المفكر والعالم مصطفى محمود الذي تُوفي عن 88 عاماً، في 31 أكتوبر 2009، تزوج في سن متأخرة من حياته، وأنجب ابنته «أمل» التي تخرجت في كلية الآداب قسم اللغة الفرنسية بجامعة القاهرة، وهي الآن مسؤولة الإعلام بمسجد وجمعية مصطفى محمود، و«أدهم» الذي تخرج في كلية التجارة ويعمل خارج مصر.

تقول أمل: الأب هو الأمان والقدوة والاحتواء، وكان يملأ دنياي، فكان لي الأب الحنون، والصديق الحكيم، والابن المدلل، فهو صورة جميلة للأب، وكانت بيننا صداقة قوية، وكلما مرت الأيام تأكدت أنه إنسان من الصعب أن يتكرر، فقد كان يسعد بمساعدة الناس.

Ad

تتابع: كان يسعد جدا باللعب معنا ونحن صغار، وعندما ننجح في صناعة الطائرات الورقية، يصفق لنا ويقبلنا وينثر القفشات، ووقت اللعب يتحول إلى طفل في مثل عمرنا، وحينما تزوجت وأنجبت أولادي محمود وأحمد كان يلعب معهما.

تضيف: كان الوالد يعطينا مساحة حرية في الاختيار في أمور كثيرة، فلم يرفض لنا طلبا خاصة في التعليم، لكن كان يعرض رأيه فيقول: «أنا بحكم خبرتي أرى كذا». أو «لو فعلت كذا سينتج عنه كذا، لكن لو أنت مصرة خوضي التجربة، فالإنسان يتعلم من أخطائه».

وأتذكر عندما اصطحبني في أول يوم للمدرسة وأنا أجلس بجواره في السيارة أنظر له طول الطريق وهو يشرح لي كيف سأتعلم وألهو مع زملائي، وحينما وصلنا المدرسة أدخلوني غرفة الموسيقى حيث الأطفال يغنون، وأنا أنظر لأبي أراقبه، وتصدر المعلمة إشارة لأبي معناها أن يتركني ويرحل، وبدأ يتجه نحو الباب وأنا أنادي عليه وأبكي وأستحلفه ألا يتركني، لكن هيهات، فقد بدأت رحلة الكفاح والاستيقاظ المبكر والتحصيل، وعندما بلغ عمري خمس سنوات تعلمت الصلاة في المدرسة وبدأ أبي تدريبي على الصلاة، فبدأت أصلي خلفه، أقلده في الركوع والسجود، وكما اهتم أبي بتنشئتي الدينية اهتم أيضا بالناحيتين الثقافية والفنية، فكان يصطحبنا لزيارة المتاحف ومشاهدة العروض المسرحية والحفلات الموسيقية في الأوبرا والباليه الروسي والمصري والمعارض الفنية.

تواصل: كنت أشعر بالضيق عند عقد المقارنات بيني وبين والدي، فقد كنت ضعيفة في مادة العلوم، فتسألني مُعلمة المادة في تعجب ودهشة كيف تكونين ضعيفة في هذه المادة ووالدك يشرحها ويبسطها ليفهمها العوام، والمفترض أن تكوني أشطر من أي معلم متخصص!

وتقول: أنا دائما فخورة أنني ابنة مصطفى محمود وكانت أكثر المرات التي أشعر فيها بالفخر حينما كان يصطحبنا إلى معرض الكتاب، فيلتف حوله جمهور المعجبات والمعجبين وتنهال عليه الأسئلة والاستفسارات من كل فئات المجتمع شبابا وطلابا وعلماء متخصصين.

وتختتم بقولها: تعلمت من والدي أن الإنسان يجب أن يكون شاملاً في فكره ومطالعاته وهواياته ولا يحصر نفسه في اتجاه، وتعلمت منه التعددية حتى في المعارف والأصدقاء، وكان ينصحنا بالعلم والزهد والبساطة ومساعدة الغير والتسامح.