قبل سنوات، اختار النقاد مئة فيلم بوصفها الأفضل في تاريخ السينما المصرية، ذلك من خلال استفتاء أشرف عليه مهرجان القاهرة السينمائي الدولي، كان في مقدمها «العزيمة»، و«الأرض»، و{باب الحديد»، و{المومياء»، و{الحرام»، و{شباب امرأة»، و«بداية ونهاية»، و{سواق الأتوبيس». وبعيداً عن الاستفتاء أو غيره والأسباب والدوافع التي تم على أساسها اختيار هذه الأفلام وغيرها، السؤال الذي نحن في صدده الآن، هل ما زالت تلك الأفلام هي الأهم مروراً بالشريط أم أن «تغيرات» مهمة لحقت بالقائمة؟

في السطور المقبلة نستعرض آراء النقاد حول أهم الأفلام.

Ad

يختار الناقد نادر عدلي أفلام «باب الحديد»، و{الأرض»، و{المومياء»، و{القاهرة 30» لتكون الأفضل في مسيرة السينما المصرية، مشيراً إلى أن كلاً منها ترك بصمة مهمة في معالجة قضايا مصرية، وطرحها بصورة سينمائية جعلت الجمهور يتفاعل معها.

يوضح عدلي أن يوسف شاهين في «الأرض» عبّر عن ارتباط الإنسان المصري بأرضه من ناحية، وكرهه الاستعمار الإنكليزي من ناحية أخرى، ما عكس طبيعة المصري العفيف الذي يدافع عن أرضه بالدم، ويضحي لأجلها بالغالي والنفيث.

عدلي يرى أيضاً أن أهمية «باب الحديد»، وبعيداً عن لغته السينمائية السباقة، تكمن في قصة الحب «الاستثنائية» بين اثنين من أبناء الطبقة المهمشة في المجتمع المصري، بالإضافة إلى معالجة قضية إنشاء النقابات التي تدافع عن حقوق العمال. أما «القاهرة 30» فعبر عن حالة الفقر وقتل الطموح التي عاشها معظم الشعب المصري في إحدى الحقب الزمنية خلال الاحتلال، وما بعده.

يلفت عدلي النظر أيضاً إلى تجربة «المومياء» التي قدمت معالجة سينمائية خاصة أقرب إلى الصورة التشكيلية التي صنعت حالة سينمائية خاصة، وجعلت المشاهد يتوحد مع الحضارة الفرعونية القديمة، وهي إحدى أهم مميزات هذه التجربة الاستثنائية للمخرج شادي عبد السلام.

الناقدة ماجدة خير الله في رأيها أن «خلي بالك من زوزو» أحد أهم أفلام السينما المصرية، فقد استمرّ في دور العرض لمدة عام تقريبا، وهي فترة طويلة للغاية مقارنة بحضور أية أعمال أخرى، لافتة إلى أن أداء سعاد حسني الاستثنائي، ووجود فريق عمل مميز يجعل من الفيلم محطة مهمة في تاريخ صانعيه.

كذلك تلفت خير الله النظر إلى أن «المذنبون» بوصفه يناقش مشكلة وواقعاً سياسياً عبر قصة جيدة تصدى لها حشد من النجوم في تلك الفترة، يعتبر فيلماً مهماً ويحسب لمخرجه سعيد مرزوق، مؤكدة أن جرأته في الطرح السياسي وفي تجاوز أزمة الرقابة بمعالجة فنية تشكل مدرسة سينمائية لا يزال صانعو السينما بحاجة إلى الاستفادة منها للتعامل مع الأعمال التي تحمل طابعاً سياسياً.

الأرض عرض

الناقد رؤوف توفيق يرشح «الأرض» ليكون ضمن أفضل الأعمال السينمائية، مشيراً إلى أن القائمة تضمّ مجموعة أفلام من بينها «الحرام»، «دعاء الكروان»، و{خلي بالك من زوزو» و{البريء»، وهي حملت تنوعاً في المضمون والمعالجات الفنية، من ثم تربعت على العرش وفي الذاكرة والوجدان.

