الفنانة الكبيرة مريم الصالح تمتلك تاريخا فنيا كبيرا حافلا بالعطاءات والإنجازات منذ أن بدأت مشوارها الفني مع بداية فترة الستينيات من القرن الماضي، وكانت قبلها تمارس فن التمثيل كهواية من خلال النشاط المدرسي في المرحلة الابتدائية، مع مسرحية «ملح الطعام».

وتعد أول فتاة تدخل مجال التمثيل، وهو الأمر الذي جعلها رائدة فن التمثيل بالكويت والخليج، فسبقت جميع الأسماء النسوية في هذا المجال، وكانت أول فتاة تعتلي خشبة المسرح، كما أنها أول من أخذ بيد الفنانة الكبيرة الراحلة مريم الغضبان لتدخل مجال التمثيل معها، من خلال مسرحية «صقر قريش» التي قدمت باللغة العربية الفصحى عام 1962، وبذلك تعدان أول فتاتين تعتليان خشبة المسرح، وإن كانت الصالح هي السباقة في الدخول إلى هذا المجال، في ظل ظروف اجتماعية وعادات وتقاليد قاسية في ذلك الوقت، كانت تمنع الفتاة الكويتية من مجرد التفكير في العمل في التمثيل.

Ad

ولهذا التعاون بين الصالح والغضبان قصة تحكيها الفنانة الكبيرة مريم الصالح «أم نواف» خلال هذه الحلقة الأولى من حوارنا معها، إضافة إلى الحديث عن سر ابتعادها عن خشبة المسرح منذ أن قدمت آخر مسرحيتين لها، وهما «سيف العرب»

• نود في البداية أن نتعرف على مدى حبك لفن التمثيل منذ الصغر؟

- بدأ حبي للفن منذ أن كنت طالبة في المرحلة الابتدائية، عندما مثلت في مسرحية بعنوان «ملح الطعام»، وهي مسرحية مأخوذة من كتاب القراءة الذي كنا ندرسه، وكنت قد تشربت حب التمثيل عن طريق أفلام السينما المصرية التي كنا نشاهدها في ذلك الوقت، مثل «عنتر وعبلة»، وكنت أحاول تقليد هؤلاء الفنانين عبر مشاهدهم وأدوارهم الفنية.

صعوبة كبيرة

• كيف كانت عائلتك تقبل دخولك مجال الفن في ذلك الوقت؟

- وجدت صعوبة كبيرة من الأهل في تقبلهم فكرة دخولي المجال الفني، بسبب العادات والتقاليد التي كانت صعبة وقاسية خلال تلك الفترة، لدرجة أنني لم أكن أجرؤ على القول إنني أريد أن أصبح ممثلة.

وكنت أستعيض عن ذلك عندما يسألونني ماذا أريد أن أصبح عندما أكبر، بالقول: «أريد أن أصبح محامية أو مدرسة»، لكن في قرارة نفسي كنت أحلم بأن أكون ممثلة، لكن الخوف كان يمنعني من البوح بهذا الحلم، سواء أمام أهلي وعائلتي أو أمام مدرساتي أو حتى أمام زميلاتي، خاصة أنني كان لي عم صعب جدا، وكان يعارض دخولي مجال الفن بشدة، كما أنه هددني بالقتل ذات مرة.

• كيف جاء اشتراك الفنانة الكبيرة الراحلة مريم الغضبان إلى مسرحية «صقر قريش»؟

- كان فريق العمل يبحث عن ممثلة بدينة، وكنت وقتها أفكر في اثنتين من الممرضات في المستوصف الذي كان في منطقتنا، وهما شقيقتان «فاطمة وعائشة»، وتحدثت معهما بشأن المسرحية خاصة «عائشة» التي كانت بدينة، فقالت وقتها إنها تخجل من التمثيل لكنها تعرف فتاة أخرى تحب الفن وتمثل منذ أيام المدرسة، وذهبنا إليها كمجموعة فنانين والرواد، أتذكر منهم عبدالله خريبط ونجم عبدالكريم.

وكانت هذه الفتاة الفنانة الكبيرة الراحلة مريم الغضبان، ووافقت على العمل معنا، لكنها اشترطت موافقة والدها لتلتحق معنا بفريق العمل، وبالفعل استأذنا من والدها ووافق، ومن يومها التحقت بفريق العمل، وكانت بذلك أول فتاة كويتية تقف معي فوق خشبة المسرح، وأصبحت زميلتي وصديقتي وأختي ورفيقة دربي، ولا يمر يوم إلا وهناك مقابلة أو اتصال تلفوني بيننا، ولم تكن هناك أسرار بيننا.

أما مسرحية «صقر قريش» فقد قدمناها باللغة العربية الفصحى عام 1962، وهي من تأليف الكاتب المصري محمود تيمور، وإخراج الفنان الكبير زكي طليمات، ومن بطولة الفنانين عبدالحسين عبدالرضا وسعد الفرج وخالد النفيسي وغانم الصالح، وكانت تعد أول عمل فني يضم عناصر نسائية في الكويت.

