تسمَّرت قدما محمد كمال أمام جرأة زينب، لم يعرف ماذا يقول، غير أنه راح يتلفت يمينا ويسارا، خشية أن يكون هناك من يراه وهو على هذه الحالة، غير أنها لم تضيع الوقت في النظرات والالتفاتات، اقتربت منه بسرعة، وبادرت بالحديث معه:

- أنا عارفة أنك بتقول عليّ جريئة، وإني واحدة ممكن تخلع هدومها قدام الطلبة... مش غريب عليها أنها تقف في الشارع وتستنى واحد علشان تكلمه.

Ad

* إيه أنا... أبدا أبدا أبدا... بالعكس، أنا مبسوط أوي أني شوفتك.

- صحيح يا سي محمد.

* طبعا طبعا.

- بس مش باين عليك أنك مبسوط أنك شوفتني.

* مبسوط جدا... بس أرجوك تعالي نمشي من هنا بسرعة قبل ما حد من الكلية يشوفنا... تبقى مصيبة.

- مصيبة أنهم يشوفوني معاك.

* لا مش قصدي... بس ممكن يقولوا للدكاترة والعميد... وممكن يعملوا مشكلة ليا ولك كمان.

- خلاص أنا ماشية.

* لا لا... تعالي أنا عازمك على شاي... أنا أعرف مكان كويس أوي هنا في الزمالك بيعمل شاي عال أوي... تعالي.

جلس محمد كمال مع الموديل زينب، لأول مرة بمفردهما، بعيدا عن أعين الطلبة والأساتذة، غير أنها لم تكن الأخيرة، حيث توطدت العلاقة بينهما، وتحولت من مجرد إعجاب، إلى حب متبادل، وبعد اللقاء الأول تعددت اللقاءات السرية، التي يفضي فيها كل منهما بمشاعره تجاه الآخر، دون أمل في نهاية هذه العلاقة، وكما بادرت زينب ببدء العلاقة، بادرت بالسؤال عن نهايتها:

* مش فاهم تقصدي أيه؟ هي علاقتنا ممكن تنتهي؟

- أكيد لازم تنتهي... بس تنتهي إزاي؟ ده أنت اللي تقوله.

* زينب حبنا مالوش آخر.

- أنا عارفة... بس آخرة الحب ده أيه؟ هانفضل كده نتقابل في السر زي اللي بيسرقوا

* لا طبعا... أنا منتظر أخلص دراسة... وهارتبط بك على طول... صدقيني يا زينب أنا مابقتش قادر استغنى عنك

= ولا أنا يا محمد

غرام مبكر

لم يعد محمد كمال يستطيع العيش دون زينب، شعر بأنها حبه الأول والأخير، يحرص على اللقاء معها كل يوم، حتى لو لم يكن لها عمل كموديل في الكلية، كما حرص على ألا يلاحظ أي من الأساتذة والطلبة، أيا من مظاهر هذا الحب، من نظرات أو لفتات أو ضحكات، حتى لا يصل أمره إلى والده أو جده، إلا أن السر الذي حرص على إخفائه كشفته مشاعره.

بعد جلسات طويلة لرسم الموديل زينب "بالملاءة اللف" والملابس الشعبية، قرر الأستاذ أن يتم رسمها عارية، وما إن أعلن الأستاذ ذلك، حتى انفرجت أسارير جميع الطلبة، إلا محمد، فربما تمنى هذه اللحظة طويلا كحبيب ممن أحبها، لكنه لم يتمنّ أن يشاركه فيها كل طلبة الكلية، فوقف يستعد نفسيا لاستقبال هذه اللحظة، دون أن يعرف كيف سيكون رد فعله!

وقف محمد كمال شارد الذهن، يفكر كيف سيواجه هذه اللحظة الفارقة في علاقة حبه، كيف سيرى حبيبته الموديل وهي تقف عارية تماما، ليس أمامه بمفرده، بل أمام الطلبة جميعا، وفيما هو مستغرق في أفكاره، جاءت الساحرة السمراء وهي تلف جسدها بملاءة سوداء، ثم وقفت في منتصف القاعة، نظرت إلى الطلبة نظرة عامة، ثم استقرت عيناها عند محمد كمال، قرأ في عينيها حزنا عميقا، بعدها بدأت تخلع ملابسها‏ كالمعتاد، ثم استقرت على المنضدة التي تتوسط القاعة في الوضع الذي حدده لها الأستاذ‏.

