• ثمة أغنيات قدمتها شهدت تطورا كبيرا في القصيدة المغناة، هل لك أن تخبرنا كيف يتم التحضير لهذه الأعمال؟

- التطوير ثمرة عمل جماعي يقدم عليه مجموعة من الفنانين، الشاعر والملحن والمغني والموسيقي، ويكون هدفا لهم، ويبذلون الجهد لتحقيقه، لذلك يعقدون الاجتماعات، ويتباحثون فيما بينهم، للوصول إلى صيغة نهائية للعمل ترضي جميع الأطراف. وحينما تتحد الرغبات في بوتقة واحدة ستمضي سفينة الإصرار والعزيمة بالاتجاه الصحيح.

Ad

وأذكر أن في اجتماعاتنا التحضيرية لأعمالنا الغنائية كنا نعقد العزم في المضي ضمن إطار التجديد والتطوير، وأخص بالذكر الكبار: يوسف المهنا وعبدالرب إدريس وغنام الديكان وخالد الزايد وأنور عبدالله، ومن جيل الشباب عبدالله القعود، فهذه الأسماء قدمت إضافات كبيرة للأغنية الكويتية.

وسأورد لك مجموعة أغنيات شكَّلت علامات بارزة في مشوار الأغنية الكويتية، إذ لحَّن يوسف المهنا أغنية «عوافي»، التي حققت نجاحا كبيرا، ثم قدمت معه أغنية «الله أمر»، وهما للمطرب عبدالمحسن المهنا، وتبع ذلك الكثير من الأعمال على فترات متباعدة ساهمت في هذا التطوير.

وهناك فنانون آخرون ساهموا في هذا التجديد، ويجب أن ندرك أن المنافسة الشريفة تطرح ثمارا كبيرة، وتدفع الفنانين بذلك إلى بذل المزيد من الجهد، وتطوير أدواتهم، لتقديم نتاج فني متميز.

كثرة الأصوات

• ألا تعتقد أن كثرة الأصوات ظاهرة صحية؟

- إذا توافرت الظروف والمعطيات نفسها لكل المطربين، لكن للأسف ما يحدث في الوقت الحالي، «الشين يخرب على الزين»، ولا سيما عقب تحكم المال في الساحة الغنائية، فلك أن تتخيل أن المغني الذي يملك المال سيشتري بماله كل ما يريد، وسيفرض نفسه، بغض النظر عن قدراته الصوتية.

وفي المقابل، تجد مغنيا آخر يمتلك صوتا جميلا، لكنه لا يملك المال، وبالتالي لن يستطيع تحقيق ما حققه المغني «الغني»، أو صاحب المال، لأنه لا يستطيع دفع التكاليف المالية للملحنين وأجور الموسيقيين والفنيين والمخرجين وغيرهم.

وإذا عدنا للوراء قليلا، سنجد أن الإمكانات الصوتية هي التي كانت تفرض نفسها، والمغني يصل إلى الناس بجمال صوته، وليس بمساعدة أمور أخرى، لكن الآن الوضع اختلف، فباستطاعة أي فرد أن يكون مغنيا أو ملحنا أو موسيقيا، طالما يمتلك المال، وما زاد الأمور تعقيدا والأكثر إيلاما، أن شركات إنتاج الألبومات في الكويت توقفت، بسبب الخسائر التي تتكبدها من جراء القرصنة وتسريب الأعمال.

علم الموسيقى

• حدثنا عن علاقتك بشريك النجاح الملحن يوسف المهنا؟

- شهادتي في الفنان يوسف المهنا مجروحة، لكن نجاحاته تتحدث عنه، ويعرفها الجميع، كما أن روائعه الفنية راسخة في أذهان محبي فنه. هو علم يرفرف في سماء الأغنية الكويتية، وله أسلوبه الخاص، وربما جملة «مدرسة موسيقية» تكون أصدق تعبير، لأن فنه أحبه الكثير في الكويت والخليج والوطن العربي، كما أن إبداعاته تلهج بها الأجيال كافة.

وإذا أردت الحديث عن بداية علاقتي به، فقد كانت عام 1970، وحينما اقتربت منه أكثر تعرفت على الالتزام بالمواعيد، والدقة في العمل، وفي الوقت نفسه يحرص على سماع الآراء، من باب المرونة في العمل، فلم يكن دكتاتوريا في عمله.

