وضع سيد قطب تفسيره بعنوان "في ظلال القرآن"، ولم يفكر في كتاب مماثل، مهما كان حجمه، في الحديث والسنّة، أو كتاب ثالث في الفقه الإسلامي، بعنوان "في ظلال كتب الصحاح" مثلاً أو "في ظلال المذاهب والاجتهادات الإسلامية".

والسبب لا يتعلق بضخامة حجم الأحاديث في كتب الصحاح وكتب السنة الأخرى، بل بسبب التفاصيل والقضايا التي كانت هذه النصوص والاجتهادات ستجره إليها، والتي "لا تحمد عقباها"، داخل الصف الإسلامي نفسه! ومن مآخذ نقاد "الظلال" على سيد قطب، يقول د. صلاح الخالدي في "النقطة الرابعة" من ملاحظات الإسلاميين: "عدم إيراده لبعض الروايات المأثورة أحياناً، عندما يفسر آية، ورد في تفسيرها بعض الروايات أو الأحاديث، وذلك على الرغم من أنه كان يرجع بصورة أساسية إلى تفسير ابن كثير، وابن كثير خصص تفسيره للروايات والأحاديث، وإغفاله للحديث الصحيح الذي رواه البخاري عن معنى الكشف عن الساق، في قوله تعالى "يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ سَاقٍ" القلم: 42".

Ad

• الأحاديث الضعيفة:

المأخذ الخامس، يقول د. الخالدي، نظرة سيد قطب في الروايات التي تتحدث عن سبب نزول الآيات، "وبيان ما فيها من تعارض، ثم ترجيح رواية على أخرى"، ويقول د. الخالدي إن سيد قطب ربما كان في ترجيحه هذا "مرجحاً الرواية التي في غير الصحيحين على الرواية الأخرى التي في الصحيحين"، وكذا في مسألة انشقاق القمر وسبب الانشقاق، "بل رفضه له كما يوحي بذلك كلامه، مع أنه ورد في الروايات الصحيحة".

المأخذ السادس: استشهاد قطب بأحاديث ضعيفة أحياناً، ربما بسبب عدم توافر المراجع في السجن، وبهذه المناسبة، يقول د. الخالدي، "نتمنى لو يقبل أحد المشتغلين بالحديث وتخريجه على الظلال ليخرج الأحاديث الواردة فيه".

المأخذ السابع: "تخريجه الحديث أحياناً من غير الكتب المعتمدة في الحديث، ومن غير كتب الصحاح والسنن، وإنما من كتب التفسير".

المأخذ الثامن: عدم اتباعه طريقة موحدة في تسجيل دلالات الدرس وحقائقه وإيحاءاته، وعدم اتباعه طريقة موحدة في تفسير الآية.

التاسع: عدم اتباعه طريقة موحدة في تفسير غريب القرآن.

العاشر: ملاحظة أسلوبية في الكتابة.

الحادي عشر: فهمه وتفسيره للآيات المتعلقة بعبادة النبي إبراهيم، ونظره إلى الكواكب وقوله عن كل منها "هذا ربي".

ويقول د. الخالدي إن النقاد اعتبروا أن حديث سيد قطب عن هذه التجربة لا يتفق مع عصمة الأنبياء. "فالرأي الراجح بشأن العصمة أن الأنبياء معصومون عن الصغائر والكبائر والشرك قبل النبوة وبعدها. أما عصمة الأنبياء من الشرك بالله والكفر به، قبل النبوة وبعدها، فإن أهل السنّة مجمعون عليها".

ويضيف: "فإذا أجزنا أن يكون إبراهيم عليه السلام قد قال عن الكوكب "هذا ربي" اعتقاداً منه بذلك أو ظنا منه احتمال كونه إلهاً- كما ذهب سيد إلى ذلك- فإن معنى هذا أن يكون شاكاً بالله- سبحانه- فترة قصيرة جداً من حياته، أو مشركاً بالله سبحانه، لحظة سريعة من حياته... ووقوع الشك أو الشرك منه ينقض عصمته ولو كان ذلك لحظة سريعة!!