كان وضع زينب بالنسبة لمكتب محمد كمال في زاوية جانبية، أي كان يراها "بروفيل" ولا تكاد هي تراه إلا بطرف عينها، وبدأ هو وزملاؤه في الرسم، وانشغل كل طالب بالورق الذي أمامه‏،‏ وبقي الأستاذ غير بعيد يتابع انهماكهم في الرسم‏،‏ ولاحظ أن أغلب الطلبة بدأوا استعمال "الممحاة" في إزالة خطوط القلم الرصاص، ثم البدء في الرسم من جديد، وهو أمر لم يكن مألوفا، ولا يمكن أن يصدر إلا إذا كانت الموديل قد غيَّرت وضعها، ونظر الأستاذ إلى "زينب"، فوجدها قد غيَّرت من وضعها بالفعل، وأصبح وجهها مواجها لوجه محمد، وفي مواجهته تماما، وبسرعة طلب الأستاذ إليها بحزم أن تعود إلى الوضع الأول السليم ثم همس في أذن محمد:

= مر عليّ بعد المحاضرة يا شناوي.

من نظرات الأستاذ وأسلوب حديثه معه، شعر محمد كمال بأن هناك كارثة في انتظاره، فقضى ما تبقى من دقائق في المحاضرة، في التفكير فيما يمكن أن يقوله له، وما الذي سيرد به، لدرجة أنه انشغل عن زينب ونظراتها، حتى انقضت المحاضرة، وارتدت ملابسها، وهي تنظر إلى محمد، كأنها نظرات وداع، حتى إنها لم تتمالك نفسها، وسالت دموعها على خديها، فحاولت إخفاءها، وخرجت مسرعة على غير عادتها.

بمجرد أن انصرفت زينب، ترك محمد كل أدواته وأوراقه، واتجه من فوره إلى مكتب الأستاذ، الذي ما إن شاهده، حتى انتفض واقفا، واقترب منه بحزم:

= تعالى يا شناوي... اقعد.

* العفو يا فندم ما يصحش.

= اقعد اقعد... شوف يا شناوي... أنا لاحظت النظرات اللي كانت بينك وبين الموديل.

* أبدا يا أستاذ أنا.....

= أنا مش عايزك تكدب... لمصلحتك... أنت شاب وسيم ومتفوق في دراستك وعندك موهبة عظيمة... وفوق ده كله من عائلة وبينتظرك مستقبل كبير.

* أيوا يا فندم، بس أنا مش زي ما حضرتك فاهم... أنا مش ممكن أبص لموديل أو أعمل علاقة معاها.

= وكمان ماحبش أنك تتكلم عليها بالشكل ده... الموديل دي إنسانة محترمة بتمارس عمل شريف... جايز يكون عمل جريء شوية، لأننا مش متعودين عليه في مجتمعاتنا الشرقية، لكن ده ما ينفيش أنها إنسانة لها احترامها، وزي ما الطبيب مالوش الحق في أنه يعمل علاقة مع الممرضة بتاعته أو المريضة اللي بيعالجها، مش من حق الفنان أدبيا أنه يعمل علاقة مع الموديل بتاعته... وإنسانيا لأنك ببساطة ممكن تتسبب في قطع عيشها من الكلية، لأن إدارة الكلية مش هاتسمح لطالب يكون له علاقة بموديل... طبعا الطالب ممكن يتعاقب بحرمانه من الامتحان، لكن عقابها هي هيكون قطع رزقها... أظن مفهوم.

* مفهوم يا أستاذ.

= قوللي بقى أيه نوع العلاقة اللي بينكم.

سمع محمد كمال السؤال وأطرق برأسه ولم يجب، فهز الأستاذ رأسه قائلا:

- على العموم أنا كنت منتظر ده... وحتى لو أنكرت ماكنتش هاصدقك، لأن عينيكم فضحتكم... أوعدني يا شناوي أنك تقطع علاقتك بها فورا.

