لما كانت الليلة الحادية والتسعون بعد المئة، قالت شهرزاد: بلغني أيها الملك السعيد، أن زوجة علي المصري قالت لزوجها: كنت أحذرك من هذا، كنت أقول لك احفظ وصية والدك، فلم تسمع قولي فلا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم. ثم طلبت منه أن يطوف على أصحابه أولاد التجار، لعلهم يعطونه شيئاً يتقوّت به هو وعياله. 

قصد أصحابه واحداً بعد واحد، وكل منهم يواري وجهه منه، أو يسمعه ما يكرهه من الكلام المؤلم، ولم يعطه أحد منهم شيئاً، فرجع إلى زوجته وقال لها: لم يعطوني شيئاً، فقامت إلى جيرانها لتطلب منهم شيئاً، إلى أن توجهت إلى امرأة كانت تعرفها في الأيام السابقة، فلما دخلت عليها ورأت حالها، قامت وأخذتها بقبول، وبكت وقالت لها: {ما الذي أصابكم..!}. 

Ad

حكت لها كل ما كان من زوجها، فقالت لها: مرحبا بك وأهلاً وسهلاً، واطلبي كل ما تريدين يكون لك من غير مقابل، فقالت لها: جزاك الله خيراً، ثم أخذت منها ما يكفيها هي وعيالها مؤونة شهر كامل، وتوجهت إلى القاعة، فلما رآها زوجها بكى، وسألها: من أين لك هذا؟ فأجابته: من فلانة الفلاني. لما أخبرتها بما حصل لم تقصر في شيء، وقالت لي: جميع ما تحتاجين إليه اطلبيه مني. قال لها: حيث صار عندك هذا فأنا متوجه إلى محل أقصده لعل الله تعالى يفرج عنا ويأخذ بخاطرنا. وقبَّل أولاده ثم خرج وهو لا يعرف أين يقصد، وما زال ماشياً حتى وصل إلى بولاق فرأى سفينة مسافرة إلى دمياط، وفيها رجل كانت بينه وبين أبيه صحبة، فسلّم عليه وقال له: أريد أن تأخذني معك إلى دمياط. 

قال له: حباً وكرامة. ثم أنزله في السفينة وزوده بما يحتاج إليه في سفره من الطعام والمال، فلما وصل إلى دمياط، وغادر السفينة إليها، لم يعرف أين يقصد، ثم رآه رجل من التجار فحنّ عليه وأخذه معه إلى منزله، فمكث عنده مدة، وبعد ذلك قال لنفسه: إلى متى أبقى هكذا عالة على الناس؟ ثم خرج من بيت ذلك التاجر. رأى سفينة مسافرة إلى الشام، فركبها حتى وصل إلى دمشق، فدخلها ومشى في شوارعها حتى رآه رجل من أهل الخير، فأخذه إلى منزله حيث أقام مدة مكرماً. 

المصري في بغداد

فيما هو كذلك علم أن قافلة متوجهة من هناك إلى بغداد، فخطر بباله أن يسافر معها، وعرض الأمر على التاجر، الذي كان مقيماً في منزله، فقدم له ما تيسر من المعونة ودعا له بالخير، ثم سلمه إلى زميل له من التجار في تلك القافلة، فصار يأكل ويشرب معه، إلى أن بقيت بينهم وبين بغداد مسيرة يوم، ثم خرجت على القافلة جماعة من قطاع الطريق فأخذوا كل ما كانت تحمله ولم ينج من رجالها إلا قليلون، منهم علي المصري. 

مشى حزيناً يائساً حتى وصل إلى بغداد وقد غربت الشمس، وهمّ الموكلون بباب المدينة أن يغلقوه على عادتهم، فقال لهم: دعوني أدخل. فأدخلوه وسألوه: من أين أتيت وإلى أين تسير؟ أجاب: أنا رجل من مصر، ومعي تجارة وعبيد وغلمان، فسبقتهم كي أنظر لي محلاً أحط فيه تجارتي.. وقابلتني جماعة من قطاع الطرق فأخذوا بغلتي بما عليها، وما نجوت منهم إلا وأنا على آخر رمق. أكرموه وقالوا: مرحبا بك، تبيت عندنا إلى الصباح ثم ننظر لك محلاً يليق بك. 

كان قد بقي معه دينار من الدنانير التي أعطاها له التاجر في بولاق، فأعطى ذلك الدينار لواحد من البوابين وقال له: خُذ هذا واصرفه وائتنا بشيء نأكله. أخذه وذهب إلى السوق وصرفه وجاء له بخبز ولحم مطبوخ فأكل هو وإياهم، ونام عندهم إلى الصباح. 

