقى والغناء، خاصة بعد أن أشار عليه بعض أصدقائه بذلك، لحلاوة صوته وتمكنه من العزف على آلة البيانو، فكان لابد أن يخوض معركة شرسة مع الأب، والأهم مع الجد، ليوافقا على أن يكمل دراسته في أي من الاتجاهين:

- مزيكا!! يعني تتخرج مزيكاتي... يتقال إن ابن الشناوي مزيكاتي... وتبقى زي الآلاتية اللي بنسمع عنهم.

* آلاتية أيه بس يا جدي... المزيكا دلوقت علم ولها معهد بيدرسوا فيه الموسيقى والأصوات.

- أيوا تطلع منها بعد الدراسة أيه؟

* على حسب دراستي... ممكن أكون مطرب مشهور زي عبدالوهاب أو صالح عبدالحي، أو الشيخ زكريا... وممكن أكون موسيقي أعمل الألحان اللي بيغنوا عليها المطربين دول.

- الكلام ده مش ممكن يحصل أبدا طول من أنا عايش.

* خلاص يا جدي أدخل كلية التربية الفنية.

- وتطلع ايه منها كلية التربية الفنية دي.

* مدرس.

- أهو كده... مدرس حاجة معتبرة محترمة... أنا موافق على كلية التربية دي.

* طب ما أنا برضه ممكن أكون مدرس موسيقى لو اتخرجت من معهد الموسيقى.

- ادخل كلية التربية الأول... وبعد ما تتخرج منها أبقى أدرس الموسيقى زي ما أنت عايز.

فن في فن

انتزع محمد كمال الوعد من جده ووالده بدراسة التربية الفنية أولا، ثم الموسيقى إذا أراد ذلك، شرط أن يتفوق في دراسة التربية الفنية، فقام على الفور بتقديم أوراقه في كلية التربية الفنية، ليكون من أوائل الطلبة المقبولين، لتفوقه في الرسم، الذي بدأ في دراسته دراسة أكاديمية بشكل صحيح، ليبدأ ممارسة هوايته التي هي نفسها دراسته، في البيت أمام الجميع، حيث بدأ برسم القطط الموجودة بالبيت، ليبدأ بعدها في رسم كل أفراد العائلة، ثم العمات وضيفاتهن، حتى تخصص بعد ذلك في رسم الخادمة، كلما وجد لديها وقت فراغ طلبها لتجلس أمامه في وضع ما، ثم يقوم برسمها، حتى أصبح يحفظ حركاتها عن ظهر قلب، فتحول بعدها إلى شراء اللوحات العالمية ليقوم بتقليدها وتكبيرها، إضافة إلى الأعمال التي يقوم برسمها للكلية، التي لمس من خلالها دراسة مختلفة عما تعلمه خلال مرحلة الهواية، حيث وجد نفسه في عالم مختلف من الفن التشكيلي.

ما إن اطمأن محمد إلى انتظام دراسته في كلية التربية، حتى طرأت على ذهنه فكرة أن يقوم بالالتحاق بمعهد الموسيقى العربية، خاصة أن الدراسة فيه تبدأ في وقت متأخر، حيث تبدأ عند انتهاء مواعيد الدراسة بكلية التربية الموسيقية، وشجعه على ذلك صديقان جديدان تعرف إليهما من خلال تردده على المعهد لمعرفة مواعيد اختبارات القبول:

- وطالما دراستك هنا في المعهد مش هتتعارض مع دراستك في التربية الفنية... أيه المانع أنك تلتحق بالمعهد... وتبقى بالنهار بالتربية الفنية... وبعد الضهر في معهد الموسيقى؟

* أنت شايف كده؟

- مافيش غير كده... أنت صوتك حلو، ومؤكد أنك لو قدمت هاتقبل مافيش كلام... والفن هايكسب مطرب له صوت رائع.

* أشكرك جدا يا... الله، ده الكلام خدنا ونسيت اتعرف بحضراتكم.

- يا سيدي من غير حضرتك أنا اسمي كارم محمود... وهاقدم معاك قسم الأصوات.

- وأنا أحمد فؤاد حسن... بعزف عود وقانون.

* وأنا محمد كمال الشناوي

استعد محمد كمال لاختبار القبول، وتدرب على أغنية "يا ورد مين يشتريك" للمطرب والموسيقار محمد عبدالوهاب، ولأنه يدرك من داخله أن هذا الاختبار لن يحدد مصيره ومستقبله، فقد حدد مستقبله في مكان آخر، فقط تقدم هنا لإشباع هوايته وتنميتها، لذا تقدم للاختبار وكله وثقة وهدوء، فغنى أفضل ما يكون، فكانت النتيجة أنه نجح بالفعل في الاختبار، وتم قبوله بمعهد الموسيقى في قسم الأصوات، وبدأ الانتظام بالفعل في الدراستين، واستمر حتى وجد نفسه غير قادر على الجمع بينهما، فقرر الاستغناء عن إحداهما، ليعطي للأخرى كل وقته وتركيزه، ولأن دراسة الموسيقى هي الهامشية، والتي لا تعرف عنها الأسرة شيئا، قرر ترك الدراسة بمعهد الموسيقى، بعد أربعة أشهر من بدئها، والاكتفاء بالدراسة في كلية التربية الفنية.

