لم أكن من مؤيدي ما أطلق عليه في الكويت بـ "الحراك"، وإن كنت مع العناوين الرئيسية التي تبنتها من ضرورة الإصلاح ومحاربة تفشي الفساد ومنع تخريب الحياة البرلمانية في الكويت، لكن معظم من رفع هذه الشعارات كان جزءاً من عملية التخريب تلك في مرحلة من مراحل التدمير والفساد التي شهدتها البلاد، كما سادت تلك الحركة نزعات طائفية وقبلية ومصلحية، وركب هذه الموجة الكثير من أصحاب المصالح والأطراف المتنازعة على السلطة والحكم، لتحييد طرف منافس أو ليرتقوا على سلم السلطة.

حركة حدس (الإخوان المسلمون - الكويت) كانت دينامو ذلك الحراك ومحركه بوجوه مكشوفة على المسرح، مثل أعضائها في البرلمان ومكتبها السياسي ودعاتها مثل د. طارق السويدان، وأخرى خفية كانت في عدة تجمعات أنشئت، مثل حشد وأتباعها، والتي أسسها كوادر الإخوان من اتحاد الطلبة "الائتلافية"، واستغلوا كالعادة المكون القبلي من شباب ليكونوا في الواجهة في التحرك في الساحات والشوارع، وكانت هناك همة ودفع "إخواني"، خاصة أنه في تلك الفترة 2010-2013 نجحت تلك التكتيكات في استيلاء الإخوان المسلمين على السلطة في تونس ومصر، وكانوا قريبين من ذلك في اليمن وليبيا، إضافة إلى قوة الدفع المعنوية الكبيرة لهم من تركيا.

Ad

المهم أن تلك المرحلة مرت، وأقر رئيس المكتب السياسي لإخوان الكويت النائب السابق محمد الدلال أنها شهدت أخطاء كثيرة، وعندما يعترف السيد الدلال، وهو أحد قادة ومحركي "الحراك"، بأن هناك أخطاء فلابد أن يكون لها ثمن، وجردة الثمن: هي التردي الهائل في العمل البرلماني، وسيطرة قوى النفوذ والمصالح على البرلمان بشكل كامل، بعد أن كانت سيطرتهم بشكل نسبي وقت إطلاق "الإخوان" الحراك، وتحول مجلس الأمة إلى ما يشبه المجلس الاستشاري، كما حرقت ورقة "الشارع الكويتي" بعد أن استخدمت في توقيت خاطئ ودون إجماع شعبي كامل وبنكهة مناطقية ومذهبية وقبلية، ما جعل السلطة تطوي صفحة أي خشية لها من أي تحرك شعبي مستقبلي ضد ممارساتها أو عند تفردها بالقرار وفرضه على الأمة بالقوة، علماً بأن مرسوم الصوت الواحد كان يمكن إسقاطه في البرلمان، والتراجع المريع في الحريات بالكويت.

والثمن الأعظم كان بالطبع هو حرية الشباب والرجال الذين خسروا حريتهم، ودخلوا السجون، أو فقدوا امتيازات ووظائف، فيما اعتبروه نضالاً وطنياً وفقاً لمعتقداتهم وتوجيهات وخطابات قادة الحراك الذين كان منهم محمد الدلال ورفاقه في الحركة وآخرون من تيارات من بينها تنظيمات مدنية وشعبية.

اليوم "إخوان الكويت" يقررون العودة إلى مجلس الأمة عبر الانتخابات البرلمانية المقبلة، وهو قرار مطلوب لإنقاذ ما يمكن إنقاذه من مجلس الأمة والممارسة البرلمانية، ولكن أليس من أخلاقيات العمل البرلماني أو حتى الضمير الإنساني والمهني أن يبتعد مؤقتاً أو دائماً من كان وجهاً من وجوه تلك المرحلة إلا إذا حقق وعده بإسقاط مرسوم الصوت الواحد؟ أليس من الجارح للضمير أن يتصدر الصور السيد محمد الدلال في لقاء "حدس" مع سمو أمير البلاد، وهو يتوشح "البشت"، بينما هناك من يلبس بدلة السجن بسبب الأخطاء التي وقعت في الحراك، واعترف بها رمزها "الدلال"؟