ثم أخذه رجل من البوابين وتوجه به إلى رجل من تجار بغداد وحكى له حكايته، فصدقه ذلك الرجل، وظن أنه تاجر كبير، فأخذه إلى دكانه وأكرمه، ثم أخذه إلى منزله وأعطاه بذلة عظيمة من ملبوسه وأدخله الحمام. 

قال علي المصري: دخلت معه الحمَّام، وعند خروجنا أحضر لنا الغداء، فأكلنا وانبسطنا، وقال لواحد من عبيده: يا مسعود خذ سيدك وأعرض عليه البيتين اللذين في المكان الفلاني، والذي يعجبه منها أعطه مفتاحه. 

توجهت أنا والعبد حتى وصلنا إلى درب فيه ثلاثة بيوت جديدة، ففتح أول بيت وتفرجت عليه، وخرجنا وتوجهنا إلى الثاني ففتحه وتفرجت عليه، ثم قال لي: أيهما أعطيك مفتاحه؟ 

قلت له: بقي هذا البيت الكبير فافتحه لأجل أن أتفرج عليه أيضا، فقال لي: ليس لك به حاجة، لأنه معمور ولم يسكنه أحد إلا أصبح ميتاً، ولا نفتح بابه لإخراج الميت منه، بل نطلع على سطح أحد البيتين ونخرجه منه، لذلك تركه سيدي وقال سوف لا أعطيه لأحد، فقلت: افتحه لي حتى أتفرج عليه. 

وقلت لنفسي: هذا هو المطلوب، فأبيت فيه وأصبح ميتاً وأرتاح من العناء الذي أنا فيه. لما فتحه ودخلته رأيته عظيماً لا مثيل له، فقلت للعبد: لا أختار إلا هذا البيت فأعطني مفتاحه، فقال لي العبد: لا أعطيك المفتاح حتى أشاور سيدي. 

وأدرك شهرزاد الصباح، فسكتت عن الكلام المباح. 

كنز من الذهب

لما كانت الليلة الثانية والتسعون بعد المئة، قالت شهرزاد: بلغني أيها الملك السعيد، أن التاجر علي المصري أصرّ على أن يسكن في ذلك البيت الكبير، فقال له صاحبه التاجر: يا سيدي أنا لا أوافق على ذلك حتى تكتب لي إقراراً بأنه إذا حدث لك شيء، فأنا غير مسؤول. فقال له: لك ما تريد.

أحضر التاجر شاهدين وكتب عليه إقراراً بذلك ثم أعطاه المفتاح، فأخذه ودخل ذلك البيت فأرسل إليه التاجر فرشاً مع عبده ففرشه على المصطبة خلف الباب، ولما انصرف العبد، تفقد علي المصري البيت، فرأى بئراً في فنائه عليها منطال، فأنزله في البئر وملأه وتوضأ منه وصلى، ثم جلس قليلاً فجاء له العبد بالعشاء من بيت سيده، وجاء له بقنديل وشمعة وشمعدان وطشت وإبريق وقلة. 

ثم تركه وتوجه إلى بيت سيده، فأوقد علي المصري الشمعة وتعشى وصلى العشاء، وقال لنفسه: أطلع إلى السطح وأنام هناك، فلما صعد ومعه الفرش، وجد قاعة عظيمة سقفها مذهب وأرضها وحيطانها بالرخام الملون، ففرش وجلس يقرأ شيئاً من القرآن الكريم، وإذا بشخص يناديه ويقول له: يا علي يا ابن حسن، هل أنزل عليك الذهب؟ فقال له: أين الذهب الذي تنزله؟ فصب عليه ذهباً ملأ القاعة ثم قال له: اعتقني حتى أتوجه في سبيلي، فقد فرغت خدمتي. فقال له علي المصري: اقسمت عليك بالله العظيم أن تخبرني بقصة هذا الذهب. 

قال له: كان هذا الذهب مرصوداً عليك من قديم الزمان، وكان كل من دخل هذا البيت نأتيه ونقول له يا علي يا ابن حسن هل ننزل عليك الذهب؟ فيخاف من كلامنا ويصرخ، فننزل له ونكسر رقبته إلى أن جئت أنت وناديناك باسمك واسم أبيك وسألناك: هل ننزل عليك الذهب؟ فقلت لنا: أين هو؟ فعرفنا أنك صاحبه فأنزلناه، وبقي لك كنز في بلاد اليمن، فإذا سافرت وأتيت به إلى هنا كان خيراً لك، وأريد منك أن تعتقني حتى أروح في سبيلي. فقال: والله ما أعتقك إلا إذا أتيتني بالمال الذي في بلاد اليمن إلى هنا.

