رغم رفض المحكمة الدستورية، صراحة، للطعن بعدم دستورية المادة الرابعة من قانون أمن الدولة، بشأن العمل العدائي وسلامتها من الناحية الدستورية، فإنها حكمت ضمنا بعدم دستورية الفقرة الأولى من المادة الرابعة في حيثيات حكمها الصادر، رغم عدم الإعلان عن ذلك صراحة، أو حتى في منطوق الحكم.وتكمن تلك النتيجة التي نستخلصها، بعد قراءة التفسير الذي كشفت عنه «الدستورية» في حيثيات حكمها للفقرة الأولى من المادة الرابعة للعمل العدائي، لتخرج منها الآراء والأقوال من دائرة التجريم، وتبقى الأفعال المادية الملموسة والمحسوسة ذات الطبيعة العدائية في دائرة التجريم فقط، وهو تفسير انتهت إليه المحكمة، بعدما توصلت إلى أن الغموض الواقع في النص يسمح باتساع دائرة التجريم على نحو يضر بحريات الأفراد.
ومثل هذا التفسير، الذي انتهت إليه المحكمة الدستورية، لا يمكن فهمه، إلا أنه يمثل واقعا جديدا للمادة الرابعة، لكونه يحمل تفسيرا حديثا لها يتناقض تماما مع التفسير الذي يرتبه ظاهر النص نتيجة غموضه، وهو الغموض الذي أوقع ثلاث جهات في الخطأ، من حيث تكييفه، وهي الجهة المبلغة، سواء وزارة الداخلية أو الخارجية وجهة الاتهام، ممثلة بالنيابة العامة، وأخيرا المحاكم الجزائية، بدرجاتها الثلاث، التي انتهت بإدانة العديد من الأشخاص ممن عبَّروا عن آرائهم تجاه عدد من الدول بشيء من الحدة والهجوم، وربما الإساءة.ويبدو أن المحكمة كانت بين نارين، وهي تتصدى للدعوى الدستورية، بين أن تقضي على الخلل التشريعي الذي أصاب صياغة المادة الرابعة، التي تحتمل العديد من التفسيرات التي لا تتناسب وطبيعة النصوص الجزائية، ويتعين أن تتسم بالصراحة والوضوح، وتبتعد عن التكهن والغموض، وتحكم بعدم دستورية ما يتصل بالعمل العدائي الذي يخص الطاعن، وبين أن تفسر المقاصد الحقيقية للتشريع وتفسر النصوص، وهي تملك حق تفسير النصوص التشريعية إزاء بحثها، لسلامتها من الناحية الدستورية، بدلا من الحكم بعدم الدستورية، الذي قد يحدث فراغا تشريعيا لهذه الجريمة، فاختارت المحكمة الحل الثاني في التعاطي مع الطعن، فأزالت الغموض الذي يعتري النص، وانتهت إلى إيضاح مقاصد التشريع دون المساس بالمادة. نتائج الحكمويُرتب على حكم «الدستورية»، بعد قراءة الفقرة الأخيرة من المادة الأولى من قانون إنشاء المحكمة الدستورية، والتي تنص «ويكون حكم المحكمة الدستورية ملزماً للكافة ولسائر المحاكم» أربع نتائج، هي: الأولى: أن معنى الإلزام الذي قصدته الفقرة الأخيرة من المادة الأولى من قانون إنشاء المحكمة الدستورية، هو إلزام الجهات المعنية بتطبيق القوانين وتنفيذها، وهي جهات الإبلاغ عن الجرائم والتحقيق فيها، وكذلك إعمال أثر تلك الأحكام من قبل المحاكم، ومنها المحاكم الجزائية.ثانيا: أن الأحكام التي تلتزم تلك الجهات بتطبيقها وتنفيذها، هي الأحكام الموضوعية للدعاوى الدستورية، سواء برفض الطعون التي تنتهي بدستورية نصوص القوانين أو اللوائح، أو بعدم دستوريتها، فضلاً عن أن أثر الإلزام الذي يتعين العمل به من تلك الجهات لا يقتصر على ما ينتهي إليه منطوق الحكم، بل يمتد إلى الأسباب والحيثيات التي تتضمنها الأحكام الدستورية، سواء برفض الدعوى الدستورية، أو قبولها. الأفعال لا الأقوالثالثا: أن الحكم الصادر بشأن تفسير