وبعد مروره بمراحل متدرجة من التدريب على الرسم بكلية التربية الفنية، سواء نوعية الرسم بالقلم الرصاص أو الألوان المائية والألوان الزيتية، ومن رسم الطبيعة الصامتة إلى الطبيعة الحية، وجد نفسه لأول مرة وجها لوجه، أمام "موديل" حي لفتاة عارية تماما، ومطلوب منه، وبقية زملائه في الكلية، أن يقوم برسمها من الزاوية التي يراها كل من مكانه.

مراهقة فنية

كحال معظم زملائه، ارتبك محمد كمال في بداية الأمر، فهو كشاب يافع يمتلئ بالقوة والنشاط، ترك بالأمس القريب دراسته بالمرحلة الثانوية والتوجيهية، وترك معهما مرحلة "المراهقة" التي لايزال بعض آثارها بداخله لم تنته بعد، فبدا ذلك واضحا من حالة الارتباك والتعرق التي أصيب بها أمام جسد عار تماما لأول مرة في حياته، وكان أقصى ما يمكن أن يراه خلسة، صورة في إحدى مجلات "الموضة" يتناوب مشاهدتها مع أصدقائه، لفتاة ترتدي لباس البحر، فيخفيها خشية أن يضبطه أحد أفراد الأسرة ينظر إليها، ليجد نفسه أمام جسد امرأة عارية، لا تبتعد عنه سوى سنتيمترات قليلة، ومطلوب منه أن يدقق النظر في كل تفاصيل جسدها ليرسمها.

لم يستطع محمد كمال أن يسيطر على نفسه أمام هذا المنظر، غير أنه كان لابد أن تنتهي "نظرات" التعارف سريعا، حتى لا يلاحظ الأساتذة في الكلية حالة الدهشة والانبهار التي تستحوذ عليه، فقرر البدء في رسمها على الفور، فأمسك بالقلم "الرصاص" وراح يبريه ليبدأ الرسم، غير أن الحالة لاتزال تسيطر عليه، وبدلا من أن ينظر للقلم الذي يقوم ببريه، ظل نظره معلقا بها، وأطلق الخيال لعنانه، لدرجة أنه لم يفق إلا والدم ينزف من أصبعه، ليكتشف أنه كان يبري أصبعه بدلا من القلم الرصاص، وبدلا من أن يخفي مشاعره أمام بقية الزملاء والأساتذة، فضحته الدماء التي سالت، فتنبه الأستاذ لذلك، وحرص على ألا يزيد من توتره وإحراجه أمام الموديل، وبقية زملائه، فتحرك ووقف أمام الموديل، ليراه الطلبة بدلا من الموديل:

- من فضلكم اسمعوني لحظة... طبعا كلكم بتعيشوا مرحلة جديدة من حياتكم... بدخولكم الكلية، مرحلة مهمة، كل واحد فيكم لازم يثبت فيها لنفسه، قبل ما يثبت للآخرين أنه على قدر المسؤولية، وأنه قادر ينهل أكبر قدر من العلم والدراسة، علشان يستفيد بها ويفيد غيره بعد كده... مع الأخذ في الاعتبار أنكم مش بتدرسوا دراسة عادية، كل واحد فيكم جه هنا، لأنه حالة خاصة من البشر، ربنا ميزه بموهبة علشان يستغلها صح، ويقدر يفيد بها المجال اللي هو بيدرسه، ويفيد بلده... بالظبط زي طالب الطب اللي بيلاقي نفسه في سنة أولى أمام جثة لإنسان متوفى رجل أو امرأة، هو مش ها تفرق معاه إذا كانت الجثة اللي قدامه ذكر أو أنثى، لأنه المفروض أنه شايف قدامه إنسان... لازم يعرف تفاصيله علشان يقدر يستغلها بعد كده في علاج الناس.