إذاً لماذا قال إبراهيم عليه السلام عن كل من الكواكب الثلاثة هذا ربي؟ نقول إن قوله ليس من باب الاعتقاد بربوبية كل منها، وإنما من باب "المنطق الجدلي البرهاني" الذي استخدمه في نقاشه مع قومه المشركين العابدين لتلك الكواكب وجداله لهم بمختلف الأساليب، ومنها أسلوب استخدام "وسائل الإيضاح" للتدليل على بطلان عقيدتهم".

• اليهود قردة... نفسياً!

الثاني عشر: اختيار سيد قطب بأن "المسخ" الذي أوقعه الله على طائفة من بني إسرائيل فمُسخوا قردة وخنازير "كان مسخاً معنوياً نفسيا وليس مسخاً جسمياً". ويقول قطب: "ليس من الضروري أن يستحيلوا قردة بأجسامهم، فقد استحالوا إليها بأرواحهم وأفكارهم... وانطباعات الشعور والتفكير تعكس على الوجوه والملامح سمات تؤثر في السحنة وتلقي ظلها العميق".

غير أن سيد قطب غير رأيه في مسألة تحول بعض اليهود إلى قردة، فيقول د. الخالدي عن سيد قطب: "ويبدو أنه تراجع عن هذا الاختيار في تفسير أصحاب السبت" في سورة الأعراف، حيث أخبر القرآن أن الله قال لأصحاب السبت المعتدين "كونوا قردة خاسئين". الأعراف 4"

المأخذ الثالث عشر: تردد سيد قطب في قضية "وفاة" السيد المسيح "عيسى بن مريم"، وهل مات قبل أن يرفع إلى السماء، أم رفع بروحه وجسده؟

• وفاة السيد المسيح:

ويقول د. الخالدي عن رؤية سيد قطب للأمر: "الأمر الذي جزم به سيد أن الله قد حال بين اليهود وبين ما أرادوه من صلب عيسى- عليه السلام- وقتله، وحماه من ذلك الكيد والمكر اليهودي اللعين، وهو يجزم بذلك لأن القرآن صريح في عصمة الله لعيسى عليه السلام من كيد اليهود ومكرهم، ونفيه الصريح أن يكونوا قد قتلوه أو صلبوه، وتقريره أنهم صلبوا شبهه، كما في قوله تعالى: "وما قتلوه وما صلبوه ولكن شبه لهم...". وفي ذلك يقول سيد: "وهم ما قتلوه وما صلبوه، وإنما وقع القتل والصلب على من شبه لهم سواه".

أما ماذا جرى بعد أن أنجى الله عيسى عليه السلام من مؤامرة اليهود؟ هل رفعه الله مباشرة إلى السماء بروحه وجسده؟ أم مات موتاً طبيعياً بعد ذلك وصعدت روحه إلى السماء؟ تردد سيد في ذلك، وإن كان يميل إلى الرأي الثاني، بل قد صرح بذلك!!"

بينما في تفسير سورة النساء مال إلى أن عيسى توفي قبل أن يرفعه الله إليه، ويفهم من كلامه ترجيحه أنه مع ذلك الرأي، ففي تفسير قوله تعالى: "وما قتلوه يقيناً، بل رفعه الله إليه...". يقول: "ولا يدلي القرآن بتفصيل في هذا الرفع أكان بالجسد والروح في حالة الحياة؟ أم كان بالروح بعد الوفاة؟ ومتى كانت هذه الوفاة؟ وأين...". ثم يقول سيد قطب: "... ونحن- على طريقتنا في ظلال القرآن- لا نريد أن نخرج عن تلك الظلال، ولا أن نضرب في أقاويل وأساطير، ليس لدينا من دليل عليها، وليس لنا إليها سبيل".