* هه... حاضر.

- لا أوعدني ودلوقت حالا... أوعد.

* أوعدك وعد شرف يا أستاذ.

خرج محمد من الكلية، ليفاجأ بزينب تقف في انتظاره في المكان الذي اعتادت أن تنتظره فيه كلما كان بينهما موعد، وراحت تتابعه بنظراتها وهو يقترب، غير أنه لم يتوقف، وواصل سيره مارا من أمامها، كأنه لم يرها، ففهمت زينب الرسالة، وبكت على ضياع الحب الحقيقي في حياتها، وعزمت في لحظتها على ألا تجعله يراها مرة أخرى، وبدلا من أن تمنعها الكلية من الاستمرار في العمل كموديل، قررت ألا تذهب للكلية بعد اليوم.

وهم الحب الأول

حزن محمد كمال حزنا شديدا على ضياع أول حب في حياته، لازم على أثره الفراش عدة أيام مريضا، وسط حيرة وقلق العائلة، غير أنه لم يخرج من هذه الأزمة النفسية، وليست الجسدية، إلا عندما خفق قلبه مجددا، إلا أن خفقان قلبه هذه المرة كان من طرف واحد، من ناحيته، عندما وقعت عيناه على ابنة الجيران عبر الشرفة المواجهة لشرفته، عندما رآها تقوم بري الزرع في شرفتها، تعلق بها قلبه، بمجرد أن رآها أمسك بورقه وأقلامه، وراح يرسم لها عددا من "الصور" دون أن تلتفت إليه، عاش معها قصة حب طويلة على الورق، حتى استطاعت دون أن تدري أن تخرجه من حالة الحب الفاشل، ليظل أكثر من عام يعيش هذه القصة، حتى تنبهت صاحبتها، فبدأت تبادله النظرات والابتسامات، دون أن يجرؤ أي منهما على الحديث للآخر، أو حتى التلويح له، فقط نظرات وابتسامات في خجل واضح، حتى إنه قرر بينه وبين نفسه، أن يتقدم لخطبتها فور تخرجه، عندما لاحظ رضاها عن هذا الحب، فقط عبر ابتساماتها الخجولة، ووقوفها أمامه وقتا طويلا، عندما بدأت تلاحظ أنه يقوم برسمها، حتى كان اليوم الذي قررت، صاحبة "أجمل ابتسامة"، كما وصفها، أن تغلق شرفتها إلى الأبد، عندما رأت وسمعت ما دفعها إلى ذلك.

كان الشناوي في هذا الوقت قد قرر أن يختار الموديلات التي يرسمها لنفسه، حتى وقعت عيناه على موديل، لم يرَ مثله من قبل.

في مساء تلك الليلة التي كان يجلس فيه على مقهى "النوبي" الذي اعتاد الجلوس عليه مع مجموعة من الأصدقاء، بالقرب من ميدان السيدة زينب، على بُعد خطوات من شارع خيرت، فوجئ بها تتحرك أمامه، فتاة سمراء في عمر الزهور، ترتدي ملابس شعبية، ذات وشم صغير وسط الذقن، لها عينان شقيتان ذكيتان فيهما نظرة صادقة، وفيهما أيضا حزن يحاول أن يتخفى خلف ابتسامة لا تفارق شفتيها، تحمل "مشنة" صغيرة فوق رأسها، بها "فول سوداني" وتمشي بخطوات إيقاعية دون أن تمسك "بالمشنة"، فلا تسقط من فوق رأسها، تتحرك بين مناضد المقهى، تضع يدها في المشنة، لتأخذ بعض حبات "الفول السوداني" وتضعها فوق كل منضدة، ثم تجمع "القروش" التي يجودون بها عليها، وتنصرف إلى مقهى آخر.

وضعت الفتاة "حبات الفول" أمام محمد كمال، وانصرفت إلى منضدة أخرى، فظل يتابعها بعين الفنان، وهي تتنقل بين المناضد، وعندما عادت إليه ناولها ورقة فئة "خمسة قروش":

- لسه على الله يا فندي... ماعنديش فكة.

* لا لا... خليها كلها علشانك.

