خطط الإصلاح الخليجية... تعهدات بلا مسؤولية

● مبالغة في الرهان على الإنفاق الحكومي وتصاعد التوجه نحو الاستدانة
● دول الخليج احتاجت إلى عامين لتستوعب أن الإصلاح الاقتصادي يتعدى بمراحل مجرد رفع الدعوم

نشر في 09-06-2016
آخر تحديث 09-06-2016 | 00:08
No Image Caption
الفوائض المالية الاستثنائية التي تمتعت بها، على الأقل 4 من 6 دول في مجلس التعاون الخليجي نحو 15 عاماً، لم تنعكس إيجاباً على اقتصادات هذه الدول، التي بدت منكشفة بأسرع مما هو متوقع أمام تراجع أسعار النفط.
شهد الأسبوع الجاري تحركات لافتة على صعيد خطط الإصلاح الاقتصادي في منطقة الخليج، إذ اعتمدت السعودية فيه برنامج التحول الوطني 2020، الذي يفترض أن يعمل على تنفيذ رؤية «السعودية 2030»، وفي الأسبوع نفسه كلف مجلس الوزراء في الكويت وزير المالية تقديم عرض تفصيلي شامل بشأن متابعة تنفيذ وثيقة الإجراءات الداعمة لمسار الإصلاح المالي والاقتصادي.

ومن بين 6 دول خليجية، نجد أن 3 منها، هي: الكويت والسعودية، وبدرجة أقل الإمارات، أعلنت عن خطط إصلاح اقتصادي في مواجهة التراجع القوي في أسعار النفط، الذي أثر سلباً في نحو 60 في المئة من العوائد المالية، وبالتالي لعب دوراً في خفض التصنيف الائتماني، أو تغليب النظرة السلبية على الاقتصادات الخليجية، فضلاً عن أن هذا التراجع في أسعار النفط كان بمنزلة جرس الإنذار لخطورة الاستمرار في السياسات المالية والاقتصادية الحالية على المديين المتوسط والطويل.

الإصلاح والدعم

وقد احتاجت دول الخليج إلى نحو عامين منذ بداية تراجع أسعار النفط في يونيو 2014، لتستوعب أن مسألة الإصلاح الاقتصادي تتعدى بمراحل عملية رفع الدعم عن المحروقات أو السلع والخدمات، وأن المطلوب هو تغيير هيكل الاقتصاد، من حيث الإيرادات غير النفطية وفرص العمل وكيفية التعاطي مع القطاع الخاص، ونسبته في الناتج المحلي الإجمالي وتنمية الاستثمارات المحلية والأجنبية.

ولعل الإجراءات التي اتخذتها دول خليجية عديدة، كرفع أسعار المحروقات، لم تلعب دوراً في إعادة تمويل الميزانية، ولا حتى الناتج المحلي، إذ إنها لم تتجاوز 0.5 في المئة من هذا الناتج، في حين يصل العجز المتوقع في 2016 إلى نحو 12.4 في المئة منه، ولا دور ينعكس على التصنيف الائتماني إيجاباً، لأن المطلوب هنا ليس عملية إعادة تسعير خدمات وسلع، بل خلق اقتصادات توفر إيرادات موازية لإيرادات النفط، إذ تشكل عائدات النفط لدول مجلس التعاون 49 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي، وتصل بالكويت إلى 60 في المئة، فيما تشكل الإيرادات نفسها ما بين 80 و93 في المئة من إجمالي تمويلات الموازنات الخليجية.

تعهد والتزام

ورغم أن خطط الإصلاح الاقتصادي الخليجية تجاوزت في نصوصها مسائل التركيز على الدعوم، كحلول أساسية للاقتصاد، فإنها لا تزال تحت ضغط مجموعة من الملاحظات، ككونها تعهدات بلا التزام من المتعهدين، إذ إن دول الخليج، بشكل عام، تخلو من عملية محاسبة المسؤول المقصِّر، حتى في دولة كالكويت تعد احتمالات المحاسبة فيها أكثر من غيرها في الإقليم، لأسباب مؤسساتية، فلا تزال الإدارة التي فشلت في تنفيذ خطة التنمية، هي ذاتها التي تعلن عن خطة الإصلاح الاقتصادي والمالي بنفس الآلية والأسلوب، وتتبنى رؤية «الكويت 2030»، ما يقلل من فرص التفاؤل بنجاح هذه المشاريع لدولة مثل الكويت، فيها بعض آليات المحاسبة، فكيف بغيرها؟