المادة الرابعة من قانون أمن الدولة يلزم جهات التحقيق بعدم توجيه الاتهام لأي شخص، نتيجة كتابته رأياً في مقال، أو تعبير عن رأي بندوة، أو تغريدة بحساب شخصي بـ»تويتر»، أو بوسيلة إعلامية، وتضمنت شبهة انتقاد لدولة أو لنظامها أو سياستها، وفق المادة الرابعة من قانون أمن الدولة، لأنها لا تنطبق على الآراء والأقوال، إنما على الأعمال المادية العسكرية، بل يجوز لجهات التحقيق توجيه الاتهامات للشخص المسيء، وفق الوسيلة التي عبَّر من خلالها، فإن كانت صحيفة، فيطبق عليه قانون المطبوعات وفق المادة 21 فقرة 9، وإن كانت «تويتر»، فيطبق عليه قانون جرائم تقنية المعلومات، الذي يحيل لمحظورات وعقوبات قانون المطبوعات والنشر، وإن كانت الإساءة عبر الفضائية، فيطبق عليه قانون المرئي والمسموع.رابعا: أن الأحكام الجنائية الصادرة النهائية أو الباتة، بعد صدور حكم «الدستورية» يجوز الطعن عليها بالبطلان، لمن تضرر منها، بأن يرفع المحكوم دعوى قضائية ببطلان الحكم الجزائي الصادر بحقه، بالحبس أو الإدانة، لأنها أقيمت على تكييف خاطئ، وهو التكييف الذي أدى إلى تحصيل خاطئ من قبل المحاكم الجزائية، ومثل هذا التحصيل الخاطئ قد يكون سبباً لبطلان الأحكام القضائية التي اعتمدت على التفسير الخاطئ عن التفسير الذي انتهت إليه المحكمة الدستورية للفقرة الأولى للمادة الرابعة، ولاسيما أن هذا التفسير الملزم للكافة يتعين الالتزام به وعدم مخالفته. أما وان خالفته المحاكم الجزائية قبل صدور الحكم الدستوري، فيجوز الطعن على تلك الأحكام بالبطلان أو التماس مجددا أمام نفس الدائرة التي أصدرت الحكم سابقا، مع إمكانية النظر في تطبيق قواعد التماس إعادة النظر على الأحكام الجزائية، لكونها مقررة بالدعاوى المدنية فقط.وقد يشير البعض إلى أن حجية الأحكام الدستورية، بعدم دستورية النص، هي التي بالإمكان الاستفادة منها على الأحكام الجزائية النهائية أو الباتة، وتطبيق أثرها عليها، فيما الحكم بشأن المادة الرابعة انتهى إلى رفض الدعوى الدستورية، والرد على ذلك، بأنه وبالرجوع إلى حكم الفقرة الأخيرة من المادة الأولى من قانون المحكمة الدستورية يتضح بجلاء إلزام الكافة بأحكام «الدستورية»، وهو الإلزام الذي يمتد إلى الأسباب والحيثيات التي تتضمنها الأحكام الدستورية، ومنها ما انتهى إليه تفسير الفقرة الأولى من المادة الرابعة من قانون أمن الدولة، التي تضمنت حكما جديدا لم يكن يتضح ما لم تبسط المحكمة الدستورية رقابتها عليه.
تبرئة ضابط من الأسرة اتُهم بقتل مواطن خطأً
قضت محكمة تمييز الجنح أمس برئاسة المستشار محمد الخلف ببراءة أحد الضباط من أبناء الاسرة الحاكمة متهم بالقتل الخطأ، وألغت حكم محكمة الجنح المستأنفة الذي انتهى إلى حبسه عاما مع وقف تنفيذ الحكم لمدة عامين يلتزم فيها بحسن السير والسلوك.وجاء حكم «التمييز» ببراءة المتهم على خلفية اتهامه بقتل مواطن أثناء مطاردته بمركبة وزارة الداخلية وإطلاق النار عليه للتوقف، إلا أن الرصاصة التي أطلقها نفذت إلى راسه وأودت بحياته.وبعد صدور الحكم، أمس، أكد دفاع المتهم الضابط أن محكمة تمييز الجنح أيدت حكم محكمة اول درجة الذي نفى المسؤولية الجزائية عن المتهم، وأنه لم يكن هناك قصد بالأساس إلى قتله، بل إيقافه، لكونه مطلوباً أمنياً.