لا تُحبني كما أنا!
"أنا هكذا"، "إما أن تقبَلني كما أنا أو اتركني"، "لا تتوقع أن أتغيّر من أجلك"، تلك الجُمل وجُمل أخرى تؤدي لنفس المعنى هي دليل لأحد أمرين لا ثالث لهما، إما أنها دليل على كمية السلبية التي تسكن ذات قائلها والأنانية التي تضخمت بها حتى تكاد تنفجر صديداً مقرفاً، أو أنها دليل عجز تام، وقيود نفسية تكبّل حتى رغبة قائلها على التغيّر!إن أولئك الذين يردّدون مثل هذه العبارات متكئين على أن الحب هو "أن تحب شخصاً كما هو" يخطئون فهم هذا المعنى كثيراً، فالقصد من هذه العبارة هو أن تجد في شخص ما من الميزات التي تجعلك على قدرة من التصالح مع عيوبه، حتى لو لم تستطيعا معاً العمل على التخلص منها أو من بعضها، شخص فيه من الجمال ما يوازي على الأقل وفي أسوأ الأحوال ما به من قبح، أما إذا كانت عيوبه من البشاعة والقبح اللذين يجعلان العيش معه جحيماً لا يطاق، ويسلبان من حياتك سكينتها وطمأنينتها ويمنحانك في المقابل شقاءً وبؤساً لا نهاية لهما، فمن الحكمة أن تعيد النظر في وجهة قلبك، لا تجعل قلبك مهما رغب رهينة لأناني أو لعاجز، كن على يقين أنه سيدمره حتماً، ولن يلتفت ولو لمرة واحدة خلفه ليرى ما آلت إليه روحك ولو من باب الفضول.
الحب يمنحنا الفرصة "لنتأنسن" لا لنحافظ على توحشنا ووحشيتنا، ويخلق الرغبة فينا لإصلاح ذواتنا لتتناغم مع ذات أخرى، على أن تكون لدى تلك الذات الأخرى نفس الرغبة ونفس الحماس لفعل الشيء ذاته، والحب هو الذي يُرينا نقصنا بعد أن توهّمنا اكتمالنا، ويجعلنا ممتنين لذلك الآخر الذي اكتملنا به واكتمل بنا، ونحن لا نفعل ذلك عن إكراه، بل بكامل إرادتنا الحرة ورغبتنا المعافاة من الأنانية، الحب قبل أن يجمّلنا لمن نحب هو يجمّلنا لذاتنا، لنرى أنفسنا أفضل وأكمل في مرايانا الروحية، ودور المحب الصادق مساعدتنا على فعل ذلك بأن يأخذ بيد قلوبنا لتغتسل بماء الطهر لتتخلص مما يشوب نقائها، ويجعلها صالحة لاحتواء قلب آخر، القلوب العاجزة عن احتواء قلب آخر داخلها غير جديرة بالحب ولا تستحقه، وأصحابها غير مؤهلين للمشاركة في رسم طريق مضيء ورفقة آمنة، وهم من يقذفون في وجه من يمد لهم قلبا جملة مثل: "هذا أنا، إما تقبلني كما أنا وإلا فلا"، خاصة إن حملت تلك الأنا من الأذى ما يُدمي روح شخص آخر. إن من يبدو مصرّا على التمسك بعطب ذاته إنما هو امرئ يتّبع شيطان روحه ويريدنا أن نتبعه معه، وإن من يرى أن سيئاته خط أحمر لا ينبغي مساسه أو محاولة الاقتراب منه، شخص استمرأ ملذات بشاعة روحه ولن يتوانى في ممارسة تلك البشاعة معنا، فالحذر من الارتباط بشخص يرفض بإصرار أن يصبح أجمل، أو قلب يعجز أن يكون أطهر.