فقال له: إذا اتيتك به ينبغي أن تعتق خادمه الذي هناك أيضاً، فقال له علي المصري: أعدك بهذا، ولكن قبل كل شيء لي زوجة وأولاد في مصر، وينبغي أن تأتيني بهم من غير أي ضرر. 

فقال له: آتيك بهم في موكب وخدم وحشم مع الكنز الذي نأتيك به من بلاد اليمن إن شاء الله. ثم أخذ منه إجازة ثلاثة أيام لإحضار جميع مطلوبه، وانصرف لتنفيذ ذلك. 

وأخذ علي المصري يبحث في القاعة عن مكان يحفظ فيه الذهب، فرأى رخامة على طرف القاعة وفيها لولب ما كاد يحركه حتى انزاحت رخامة وبان له باب ففتحه ودخل، فوجد خزانة كبيرة فيها أكياس من القماش، وصار يأخذ الأكياس ويملأها من الذهب ويدخلها في الخزانة، إلى أن حول الذهب جميعه وأدخله الخزانة وأقفل الباب وحرك اللولب فرجعت الرخامة إلى محلها. 

ثم قام ونزل إلى المصطبة التي وراء الباب، فجلس عليها، وفيما هو كذلك إذا بطرق على الباب، فقام وفتحه، وكان القادم عبد صاحب البيت، فما إن رآه سالماً حتى رجع بسرعة إلى سيده.. وأدرك شهرزاد الصباح، فسكتت عن الكلام المباح.

مماليك من الجان

لما كانت الليلة الثالثة والتسعون بعد المئة، قالت شهرزاد: بلغني أيها الملك السعيد، أن عبد صاحب البيت لما رجع إلى سيده، قال له: إن التاجر الذي سكن في البيت المعمور بالجن طيب وبخير، وهو جالس على المصطبة وراء الباب، فقام سيده فرحاً، وتوجه إلى ذلك البيت ومعه الفطور، فلما رآه عانقه وقبله بين عينيه وقال له: ما فعل الله بك؟ 

قال: خيراً، وما نمت إلا فوق في القاعة المرخمة، فقال له: هل أتاك شيء أو نظرت شيئاً؟ قال: لا. إنما قرأت ما تيسر من القرآن العظيم، ونمت إلى الصباح ثم قمت وتوضأت وصليت ونزلت وجلست على هذه المصطبة. 

فقال: الحمد لله على سلامتك. ثم قام من عنده وأرسل إليه عبيداً ومماليك وجواري وفرشاً، فكنسوا البيت وفرشوه له فرشا عظيماً، وبقي عنده ثلاثة مماليك وثلاثة عبيد وأربع جوار للخدمة، ولما سمع بخبره التجار أرسلوا إليه هدايا من كل شيء نفيس، حتى من المأكول والمشروب والملبوس، وأخذوه عندهم في السوق وقالوا له: متى تجيء بضاعتك؟ فقال لهم: بعد ثلاثة أيام. 

لما مضت الثلاثة أيام جاء له خادم الكنز الأول الذي أنزل له الذهب من البيت وقال له: الكنز الذي جئت لك به من اليمن مع حريمك وعيالك خارج المدينة في قافلة عظيمة يحرسها مماليك كلهم من الجان. وكان ذلك الخادم قد أحضر كنز اليمن، ثم توجه إلى مصر فرأى زوجة علي وأولاده وقد صاروا في حالة فقر تام، فلما سمع علي بذلك الخبر، قام وتوجه إلى التجار وقال لهم: قوموا بنا إلى خارج المدينة لنلاقي القافلة التي فيها متجرنا، وشرّفونا بحريمكم لأجل ملاقاة حريمنا. 

قالوا له: سمعاً وطاعة. ثم أرسلوا وأحضروا حريمهم، وخرجوا جميعاً إلى بستان من بساتين المدينة، وجلسوا يتحدثون، وإذا بغبار قد ثار من كبار البر، فقاموا ينظرون إليه إلى أن انكشف عن بغال ورحال وعكامة وفراشين وخدم وهم مقبلون في غناء ورقص، ولما وصلوا تقدم مقدم العكامة إلى علي المصري ابن التاجر حسن الجوهري، وقبل يده وقال: يا سيدي إننا تأخرنا بسبب قطاع الطرق، وقد مكثنا أربعة أيام إلى أن صرفهم الله تعالى عنا. 