ومن الأمور التي لا تبرح ذاكرتي سؤالي له في بدايتي، هل تعتقد أني سأنجح كشاعر وسأكون مشهورا في يوم من الأيام؟ وكانت إجابته، إذا حرصت على تثقيف نفسك بالقراءة والمطالعة، وعليك الصبر والتحمل في البداية، وتقبل ما يجري لك برحابة صدر، واستثمار كل موقف، ليكون دافعا لك لمواصلة النجاح، وقمت بتطبيق ما قاله لي، وكان يشجعني، ويشد من أزري، ويحفزني إلى تقديم الأفضل.

• قدمت أعمالا كثيرة مع الملحن يوسف المهنا، هل تعرفنا عليها؟

- كانت انطلاقة هذا التعاون بيننا من خلال أغنية «عوافي»، التي أداها شقيقه عبدالمحسن المهنا، وحققت نجاحاً كبيراً، وأعقب هذا النجاح أغنية أخرى لا تقل جمالاً وروعة، هي «الله أمر»، وأيضاً أداها المطرب عبدالمحسن المهنا.

واستمر التواصل والتعاون فيما بيننا، من خلال أغنيات متنوعة في المجال العاطفي والرياضي والوطني، ومن أنجح الأغنيات العاطفية التي قدمناها معاً أغنية «وداعية»، التي أداها الفنان الكبير عبدالكريم عبدالقادر، ونالت استحسان الجمهور الخليجي والعربي، وأغنية «الله معاي» و«وراها وراها» و«العين صابتني».

أما الأغنيات الرياضية، فكانت «أوه يالأزرق» و«هايدو» و«ردت الطيارة». وإضافة إلى ذلك، قدمنا أغنيات وأوبريتات وطنية خالدة، منها أوبريت «أنا الخليجي» و«عروسة والعمر 25» و«يا شيخنا يا بن صباح» و«حبي وتقديري لها».

ولم يقتصر تعاوننا على هذه المجالات، إذ كان هناك تعاون في المسرح، حيث شاركت في مسرحية «التالي ما يلحق» لمصلحة فرقة المسرح الكويتي، وغيرها من الأعمال. لهذا الفنان، شريك النجاح، مكانة خاصة في قلبي، كما أنه تبوأ مكانة كبيرة لدى الجمهور والنقاد، خليجياً وعربياً، لأنه أثرى الساحة الغنائية بروائعه الموسيقية وإبداعاته الجميلة.

العيون الناعسة

• متى بدأت علاقتك بالفنان عبدالرب إدريس؟

- شهد عام 1973 أول تعاون مع الفنان عبدالرب إدريس، من خلال أغنية «لأجل العيون الناعسة»، وحينها تعرفت إليه في القاهرة عندما كان يدرس بالمعهد العالي للفنون الموسيقية، وعرفت خلال هذا اللقاء أنه مقيم في الكويت، وكنت ألتقيه حينما يحضر إلى الكويت، بعدها توطدت علاقتي به، قدمته إلى المطرب عبدالكريم عبدالقادر، ورشحته للعمل معا، إلا أن عبدالكريم عبدالقادر أبدى تخوفه الشديد من هذا الملحن الجديد، لكن نظرا لإيماني بموهبته وقدراته الفنية تعاملت معه، وكانت باكورة التعاون مع عبدالكريم عبدالقادر أغنية «عاشق وظل صبري يطول»، وتقول كلماتها: عاشق وظل صبري يطول/ وكل يوم الثاني / لكني كل ما ييت أقول/ ما يطاوع لساني/ عاشق وظل صبري يطول/ ودي على بابه أطوف/ واعزم الروحة وان جان عرفت تشوف يفهم بروحه.

وعقب تنفيذ الأغنية وطرحها بالأسواق حققت نجاحا كبيرا، ثم كررنا التعاون في أغنية جديدة، هي «أنا رديت»، ثم توالت الأعمال، وقدمنا «جمر الوداع»، و«باعوني»، و«لا للرجوع»، وأثبت عبدالرب إدريس، أنه موهبة فذة وفنان كبير ولديه إحساس فني قل نظيره وحقق النجاح مع كثير من المطربين.

وربما لا يعرف الجمهور عن الفنانين غير نتاجهم وأعمالهم، وهذا الفنان الكبير الذي ارتبطت معه بعلاقة وطيدة امتدت إلى اليوم، لم أشعر بغيابه عني، وإن باعدتنا المسافات، ولا سيما أنه في البدايات كان مقيما في الكويت، ثم انتقل إلى الرياض، لكنه حافظ على التواصل، لأنه شخص يتصف بالوفاء.