عملت كلمات الأستاذ على إزالة بعض الرهبة والتوتر من جميع الطلبة، بمن فيهم محمد كمال، الذي حرص على أن يكون أقرب لطالب الطب في رسمه، حيث عمل على تشريح الجسد الذي أمامه بالرسم، ما يوحي بأنه لا يرى من الجسد سوى أنه إنسان لابد من معرفة تكوين جسده، الأمر الذي نال إعجاب أساتذته، حتى بات الأمر عاديا كلما جاء "موديل" جديد ليتم رسمه، حتى وجد نفسه يوما أمام تلك الفتاة التي لم يستطع أن يقاوم الانجذاب لها، حتى قبل أن تتجرد من ملابسها لتقف لتستعد للرسم، عندما قدمها لهم الأستاذ:

- دي زينب... الموديل الجديد اللي هاترسموه الفترة اللي جاية... هانبدأ رسمها بالملاية اللف... وبعدين هاتترسم كموديل عاري.

وقفت "زينب" أمامهم، فتاة سمراء بنت بلد ترتدي ملاءة لف سوداء، تتمتع بقسط وافر من الجمال، وقفت كأنها تمثال "فينوس" تشع جمالا نادرا، عيناها تطلقان سهاما في المكان، لم تصب بها أيا من الطلبة الموجودين، لكنها ما إن استقرت في اتجاه محمد كمال، حتى أصابته، وسرعان ما ارتدت إليها، فمثلما أعجب بها، أعجبت هي أيضا به، ولم تتحرك عيناها عنه طوال الجلسة، وهو أيضا، غير أنها كانت أجرأ منه وأسرع استجابة لنظراته، وأكثر عملية في خلق حالة من الود والتعارف بينهما، فظلت تراقب نظراته إليها، وتقرأ ما يريد أن يقوله بعينيه، غير أنها لم تكتف بمراقبة نظراته، بل راحت تراقبه هو نفسه، في غدوه ورواحه، من وإلى الكلية، حتى فوجئ يوما بعد أن انتهى اليوم الدراسي، وحمل أدواته ليعود إلى بيته، بأنها تنتظره في طريق عودته، بعد أن تأكدت أنه يسير بمفرده في هذا الطريق، قبل أن يركب "الترام" عائدا إلى بيته، وحتى لا يفاجئها بما يمكن أن يفسد اللقاء، ولإحساسها بما يسيطر عليه من خجل، بادرت هي واتجهت نحوه، قبل أن يتخذ قرارا لا تتوقعه.

البقية الحلقة المقبلة

رسام المدرسة

كان على الشناوي أن يراجع نفسه فيما يمكن أن يختاره لمستقبله، ودون أن يدري وجد نفسه يعود لعشقه القديم الأقرب إلى روحه ونفسه، من ممارسة هواياته القديمة من رسم وغناء وموسيقى، والمشاركة في فريق التمثيل بالمدرسة، غير أنه ركز بشكل أكبر في هواية الرسم، حتى إنه أصبح يمارس الرسم في كل وقت وكل مكان، في المدرسة خلال أوقات الفراغ، لم يترك مدرسا من أساتذته إلا ورسمه، وكذلك زملاؤه المقربون منه، ليتهافت عليه الجميع، يريدون رسمهم، فنصب زميله "مراد عصمت" من نفسه سكرتيرا خاصا له، يقوم بكتابة أسماء من يريد أن يرسم، ويحدد له موعدا، حتى ذاع صيته في المدرسة، وأصبح مؤهلا لأن يستكمل بقية دراسته العالية في هذا الاتجاه.

الفشل في الموسيقى

لم يكن هناك من هو أسعد من محمد كمال، فهو يجمع بين دراستين فنيتين بالغتي الصعوبة، وكل منهما تحتاج تفرغا تاما لإتقانها، غير أنه كان يواصل الليل بالنهار، من أجل عدم التقصير في أي منهما، لكن بمرور الوقت أصبحت الدراسة في كلية التربية تمتد إلى الرابعة عصرا، فكان يلملم أوراقه وأدواته بسرعة ليلحق بالدراسة في معهد الموسيقى، ويحاول كل يوم وهو في طريقه إلى المعهد البحث عن "حجة" جديدة يقولها لأستاذ المحاضرة الأولى التي كان غالبا ما يتأخر عنها، حتى جاء إلى المعهد مدرس إيطالي لتدريس مادة "الصولفيج" ولم يكن يقبل التأخير ولو دقيقة عن موعد المحاضرة، كما لم تنطل عليه حجج وأكاذيب محمد كمال التي كان يسوقها للمدرسين المصريين، فأصبح يحرم من دخول المحاضرة الأهم كل أسبوع.

«أضحية العيد» تجعل محمد يعدل عن رأيه ويبتعد عن «الطب»

معركة شرسة مع العائلة لدراسة الموسيقى والفن التشكيلي

الشناوي يستغني عن دراسة الموسيقى من أجل الفن التشكيلي

حُرم المصروف وأكل «علقه ساخنة» بسبب حكاية حب

محمد ينجح في اختبارات معهد الموسيقى بأغنية «يا ورد مين يشتريك»
back to top