ويضيف أن تفضيل «الأرض» يرجع إلى قدرة يوسف شاهين على معالجة القضية التي ناقشها بواقعية شديدة، زد إليها تميز الفنان الراحل محمود المليجي في الأداء كأي فلاح مصري أصيل يدافع عن أرضه في وجه السلطة الغاشمة المستبدة، لافتاً إلى أن شاهين أبدع في المعالجة الفنية التي قدمت مشاهد كانت وستظل خالدة تعبر عن معاناة الفلاحين والظروف التي تعرضوا لها.

ويشير توفيق إلى أن لدى السينما المصرية كلاسيكات رائعة، اعتمد فيها المخرجون على الواقعية الشديدة سواء في الكوميديا أو الأعمال الاجتماعية، لافتاً إلى أن كل فترة من الفترات تشهد علامة سينمائية تميزها، وتعبّر عنها بوضوح مثل فيلم «سواق الأتوبيس» الذي صوّر مرحلة بداية الانفتاح الاقتصادي ومشاكل يواجهها الصغار مع الضرائب وتؤدي إلى تدمير حياتهم.

أما الناقدة خيرية البشلاوي فترشح أفلام «بداية ونهاية»، و{دعاء الكروان»، و{الأرض»، و{الحرام» لتكون أفضل الأعمال السينمائية المصرية، لافتة إلى أن كلاً منها حمل قصة مختلفة، ونجح أبطاله في التعبير عن تفاصيله بمصداقية كبيرة، بالإضافة إلى اعتبار تلك الأفلام بمثابة ثورة فنية تعتمد لغة سينمائية شديدة الخصوصية فضلاً عن القضايا التي تعالجها، وهو ما يحسب لصانعيها.

وتضيف البشلاوي أن هذه الأفلام تحمل أفكاراً جديدة لم تقدم في مرحلتها الزمنية، بالإضافة إلى صدق أداء ممثليها وإتقان مخرجيها، لافتة إلى أن مشاركة هذه الأعمال في المهرجانات السينمائية الدولية لم تأت من فراغ، بل جاءت مرتبطة بجودة إتقانها ومجاراتها الزمن الذي قدمت فيه.

وترجع البشلاوي اختيار أفلام الأبيض والأسود باعتبارها الأفضل إلى كونها تحوّلت إلى كلاسيكات في السينما المصرية، وهو ما لا يتعارض مع وجود تجارب شبابية جديدة تستحق التقدير والإشادة، لكن أمامها بعض الوقت حتى تدخل ضمن قائمة الأفضل ، مشيرة إلى أن اختيار الكلاسيكات السينمائية باعتبارها الأفضل يرجع إلى النظرة الثقافة والفنية لأي عمل فني.

الناقد محمود قاسم يشير إلى أن أفضل الأعمال السينمائية ليس بالضرورة أن يكون أشهرها، خصوصاً أن ثمة كثيراً من الأعمال الجيدة لم تحظ بفرص مشاهدة جيدة أو ظلمت في تقييمها مثل «الإيمان» الذي قدمه المخرج أحمد بدرخان ولم ينل النجاح سواء على مستوى المشاهدة النقدية أو الجماهيرية.

ويضيف قاسم أن «اللص والكلاب» أحد أكثر الأعمال السينمائية الذي قدّم الواقع بشكل جيد، وعبّر عن المحنة التي يوضع فيها الإنسان من دون أن يكون له ذنب فيها، لافتاً إلى أن المخرج كمال الشيخ برع في رسم صورة المعاناة التي يواجهها أبناء الطبقة المتوسطة والمشاكل التي قد يتعرضون لها.

ويؤكد أن تجربة يوسف شاهين في «باب الحديد» برعت أيضاً في تقديم الواقع، وهو تميز لم يكن للمخرج وحده الفضل فيه، بل أيضاً للممثلين، وللسيناريست عبد الحي أديب الدور الأبرز فيه لقدرته على رسم ملامح الشخصيات بعمق وبساطة في الوقت نفسه، بينما قدم فريق العمل من هند رستم وفريد شوقي أدوارهم ببراعة شديدة صنعت فيلماً يعتبر إحدى العلامات السينمائية المهمة.