أول عرض

• ومتى قدمتم أعمالا فنية باللهجة الكويتية؟

- حدث ذلك عندما التحقنا بفرقة المسرح الشعبي، وقدمنا وقتها المسرحية الاجتماعية الكوميدية «سكانة مرته»، وهي أول عرض مسرحي تقدمه الفرقة من تأليف حسين الصالح، وكتب حوارها وأخرجها عبدالرحمن الضويحي، ومساعد المخرج الفنان عبدالله خريبط، وقام بتصميم الأزياء لهذا العمل الفنان الكبير جاسم النبهان، وتم تقديمها 29 يوما، وكان ذلك عام 1964، وهي من بطولة الفنانين عبدالعزيز المسعود وإبراهيم الصلال وعبدالعزيز النمش ومريم الغضبان وطيبة الفرج.

وتعد المسرحية من أشهر المسرحيات الكويتية التي صورت حياة الزوج ضعيف الشخصية أمام زوجته، وجسد هذه الشخصية الفنان عبدالعزيز المسعود، وقامت بدور الزوجة المتسلطة الفنانة الراحلة مريم الغضبان.

كما لا أنسى مسرحية «ضاع الديك»، تأليف عبدالعزيز السريع وإخراج صقر الرشود، والتي تعاونت فيها مع فرقة مسرح الخليج رغم أنني لم أكن عضوة في هذه الفرقة، لأنني من المؤسسين لفرقتي المسرح العربي والشعبي، ورغم ذلك كنا نتعاون كفنانين مع بعضنا البعض بكل حب.

وكانت هذه المسرحية تعالج موضوعات هامة جدا، خاصة فيما يتعلق بالمقارنة بيننا كعرب وبين الغرب، وما تحمله كل حضارة من قيم وعادات وتقاليد مختلفة، وهذه المسرحية الأخيرة كانت بمنزلة نقلة نوعية لفرقة مسرح الخليج، حيث استقطبت الكثير من الحضور الجماهيري، رغم أن الفرقة كانت تعرف في ذلك الوقت بـ»مسرح المعقدين»، لأنها كانت تقدم الأعمال المسرحية الجادة وكان جمهورها من النخبة فقط، فجاء هذا العرض وذهب في اتجاه مغاير تماما لما تقدمه الفرقة من قبل، وقد قدمناها خارج الكويت من خلال جولة خليجية وعربية خاصة في البحرين والإمارات ولبنان.

دور مكتوب

• هل صحيح أن دور الفنانة الكبيرة الراحلة عائشة إبراهيم في مسرحية «محطة بوحمدون» كان لك في الأساس؟

- نعم الدور كان مكتوبا لي بالأساس، لكن بعد زواجي من الفنان الراحل حسين الصالح رفض اشتراكي في العمل بسبب تأخر فرقة مسرح الخليج في البروفات حتى ساعات متأخرة من الليل، ووقتها حاول الكاتب عبدالعزيز السريع والمخرج صقر الرشود إقناعه بعملي معهم، لكنه رفض بشدة حتى أهتم بشؤون البيت أكثر.

• هل تتذكرين أول مسلسل تلفزيوني شاركت فيه؟

- نعم كان ذلك من خلال أول تمثيلية يتم تسجيلها وتذاع عبر شاشة التلفزيون الكويتي بعنوان «إذا فات الفوت ماينفع الصوت»، تأليف عبدالرحمن الضويحي وإخراج محمد عباس، وشارك في بطولتها الفنانون عبدالرحمن الضويحي وعبدالحسين عبدالرضا وسعد الفرج ومحمد جابر وغانم الصالح ومريم الغضبان وآخرون، وكانت بالأبيض والأسود، وظهرت فيها باسمي الحقيقي من خلال شخصية «مريم» في العمل.

• كيف تقيمين نفسك خلال هذا العمل؟

- وقتها كنت صغيرة في السن، ولا أستطيع تقييم نفسي ولا حتى المحيطين بي، لكن أتذكر أن التعليقات حول دوري بالعمل كانت إيجابية، وخلال هذه الفترة لم تكن هناك وجوه نسائية في مجال التمثيل حتى جاء عام 1963، عندما انضمت إلينا الفنانات الكبيرات حياة الفهد وسعاد عبدالله وعائشة إبراهيم.

دور مناسب

• عاصرت بدايات الحركة المسرحية في الكويت، فلماذا ابتعدت عنه خلال السنوات الأخيرة من مشوارك الفني؟

- لم أبتعد بالمعنى الحرفي، لكني لم أجد النص الذي يشجعني على الوقوف على خشبة المسرح من جهة، وكذلك لم أجد الدور المناسب لي، وقد عرض علي الاشتراك في مسرحيات تجارية عديدة لكني رفضتها من منطلق رغبتي في عدم الظهور من خلال أعمال فنية دون المستوى، فلا أحب المجازفة بتاريخي الفني.

