تحت عنوان «الجهاد... مفهومه وضوابطه وأحكامه»، صدر أخيراً كتاب جديد للدكتور شوقي علام، مفتي مصر، يكشف فيه عن المبادئ والمفاهيم المغلوطة التي ألصقها البعض بالجهاد، إما عن عمد أو جهل نتجت عنها أفعال شنيعة اتخذها الأعداء دليلا يصرفون به الناس عن دين الله الذي ارتضاه للعالمين.

وأشار المفتي في سطور الكتاب إلى أن الله تعالى ندب إلى الجهاد بكل أنواعه ولم يقصره على صورة واحدة، مما يظنه ذو النظر القاصر أنه محصور في القتال فحسب، فيضيقون الواسع ويشددون على الناس، غير مدركين أن الله تعالى نوَّع مظاهره، ليتخذ كل امرئ منها ما يلائمه، لذلك أطلق الأمر في حق الجهاد، فقال تعالى: «وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ» (الحج: 78)، ومدح القائمين به، فقال: «وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا» (العنكبوت: 69).

Ad

وأشار المفتي إلى أنه لم يكن الغرض من الجهاد الرغبة في إشهار السيف أو إراقة الدماء، فالحروب التي شهدها المسلمون عبر تاريخهم من أنقى الحروب التي شهدتها الإنسانية، حقيقة وأهدافا وأسلوبا وشروطا وإنهاء وإيقافا، وهذا حق يراه كل منصف في النظرية والتطبيق على حد سواء، ومن رمى الإسلام بغير ذلك مما هو منه براء، فقد جاء شيئا فريا، وظلمه، منشؤه عدم التعرف على ما شرعه هذا الدين الحنيف للجهاد من دستور محكم مبسوط، ومن مقاصد جليلة من شأنها دخول الناس كافة طريق السلم والسلام، لا الحرب والفصام.

وكشف الكتاب قيام جماعات من الأدعياء بدافع التعصب والجهل والإصرار على جعل هذا الدين طرفا في صراع دائر وعدو للمحاربة دائما، باختلاق أفعال دموية وجرائم وحشية وانتهاكات للبشرية دون أدنى مراعاة للحقوق أو الواجبات تحت مسمى «الجهاد»، مستدلين بعقولهم الساذجة بمتشابه النصوص، من دون الرجوع إلى ما أحكم الله تعالى منها ولا إلى ما فهمه العلماء المتخصصون من مبناها ومعناها ومقصدها، فيأخذهم الجهل والهوى إلى تكفير الحكام والشعوب، ويجعلون ذلك سببا لأعمالهم الإجرامية وأفكارهم الشيطانية.

وأوضح الكتاب أن هناك شرذمة قليلين خالفوا ما شرعه الله تعالى من أحكام الجهاد الشريفة ومقاصده، حيث يقاتلون تحت راية عمية غير واضحة، مفارقين لجماعة المسلمين خارجين من دون سند من الدستور والقانون هاجرين إذن الوالدين، ومع ذلك يقتلون من لا يجوز قتاله من المسلمين وغيرهم من الآمنين، ويسلبون مقدَّرات الأمم والشعوب، غير مبالين بالحرمات والأعراض والمعاهدات التي ارتضاها البشر منذ عقود طويلة، بل وصل فسادهم لينال بالهدم والتدمير من تراث الإنسانية التليد الذي كتبه الدهر ذكرا في لوح العمران والحضارة.

وتناول الكتاب استقراء لفتاوى دار الإفتاء المصرية التي توضح حقيقة الجهاد في الإسلام وضوابطه وأحكامه وغاياته النبيلة، ووسائله المشروعة والممنوعة، ما يؤسس للحرية والتعددية والاختلاف وقبول الآخر واحترام حقوقه المشروعة، ويفند في الوقت نفسه ما صنعته الأفكار الهدامة والأهواء المقيتة من تفريق لوحدة المسلمين ونشر للنعرات الطائفية بينهم تحت ما يُسمى «الجماعات الدينية».