- الحتة بخمسة كلها علشاني... يا محمدي.

* أيوا خديها كلها.

- إن شاء الله يخليك يا بيه... ربنا يكرمك ويرزقك... ربنا ما يحرمك من صحتك ويباركلك... خد شوية الفول دول كمان.

* بس بس كفاية... اسمعي بس عايز أقولك على حاجة..

- نعم يا بيه تحت أمرك.

* أنت اسمك أيه؟

- خدامتك زكية.

* ما شاء الله... اسم على مسمى.

- يعني أيه يا بيه؟

* لا لا ماتخديش في بالك... اسمعي يا زكية... تحبي تاخدي ورقة بعشرة كمان فوق الورقة أم خمسة؟

- مش فاهمة يا بيه تقصد أيه؟

* يعني أنا ممكن أديلك كمان ورقة بعشرة صاغ فوق الخمسة صاغ دي... بس توافقي على اللي هاطلبه منك.

- لا يا بيه... صحيح أنا غلبانة بس باكلها بشرف... أنا مش بتاعة الحاجات دي.

* لا لا حاجات أيه أنت فهمتي غلط... أنا كل الحكاية أني عاجبني شكلك وهيئتك.

- ماقولنا خد فلوسك يا بيه، إحنا مش بتوع الحاجات دي.

* يا زكية افهميني... أنا رسام... من اللي بيرسموا الناس.

- بتاع تصاوير يعني؟

* أيوا يا ستي بتاع تصاوير... وعاوز أعملك تصويره حلوه كده زي الأصل.

- يا مصيبتي السودة... تصورني أنا يا بيه... ليه؟

* ماتخافيش... أنا هأرسمك لأني شايف فيك جمال رباني... جمال فطرة بنت البلد الجدعة... اللي بتجري على أكل عيشها، ومحافظة على شرفها، ومش هاتحسي بحاجة... مجرد هاتقفي قدامي بس في وضع معين هاقولك عليه، وبعدها هاتاخدي الورقة أم عشرة... وتروحي لأكل عيشك.

- ماشي يا فندي... اتفضل ارسم.

* لا لا مش هنا... أنت عايزة الناس يتلموا علينا، ويبقى منظرنا وحش؟

- أمال فين بس؟

* عندي؟

- في بيتك؟ يا فضيحتي، أخش بيت راجل عازب وغريب كمان؟!

* لا يا ستي ماتخافيش... أنا أولا عايش مع أهلي... بس أنا لي مرسم بأقعد أرسم فيه فوق سطوح البيت... أنت هاتيجي المرسم ساعة بالكتير تترسمي وبعدها تتفضلي من غير مطرود.

نهاية حب

كان من الصعب إقناع "زكية" بالذهاب إلى الحجرة الخاصة بمحمد كمال فوق سطح منزل العائلة، التي أصبحت المرسم الخاص به، حتى إنه كتب على بابها "أتيليه كمال الشناوي".

كان الأصعب بعد موافقة زكية الذهاب معه، هو صعودها إلى الطابق الأعلى من المنزل دون أن يلحظ أي من أهل البيت وجودها، فكل طابق تمر عليه، توجد به واحدة من عماته وأولادها، فصعد بها كأنهما لصان يتخفيان من أصحاب المنزل.

جلست "زكية" كما أراد لها محمد، بدلال يظهر أنوثتها ومفاتنها، وشرع في رسمها بانسجام شديد، حتى قارب على الانتهاء من الرسم، حينما فوجئ بسماع جلبة وضجيج على سلم البيت، وقبل أن يترك محمد فرشاته ليخرج ليتبين سر هذا الضجيج، وجد باب الغرفة قد سقط أمامه على الأرض، وحل محله جده، فأصابته الصدمة بالشلل، لم يعرف كيف يتصرف، وقبل أن يتحرك من مكانه، فوجئ بجده ينهال عليه ضربا ولكما من كل ناحية:

- هي حصلت لحد كده يا مجرم يا عديم الرباية... بيت محمد الشناوي الطاهر يتعمل فيه المسخرة دي... آه يا قليل الأدب يا منحرف!