وأنا بصفة عامة لا يمكن أن أرفض الأدوار الجميلة، وفيما يتعلق بالمشاركة في المهرجانات المسرحية أفضل وجود فريق عمل من جيلي من الفنانين الكبار في الأعمال المسرحية التي أقدمها، فلا يعقل بعد كل هذا المشوار الطويل لي في مجال الفن أن أدخل في مقارنة بيني وبين فنانين من جيل الشباب، وأفضل ترك المجال والفرصة لهم ليعبروا عن مواهبهم.

كما أنني أحرص على ضرورة توافر عناصر أخرى هامة في العمل المسرحي الذي أشارك فيه من حيث جودة النص والإخراج، ودائما أقول إن النص هو العمود الفقري للعمل الفني، ولنكن صرحاء فالمسرح يحتاج إلى وقت وجهد كبيرين وصحة، في وقت أشعر فيه الآن بالتعب ولم أعد مثل السابق.

وكانت آخر مسرحية جماهيرية شاركت فيها هي «سيف العرب» عام 1992، تأليف وبطولة الفنان الكبير عبدالحسين عبدالرضا، وإخراج رقية الكوت، وشارك في بطولتها الفنانون حياة الفهد وخالد العبيد وأحمد جوهر وطارق العلي، وهي مسرحية ساخرة تناولت مأساة الغزو العراقي.

وبعدها قدمت مسرحية أخرى لكنها لم تعرض جماهيريا، حيث قدمناها ضمن فعاليات مؤتمر القمة لرؤساء دول مجلس التعاون الخليجي، من خلال عرض واحد على مسرح قصر بيان، وكانت بعنوان «جنون البشر»، وهي من فكرتي وتأليف الفنان الكبير سعد الفرج وإخراج فؤاد الشطي، وشارك في بطولتها الفنانون سعد الفرج وسعاد عبدالله وخالد النفيسي وعلي المفيدي وابراهيم الصلال ومحمد المنصور وعبدالرحمن العقل ومنى شداد وآخرون، وناقشنا خلالها قضية التجارة بالأعضاء البشرية.

جوائز وتكريمات

حازت الفنانة الكبيرة مريم الصالح العديد من الجوائز والتكريمات على مدار مشوارها الفني، منها درع رائدة المسرح من فرقة المسرح العربي عام 1977، والجائزة الفضية عن دورها في مسرحية «العاقل يقول أنا» لفرقة المسرح الشعبي في الاحتفال بيوم المسرح العربي لتكريم الفنان المسرحي عام 1988.

وحازت تكريما آخر من فرقة المسرح الشعبي بمناسبة مرور 40 عاما على تأسيس الفرقة، وكرمت كذلك من مهرجان المسرح الخليجي الخامس عام 1997، وفي عام 2013 حازت جائزة الدولة التقديرية، كما حازت آخر تكريم حصلت عليه من خلال الدورة الثامنة لمهرجان المسرح العربي والتي أقيمت في الكويت عام 2015.

سيرة ذاتية

الفنانة الكبيرة مريم الصالح من مواليد عام 1946 في منطقة شرق، وبدأت نشاطها الفني على كل الصعد الفنية سواء على مستوى الإذاعة أو المسرح أو التلفزيون، ولا تزال تواصل مسيرتها الفنية، وآخر مسلسل شاركت فيه ويعرض حاليا على شاشة التلفزيون هو «بياعة النخي»، مع الفنانة الكبيرة حياة الفهد، وإخراج شعلان الدباس.

وحصلت الصالح على دبلوم معهد الدراسات المسرحية عام 1968، ثم حصلت على درجة البكالوريوس في المعهد العالي للفنون المسرحية قسم التمثيل والإخراج عام 1979، ودرجة الماجستير في الإخراج من جامعة «بريستول» في إنكلترا، وأول وظيفة عملت بها كانت في وزارة الصحة، كما عملت في مجال الإخراج الإذاعي.

وقدمت على مدار مشوارها الفني نحو «60 مسلسلا تلفزيونيا» نذكر منها «إذا فات الفوت ماينفع الصوت، مذكرات بوعليوي، محكمة الفريج، أنهم يكرهون الحب، الغوص، الزير سالم، درس خصوصي، خالتي قماشة، صغيرات على الحب، التائهة، الملقوفة، قاصد خير، الوريث، بيت تسكنه سمرة، عندما تشتعل الثلوج، الدروازة ورصاصة رحمة».

وقدمت حوالي «20 مسرحية»، منها «صقر قريش، سكانة مرته، كازينو أم عنبر، انتخبوني، ضاع الديك، ممثل الشعب، فرحة أمة، سيف العرب وجنون البشر»، ومن الأعمال الإذاعية «قلب أم، نافذة على التاريخ وفارس مع النفاذ».