بدأت معارك الفلوجة الأخيرة، وسط تفاؤل بأنها تجربة "ناضجة" جاءت إثر عامين من مواجهة تنظيم "داعش" وخسارات كبيرة وأخطاء يفترض أنها حظيت بالمراجعة، وبرز دور الجيش في معارك غرب العراق منذ مطلع هذه السنة، بينما تضاءل دور الميليشيات ومتطوعي الحشد الشعبي ليلعبوا دوراً مسانداً فقط، محاولين بذلك تخفيف أي حساسيات طائفية قد تعكر أجواء العمل الميداني الحرج، وانعكس ذلك على تفاهم أكبر بين بغداد وواشنطن، حتى أن مسؤولين أميركان أدلوا بإفادات نادرة تحيي قوات الحشد الشعبي، وتدعو لدعم رئيس الحكومة حيدر العبادي كي يكون هو المسؤول الأول عن كل القوات، وصولاً إلى إنهاء كل حالات التمرد على الأوامر عند عناصر الحشد الذين ارتكبوا انتهاكات كبيرة أحياناً بحق المدنيين السنة والشيعة أيضاً في بعض الحالات.

لكن الأيام القليلة الماضية كسرت التفاؤل بمستوى التفاهم بين الأطراف المشتركة في معركة الفلوجة، كما حفلت بأخبار تتحدث عن خسائر مقلقة في صفوف قوات النخبة الذين تدربوا بشكل استثنائي على يد الجيش الأميركي!

Ad

لكن الأسوأ هو أن الأطراف المقربة من إيران تحاول إحراج العبادي مرة أخرى، فترتكب انتهاكات بحق الرجال في أطراف الفلوجة، وتصورها وتنشرها عبر وسائل الإعلام، فضلاً عن التركيز الكبير على دور حرس الثورة الإيراني في المعركة، وهو دور جرى تضخيمه وفق كثير من مسؤولي الجيش العراقي، في نوع من "العناد" السياسي والميداني مع الولايات المتحدة.

ويحاول المقربون من مرجعية النجف والأطراف الشيعية المعتدلة، تقديم وعود بالتعرف إلى مرتكبي الانتهاكات وتقديمهم إلى المحاكم العسكرية فوراً، لكن هذا لم يوقف موجة الشعور بالاستياء الشديد، إلى درجة أن شائعات وتسريبات كثيرة أخذت طريقها للتداول؛ مفادها أن الجانب الأميركي هدد بوقف دعمه للعمليات، أو أنه أوقفه بالفعل، ثم قيل إن التلكؤ الذي حصل ليست له علاقة بخلاف مع واشنطن، وإنما هي تكتيكات لحماية المدنيين الذين يحتجزهم "داعش" في الفلوجة ويستخدمهم دروعاً بشرية، وهو أمر يقلق الأميركان بشدة، لأنه يمكن أن يعني زيادة كبيرة في الضحايا المدنيين.

ويجري التعتيم على عدد الضحايا المدنيين في مناطق الحرب، وخصوصاً الموصل، التي تتعرض لقصف مكثف أحياناً، كما يجري التعتيم على انتهاكات كثيرة يقوم بها متطوعو الحشد في معظم المناطق، رغبة في تخفيف الاحتقان وحفظ الحد الأدنى من وحدة الموقف الداخلي ضد "داعش"، إلا أن أطرافاً مطلعة تقول إن إيران مستعدة لتخريب حتى هذا الحد الأدنى من التفاهم، إذا استمرت أميركا في منعها من امتلاك نفوذ في مناطق غرب العراق المحاذية للسعودية والأردن، وستواصل استخدام "إعلام مضاد" يحرج بغداد وواشنطن في الوقت نفسه.

وإذ يطالب الأميركان الحكومة العراقية بكبح النفوذ الإيراني، فإن بغداد تعتذر بأنها تمر بأسوأ أحوالها السياسية والاقتصادية، وليست لديها خيارات كثيرة للتعامل مع طهران، مقارنة بالعام الماضي الذي بدا فيه العبادي يتصدر شبه إجماع داخلي منحه شيئاً من الثقة لخوض مواجهات مع الفصائل الموالية لحرس الثورة.