* مسخرة أيه يا جدي دي موديل برسمها بس مش أكتر... يعني ماحصلش حاجة.

- هو أنا هأستنى لحد مايحصل... احلق شنبي لو فلحت... هو علشان ما سمحنالك تدخل الهبابة دي... تحول البيت كرخانة يا مجرم يا عديم التربية... أنا لازم أخلص عليك وأخلص من عارك يا فاسد.

ما إن انتهى الجد من عقاب الحفيد باليد واللسان، استدار جهة زكية وراح يضربها ويركلها ويصفها بالرخص والتدني، وأنها متمرسة في إفساد أخلاق أولاد الناس، ففرت مسرعة هاربة من الضرب والإهانات، حتى إنها لم تعرف كيف هبطت السلم، قفزا أم عدوا، غير أن الجد راح يلاحقها من شرفة الغرفة، ليفتح كل الجيران شرفاتهم على صوت الجد الجهوري، فيما تحاول المسكينة التسلل هاربة، غير أن أهالي الشارع لم يرحموها حينما شاهدوها تغادر البيت والدموع في عينيها واللعنات تطاردها، لتختفي من الشارع، بل ومن الحي كله، حتى إنها لم تعد تمارس مهنتها في بيع "الفول السوداني" على مقاهي الحي.

تركت واقعة هجوم الجد على غرفة محمد كمال أثرا سيئا في نفسه، حيث كانت المرة الأولى التي تمتد فيها يد جده عليه، فلم يعتد الضرب أو الإهانة، سواء من والده أو جده، كما أن ما حدث لم يكن بينه وبين جده فقط، أو حتى أمام أفراد الأسرة، بل كان أمام الشارع كله، والأهم من ذلك أن تفاصيل ما حدث شاهدت كل تفاصيله ابنة الجيران، الحب العذري، تلك التي كان يمني نفسه بأنها ستكون زوجة المستقبل، غير أنها ما إن شاهدت ما جرى، حتى سارعت بإغلاق باب شرفتها في وجه محمد كمال، ولم تعد تفتحه مرة أخرى، حتى ملّ من الانتظار أياما طويلة، وكان قد تخرج في الكلية، وانتظر أن تصفح عنه أو تكون قد نسيت ما جرى، لكن دون جدوى، فقرر محمد كمال غلق غرفة السطح إلى الأبد، وعدم الصعود إليها مرة أخرى، بل وقرر أن يتخذ له مرسما بعيدا عن أعين الأسرة، لا يراه فيه أحد، أو يراقب تحركاته وموديلاته.

البقية الحلقة المقبلة

مرسم كمال الشناوي

بعد واقعة الموديل "زينب" كانت كل "الموديلات" اللاتي يأتين إلى كلية التربية الفنية، بالنسبة لمحمد كمال، مجرد موديل للرسم، يتعامل معهن بلا إحساس أو مشاعر إنسانية، حتى أصبح أفضل من يقوم برسم موديل، بين كل أقرانه في الكلية، وحينما أوشك على التخرج، أصبح الموديل بالنسبة إليه، كل من يراه أمامه، ففضلا عن "صاحبة الشرفة" الموديل الأول له، والحب الصامت، وزوجة المستقبل، كما يمني نفسه، أصبحت الموديلات كل من يلتقي به، في البيت، في الشارع، في المقهى، يمارس هوايته على كل من تقع عليه عيناه، حيث يحمل طبيعة ثائرة كفنان، يميل إلى التطور والخروج عن المألوف، في خطوطه وألونه، يرى أن الفنان لابد أن يختلف عن كاميرا التصوير، يجب ألا ينقل الواقع كما هو بكل تفاصيله، بل يجب أن يضع فيه رؤيته وإحساسه، وهو ما يراه أساتذة الكلية تفكيرا خطرا، ولابد للطالب أن يتبع القواعد الكلاسيكية التي يدرسها ويتعلمها من خلالهم، فإذا شاء التغيير والتطوير، فليكن بعد تخرجه، وهو ما حاول محمد أن يقاومه، ويقوم بذلك بعيدا عن الكلية، فقرر أن يكون له مرسمه الخاص فوق سطح بيت العائلة ليمارس فيه فنه كما يروق له.