• حدثنا عن تعاون بينكما؟

- غنَّى من أشعاري وألحان عبدالرب إدريس الفنان عبدالله الرويشد أغنية «لي مر الحلو»، وحققت نجاحا كبيرا، وأشاد بها النقاد، لأنهم اعتبروها تخرج بين الحداثة والأصالة من حيث اللحن والكلمات، فكانت أجواء الأغنية جميلة، ونالت نصيبها من الانتشار.

أعتقد أنها تفوقت في التجديد والتطوير، لهذا يجب على الفنان مواكبة العصر ومسايرته، لتكون أعماله مستوحاة من الواقع، وأجاد كثيرا عبدالرب إدريس في هذه الأغنية، كعادته، وله أعمال أخرى ناجحة مع شعراء آخرين، منها أغنية «غريب» للشاعر بدر بورسلي والفنان عبدالكريم عبدالقادر، كذلك لديه حصيلة وافرة من الأعمال الناجحة بأصوات مطربين آخرين.

حكاية أغنية «الله أمر»

أكد الشاعر الغنائي الكبير عبداللطيف البناي، أنه كتب أغنية «الله أمر» لزوجته أم ناصر، مستذكرا أنها سألته في إحدى المرات: أنت قدمت أشعارا كثيرة تلامس فيها حكايات واقعية أو مستوحاة من الواقع، لكن ألا تخبرني أي قصيدة كتبتها لي؟

وأضاف: حينما قلت لها إني كتبت أغنية «الله أمر» لك، شعرت بالفرح حينها.

ويسرد البناي تفاصيل موقف آخر حول هذه الأغنية، أنه في إحدى المقابلات التلفزيونية جاء على ذكر الأغنية، من خلال سؤال للمذيع، ولم أذكر أني كتبتها إلى زوجتي أم ناصر، وحين عودتي إلى البيت سألتني أم ناصر، لماذا لم تقل إن الأغنية مهداة إلى زوجتي؟

وحينها ذكرت لها أن المذيع لم يسألني هذا السؤال تحديدا وضحكنا. ومن أجواء الأغنية «الله أمر / أعشق وأحبك يا بدر/ شاع الخبر... وأصبح في كل سكة يمر/ هواك خلاني... أعاف خلاني/ وإن عاد لوني بالذهب... ما أبدلك ثاني.

«شاعر الأغنية الأول»

تحدث الشاعر الغنائي عبداللطيف البناي عن شكل علاقته مع الشاعر بدر بورسلي، شارحاً أجواء التنافس بين الشعراء، وقال علاقتي بالجميع ممتازة، لكن ثمة علاقة خاصة تربطني بالشاعر بدر بورسلي، إذ اعتبره أستاذا. ومن وجهة نظري هو شاعر الأغنية الأول، لأن له دورا بارزا في الساحة الغنائية، وقدم روائع فنية في مجالات متنوعة، منها العاطفية والوطنية، كذلك حينما خاض تجربة التقديم التلفزيوني.

هو شاعر متفرد، وله أسلوبه الخاص، ومفرداته الأصيلة التي ينتقيها بدقة متناهية. ولم أشعر في يوم بأني منافس له، أو هو منافس لي، فكانت علاقتنا مختلفة نحن الشعراء في حقبتي السبعينيات والثمانينيات، فكنا نجتمع ونتشاور ونتباحث ونطرح الأفكار ونستشير بعضنا، بهدف تقديم الأفضل، وكانت العلاقة يسودها الحب والوئام والتآخي، بعكس الشعراء والمؤلفين حاليا، يكتنف علاقتهم الغموض والريبة.

وعن أسباب تدهور العلاقة بين الشعراء في الوقت الحالي، قال البناي:» عوامل كثيرة، منها أسباب مجتمعية وحياتية، وأخرى فردية مرتبطة بالفرد نفسه، في صفاته وسماته. أما الحياتية، فالحياة تطورت، ففي السابق كنا نسكن في أحياء ومناطق متقاربة، مثل القادسية والعديلية والروضة، في حين الآن اختلف الوضع، وصرنا نقطن بمناطق متباعدة، وفي السابق كنا نجتمع في الإذاعة، أو جمعية الفنانين، فيما الآن هذه الاجتماعات غير متوافرة، كل هذه العوامل والمعطيات ساهمت في فتور العلاقة بين الشعراء.