المهمشون في الأرض

تختار الناقدة ماجدة موريس «المومياء» ليكون ضمن أفضل الأفلام السينمائية، رغم فكرته الفلسفية ولغة الحوار التي لا تتفق مع عموم المشاهدين، مشيرة إلى أن المخرج شادي عبد السلام قدّم عملاً فنياً له خصوصية يطرح وجهة نظر تاريخية ممتدة حتى الآن، وهو ما يتأكد لها في كل مرة تشاهده فيها، موضحةً أنها تكتشف فيه تفاصيل جديدة، فهو مثل الكتاب الذي تطالع فيه جديداً كلما أعدت قراءته وهذا ليس عيباً، لأن مستواه مرتفع بالنسبة إلى الحوار، وهي نقطة لا تدينه بل يجب أن تدفع صانعي السينما إلى محاكاته للارتقاء بها.

وترى موريس أن «شفيقة ومتولي» قدّم حكاية من السيرة الشعبية حملت عمقاً وحجماً أكبر من السرد الكتابي، وعبر صانعوه عن رؤية أخرى للطغيان والاستبداد، لافتة إلى أن معالجة «سمع هس» في تقديم قضية استغلال المواهب والمجتهدين ومحاولة سرقة أفكارهم وتقديمها بأسماء غيرهم أدّت فيه الموسيقى والغناء والأداء التمثيلي لكل من ليلى علوي وممدوح عبد العليم دوراً كبيراً في تميزه.

كذلك تعتبر موريس «يوم مر يوم حلو» تجربة تضمنت تفرداً كبيراً في التعبير عن واقعية قضايا كانت لا تزال مهمشة عند طرح معالجتها مثل المرأة المعيلة التي يتوفى زوجها وتدفعها الظروف إلى العمل كي تستطيع تربية أبنائها، مشيرة إلى أن الفيلم دقّ ناقوس الخطر وأضاء على مشاكل الطبقات الفقيرة التي تعاني ظروفاً صعبة، إذا توفى عائلها، بالإضافة إلى الأداء المبهر لجميع الممثلين بداية من فاتن حمامة مروراً بمحمد منير، سيمون، وعبلة كامل.

أما الناقد أندرو محسن فيرشح «عودة الابن الضال»، و{الكيت كات» ليكونا ضمن أفضل الأفلام في تاريخ السينما المصرية، مشيراً إلى أن «الكيت كات» نقل صورة الشارع ببساطة وبعمق، وعرض مسألة الاستسلام للأمر الواقع، بالإضافة إلى الموسيقى التصويرية التي لا يمكن مشاهدته من دونها، والتي خلقت حالة خاصة في التواصل بين المشاهد والفيلم تحسب لمخرجه داود عبد السيد.

ويضيف أن «عودة الابن الضال» أحد الأفلام المتميزة أيضاً، نظراً إلى معالجته الدرامية الرائعة وتماسك الفكرة التي عرضها ورمزية مناقشتها السياسية، بالإضافة إلى الأداء اللافت لفريق العمل وفي مقدمهم محمود المليجي وشكري سرحان، فضلاً عن الأغنيتين اللتين قدمتهما الفنانة ماجدة الرومي في الأحداث، وكادرات التصوير التي لا تزال خالدة في ذهن الجمهور.

ويختم: «رغم إنتاج أفلام تناقش القضية نفسها، فإن «عودة الابن الضال» بقي علامة خالدة في تاريخ السينما المصرية».

{دعاء الكروان}... والحب الممزوج بالانتقام

فضلاً عن أن {دعاء الكروان} شكّل حالة استثنائية في المستوى الفني للممثلين الذين شاركوا فيه، نجح سيناريو يوسف جوهر في تحويل رواية لا تحمل أية صورة يمكن تقديمها على الشاشة إلى فيلم خالد في تاريخ السينما المصرية.

