حين تكون رسالة الإعلامي واضحة فهو، بدون أدنى شك، يكسب احترام الجميع، حتى إن كانت الإثارة أو المواد التافهة رسالته، على الأقل يُحترم لوضوحه منذ البداية، وتبقى مسألة متابعته راجعة للجمهور، الذي ليس لأي شخص أن يمارس حق الوصاية عليه.

ولكني أجد في الإعلامي الملتوي في تقديم رسائل متعددة مختلطة شخصاً لا يستحق أن يحظى بالاحترام، ومثال ذلك الشاب الإعلامي الذي حرص على أن يخلق إثارة لقضايا إنسانية، ويسافر للمساكين واللاجئين أينما كانوا، ورغم أنها على حساب الجمعيات الخيرية فإننا توسمنا فيه خيرا إلى أن وقع في فخ الإثارة والمواد الرخيصة، ورغم ذلك يحاول أن يتذاكى على الجمهور بآخر برنامج له بتقديم جملة باللغة العربية توحي بكثير من الجدية، وهو ما لا يتفق مع ما قدمه مسبقا.

Ad

هذا الشخص حققت برامجه مشاهدة عالية بعدما استخدم الإثارة في أقبح طريقة، لكنه لم يحترم فيها أبسط شيء وهو الإنسان الماثل أمامه كضيف، فيتعدى على خصوصيته ويعرض فضائحه أمام الجمهور، ومحرجا الضيف الذي يبدي اعتذاره بجعله عرضة للشك والنميمة من أناس لا يرحمون ولا يحسنون الظن.

يستخدم قبل حلقته أسئلة مثيرة حتى يظل الجمهور معلقا منتظرا إجابة الضيف الذي بدون شك تعرض للكثير من الإهانة لدى حضوره هذا البرنامج.

فإن كان خط هذا الإعلامي الإثارة الرخيصة وكفى فسنلوم الضيف وحده على تلبية الدعوة، ولكن حين يحاول جاهدا أن يجعل من نفسه مناصرا لحقوق المساكين والمهملين، فهو بذلك يعطي الجمهور رسالة مضللة وغير واضحة عن خطه الإعلامي.

فإن تمكن من أن يضللنا لفترة وجيزة، فقد أثبت للناس على الملأ اليوم أن رسالته ليست التوعية كما يدّعي دوما بعد كل حلقة، لكنها مع الأسف إثارة رخيصة وفيها تحقير مخيف للآخر، وضيوف مدّعي الإنسانية ليسوا من المسحوقين أو المنسيين أو اللاجئين أو المساكين الذين استخدمهم في بداية مشواره ليحوز إعجاب الناس، بل هم المشاهير و"الفاشينيستات" والإعلاميات، لا سيما الجميلات اللاتي يطربن لعبارات الغزل. لست أعترض على ذلك لكني أعترض على تجريحه مع سبق الإصرار لكثير من ضيوفه المثيرين للجدل الذين يتفنن في إهانتهم، والغور في خصوصياتهم وسؤالهم بشكل محرج عن أمور شخصية لن تفيد البشرية سوى بمزيد من التفاهة ومزيد من الثرثرة حول شرف فلان وعلان.

الإعلامي إما صاحب رسالة سامية أو صاحب إثارة، لكن القفز بين الاثنين هو، بدون شك، مثل الذي أضاع نفسه ولم يعد يعرف إلى أي درب ينتمي، فهوس الشهرة وتحقيق أكبر نسبة مشاهدة بالإضافة للإعلانات التي تتخلل البرنامج بشكل كبير والسعي وراء الماديات دون احترام إنسانية ضيوفك جعلتك تفقد إنسانيتك التي اعتقدنا أنك تمتلك بعضها، ومع الأسف خسرتها فقط لتحقيق شهرة لا تستحقها، بدون أدنى شك، ككثير من المشاهير، وهذا هو عصر انتشار الإسفاف مما جعله هو وغيره يبيعون قضيتهم الأساسية وهي الإنسانية، هذا إن كانوا أصلا يؤمنون بها ولا يدعونها ككثيرين مع كل أسف.

الرحمة بالآخر واحترامه كيفما كان شكله أو مذهبه أو هويته أو اعتقاده أو دينه أو لونه هي أبسط معاني الإنسانية، ومن لا يمتلكها لا يجدر به أن ينادي الناس بأن يتبرعوا ويشعروا بالآخر؛ لأنه من باب أولى كان أجدى به أن يشعر هو بها.

بات ادعاء الرحمة أسهل من تطبيقها، ودعوة الناس للمحبة أسهل من الشعور بها، ومن هنا أقول إني أشعر بالأسف على الأشخاص الذين كانوا يملكون بذرة خير لكنهم خسروها طمعا بالشهرة والمال.