برامج زمنية

وحتى الرهان على عام 2030 في خطط الإصلاح الخليجية يمكن اعتباره شراء للوقت، ما لم يواكبه برنامج زمني فصلي وسنوي يبيِّن نسب التنفيذ الخاصة بتحقيق هذه الرؤى أو الخطط الخليجية، إذ إن معايير النجاح والفشل لا تتضح عند الوصول إلى عام 2030، بل من خلال البيانات المقارنة ما بين أداء عامي 2017 و2018 مثلاً، لمعرفة مدى اتساق التنفيذ مع الخطط المعلنة.

لا شك أن الفوائض المالية الاستثنائية التي تمتعت فيها على الأقل 4 من 6 دول في مجلس التعاون الخليجي لنحو 15 عاماً لم تنعكس إيجاباً على اقتصادات هذه الدول، التي بدت منكشفة بأسرع مما هو متوقع أمام تراجع أسعار النفط. صحيح إن هذه الفوائض دعمت من سيولة واستثمارات الصناديق السيادية لهذه الدول، وباتت موجودة بقوة بمئات المليارات من الدولارات في صفقات واستحواذات متنوعة القطاعات، لكنها لم تنعكس داخلياً في بناء اقتصادات متنوعة في مصادر الدخل والقاعدة الاقتصادية أو توفير فرص عمل، ولعل دور «خطط ورؤى» الإصلاح الخليجية أن تعالج هذا الخلل، فالاستدامة هي الأولى لمعالجة اختلالات الاقتصاد مهما كانت قوة وجودة الاستثمارات الخارجية.

رهان على الإنفاق

خطط الإصلاح الخليجية المعلنة كلها تراهن على الإنفاق الحكومي العالي لتحفيز الاقتصاد، حتى مع فترات العجز المالي، وهو أمر قد يكون ناجحاً لو اتسق مع نتائج تتعلق بتغيير بنية الاقتصاد في الخليج، خصوصاً أن الإنفاق الحكومي على المشاريع في الخليج خلال 10 سنوات (2005 - 2015) بلغ 900 مليار دولار، حازت السعودية والإمارات 55 في المئة منها.

هذا الإنفاق الحكومي الخليجي العالي على المشاريع يصبح بلا فائدة، ما لم تواكبه نتائج تنعكس على إيرادات الميزانية الخاصة بهذا الإنفاق، فضلاً عن فرص العمل التي يتوقع توفيرها، إلى جانب رفع نسب القطاعات غير النفطية من الناتج المحلي الإجمالي.

تنامت ظاهرة توجه دول الخليج نحو الاستدانة خلال الأشهر القليلة الماضية، إذ أصدرت الإمارات والسعودية سندات قيمتها 5 مليارات دولار لكل منها، في حين تسعى الكويت وقطر إلى إصدار سندات بنفس المبلغ، ولعل التوجه إلى سوق الديون يعد على المدى القصير خياراً معقولاً لتمويل العجز في موازنات دول المنطقة، خصوصاً في ظل ارتفاع التصنيف الائتماني، رغم «الخفض والنظرة السلبية»، إلا أنه على المدى الطويل لا يمكن اعتباره حلاً للأزمة، إذ إن المبالغة في الاستدانة تؤثر سلباً في التصنيف الائتماني للدولة، وكلما انخفض هذا التصنيف كان اللجوء إلى سوق السندات والاقتراض خياراً أصعب من السابق.

خطط الإصلاح الخليجية ورؤاها فرصة مفترضة لتعديل هياكل الاقتصاد الخليجي التي لم تستفد دولة - وإن كان الأمر بدرجات متفاوتة - من فوائض 15 عاماً من سنوات رواج النفط في بناء اقتصادات متنوعة المصادر المالية وذات كفاءة في سوق العمل والعمالة، إذ سرعان ما انكشفت دول الإقليم في أول وثاني سنة من تراجع أسعار النفط، لتجد نفسها أمام تحديات العجز وخفض التصنيف والنظرة السلبية، ما يستوجب التنفيذ بشكل مغاير عن كل آليات وعقليات تنفيذ السنوات السابقة.

الاستدامة هي الأولى لمعالجة اختلالات الاقتصاد مهما كانت قوة وجودة الاستثمارات الخارجية
back to top