ثم قام التجار وركبوا بغالهم وساروا مع القافلة في موكب عظيم وصار التجار يتعجبون من البغال المحملة بالصناديق، ونساء التجار يتعجبون من ملبس زوجة التاجر علي المصري وملبس أولادها، ويقلن إن هذه الملابس لم يوجد مثلها عند ملك بغداد ولا غيره من سائر الملوك والأكابر والتجار. ولا يزالوا سائرين في موكبهم، الرجال مع التاجر علي المصري، والنساء مع حريمه، إلى أن دخلوا المنزل... وأدرك شهرزاد الصباح، فسكتت عن الكلام المباح.

ليلة من القاهرة إلى بغداد

لما كانت الليلة الرابعة والتسعون بعد المئة، قالت شهرزاد: بلغني أيها الملك السعيد أن القافلة أنزلت أحمالها وخزنتها في المخازن، وصعد نساء التجار مع زوجة علي المصري إلى القاعة، فوجدنها مثل الروضة الغناء، وجلسن معها في حظ وسرور إلى وقت الظهر، فقُدم لهن الغداء كما قُدم للتجار، وكان من أفخر أنواع الأطعمة والحلويات. بعد ذلك، انصرف التجار وزوجاتهم، وصاروا يرسلون الهدايا إلى علي المصري وزوجته، وفيها شيء كثير من الجواري والمماليك وجميع أنواع الحبوب والسكر وغيرها.

أما التاجر البغدادي صاحب البيت الذي هو فيه، فإنه استمر مقيماً عنده وقال له: مر العبيد والخدم بإدخال البغال وغيرها من البهائم في بيت من البيوت لأجل الراحة، فقال له: إنهم مسافرون في هذه الليلة. وكان قد اتفق مع خادم الكنز على صرفه ومن معه، فانصرفوا إلى ظاهر المدينة وطاروا في الهواء إلى أماكنهم، ثم دخل التاجر علي المصري عند زوجته وأولاده وسلم عليهم وقال لهم: ما الذي جرى لكم بعدي في هذه المدة؟ فأخبرته زوجته بما قاسوه من الجوع والعري والتعب.

فقال: الحمد لله على السلامة، وكيف جئتم؟ فقالت: كنت نائمة مع الأولاد ليلة أمس، فلم نشعر إلا ونحن جميعاً نطير في الهواء، ولم يحصل لنا ضرر، ولم نزل طائرين حتى نزلنا على الأرض في مكان على شكل حلة العرب، فرأينا هناك بغالاً محملة وتختروان على بغلتين كبيرتين، وحوله الخدم من غلمان ورجال.

سألتهم: من أنتم وما هذه الأحمال ونحن في أي مكان؟ فأجابوا: نحن خدم التاجر علي المصري ابن التاجر حسن الجوهري، وقد أرسلنا لنأخذكم إليه في مدينة بغداد. فقلت لهم: هل المسافة التي بيننا وبين بغداد بعيدة أم قريبة ؟ فقالوا لي: قريبة فما بيننا وبينها غير سواد الليل، ثم أركبونا في التختروان، فما أصبح الصباح إلا ونحن عندكم ولم يحصل لنا ضرر أبدا. فقال لها: من أعطاكم هذا الملبس؟ فقالت: فتح مقدم القافلة صندوقاً من الصناديق التي على البغال وأخرج منه الحلل، فألبسني حلة وألبس أولادك كل واحد حلة، ثم أقفل الصندوق الذي أخذ منه الحلل وأعطاني مفتاحه وقال لي: احرصي عليه حتى تعطيه لزوجك.

ثم أخرجته له فقال لها: هل تعرفين الصندوق؟ قالت: نعم أعرفه، فقام ونزل معها إلى المخازن وأراها الصناديق، فقالت له: هذا هو الصندوق الذي أخذ منه الحلل. فأخذ المفتاح منها وحطه في القفل وفتحه، فرأى فيه حللا كثيرة، ورأى فيه مفاتيح كل الصناديق، فأخذها وصار يفتح صندوقاً بعد صندوق، ويتفرج على ما فيها من جواهر ومعادن لا يوجد عند أحد من الملوك نظيرها، ثم أقفلها وأخذ مفاتيحها وعاد هو وزوجته إلى القاعة وقال لها: هذا من فضل الله تعالى.

ثم بعد ذلك أخذها وتوجه بها إلى الرخامة حيث اللولب وفتح باب الخزانة ودخل هو وإياها وأراها الذهب الذي وضعه فيها، فسألته: من أين جاءك هذا كله؟ فأجاب: إنه من فضل ربي، فإني لما خرجت من عندك بمصر... وأدرك شهرزاد الصباح، فسكتت عن الكلام المباح.

وإلى حلقة الغد