عبّرت فاتن حمامة عن مشاعر الحب التي جمعتها مع المهندس (أحمد مظهر) بعد دخولها منزله من محاولة منها للانتقام لشقيقتها هنادي التي أفقدها شرفها، ولم ينفذ وعده بالزواج بها، ما دفع خالها إلى قتلها.

الفيلم قصة حب رومانسية، رغم الفوارق الاجتماعية الشديدة بين العشاق، فالخادمة أحبت مهندس القرية بعدما كانت ترغب في الانتقام منه وقتله، ونجحت في الإيقاع به فأحبها، وعرض الزواج عليها لكنها رفضت رغم مشاعر الحب التي تكنها له، لا سيما أنها اعتبرتها خيانة لشقيقتها رغم رحيلها. باختصار، رصد الفيلم قصة الحب المحكوم عليها بالفشل والموت لاحقاً بسبب مشاعر الانتقام التي تدمر البشر.

فريد الأطرش

ما يجهله البعض أن فكرة تحويل الرواية إلى فيلم كانت للفنان فريد الأطرش الذي ارتبط بعلاقة صداقة وطيدة مع المخرج هنري بركات، فعرض عليه الرواية بعدما قرأها، لكن هنري أخبره أنها لا تناسب شخصيته الفنية، وإذا قدمها لن يحقق فيها أي نجاح. إلا أن الأطرش ولثقته في المخرج الكبير ظلّ وراءه حتى قرأها وأعجب بها، من ثم تحمس لتحويلها إلى فيلم سينمائي، رغم أنه لم يكن قدم حتى تلك الفترة أية أعمال سينمائية متعمقة في الريف المصري.

كان هنري بركات آنذاك بدأ بتحضير فيلمه {حسن ونعيمة} مع سعاد حسني ورشدي أباظة، وخلال ذهابه لمعاينة مكان التصوير شاهد قرية في قلب الجبال وأعجب بتفاصيلها خلال عبوره السريع عليها، فشعر بأن رسائل قدرية تناديه لتقديم {دعاء الكروان} سينمائياً، فالقرية تقع في قلب الجبل، كما تقول الرواية، ومنازلها مناسبة للأجواء التي كتبها الدكتور طه حسين.

لم ينس بركات {دعاء الكروان} وشجعه نجاح {حسن ونعيمة} جماهيرياً على طرق باب طه حسين والتواصل معه لتقديمها كفيلم سينمائي، لكن الأديب المصري لم يكن متحمساً فهو لم يشعر بأن الرواية تصلح للسينما. وبعد مفاوضات عدة في جلسة العمل التي جمعته مع هنري بركات استقرا على معالجة سينمائية، يكتبها يوسف جوهر قبل أن يبدي حسين موقفه النهائي بالموافقة على تحويل الرواية إلى فيلم.

وافق حسين على الاقتراح، وقبل بعد قراءة السيناريو، لكنه وقع في حيرة بسبب النهاية التي كتبها يوسف جوهر، والتي يموت فيها البطل على العكس من النهاية السعيدة في الرواية. وتمّ الاستقرار بعد مفاوضات شاقة على تأجيل القرار النهائي إلى حين الانتهاء من التصوير، حيث صور بركات نهايتين للفيلم.

لم يتخذ القرار النهائي إلا بمشاركة طه حسين بعد مشاهدة نهايتي الفيلم، فرغم عدم قناعته بتغيير نهاية الرواية الأصلية، فإن نجله الدكتور مؤنس أدى دوراً كبيراً في إقناعه باختيار نهاية السيناريو وليس نهاية الرواية باعتبارها الأقرب إلى جمهور السينما الذي لن يصدق أن آمنة استطاعت أن تعيش مع من غرر بشقيقتها، وتسبب في فراقهما مهما كانت درجة حبها لها.

حقق الفيلم عند عرضه نجاحاً جماهيرياً كبيراً، وشارك في المسابقة الرسمية لمهرجان برلين السينمائي الدولي، ورافقت فاتن حمامة بركات في عرضه الأول وحظي برد فعل جيد.