منذ بداية السينما المصرية، أدى المخرجون دوراً خلف الكاميرا ليس عبر تقديم أعمال سينمائية مكتملة الأركان فحسب، ولكن في البحث عن وجوه جديدة وشابة يمكن أن تؤدي دور بطولة، وساهم في تطور الصناعة خلال الخمسينيات والستينيات من القرن الماضي.

Ad

خيرية البشلاوي

تشير الناقدة خيرية البشلاوي إلى أن أعمال يوسف شاهين التي قدمها بإنتاج مصري، قبل خوضه تجربة الإنتاج المشترك مع فرنسا أو أي جهة أخرى، جعلته من أفضل المخرجين، وأن الأفلام ذات الإنتاج المشترك أثرت سلباً في مصداقيته كمخرج وفي نوعية الأعمال التي قدمها لاحقاً.

تضيف أن المخرج عاطف الطيب يستحق أن تذكره السينما في تاريخها، باعتباره أحد المخرجين الذين ارتبطوا بالواقع المجتمعي، ونقلوه إلى الجمهور عبر أفلامهم، وتعاملوا مع السينما كفن ووسيلة تعبير وليس مجرد وسيط للترفيه، وهو ما يمكن رصده بوضوح في أفلام قدمها عاطف الطيّب أبرزها «سواق الأتوبيس» الذي شارك في بطولته نجوم من بينهم نور الشريف وعماد حمدي.

تتابع أن المخرج هنري بركات، رغم أصوله الشامية، ارتبط بالروح المصرية، وتعمق في القضايا التي عايشها وقدمها على الشاشة، وأن المخرج صلاح أبو سيف امتاز، بدوره، بمصداقية في أعماله السينمائية التي ناقشت مشكلات مجتمعية آنية، على غرار فيلم «أنا حرة» الذي يعتبر من أوائل الأفلام التي ناقشت قضية عمل المرأة، وقدمت جوانب اجتماعية مختلفة لم يسبق أن نوقشت سينمائياً.

توضح البشلاوي أن المخرجين محمد خان، داود عبد السيد وخيري بشارة قدموا تجارب سينمائية مهمة في الثمانينيات والتسعينيات، رغم الظروف السينمائية السيئة التي عملوا فيها، شكلت علامات في تلك الحقبة المهمة وحملت أبعادا سياسية واجتماعية مهمة.

أندرو محسن

يرى الناقد أندرو محسن أن المخرج يوسف شاهين يستحق أن يكون أفضل مخرج، فقد نال جائزة في مهرجان برلين، بالإضافة إلى كونه أحد أشهر المخرجين الذين عرفتهم السينما العالمية، لا سيما في فرنسا التي تستقبل أعماله وتعرضها، ويعتبر أكثر مخرج مصري شارك في مهرجان «كان السينمائي».

يضيف أن شاهين قدم أفلاماً مميزة في تاريخ السينما المصرية التي أفرزت فنانين جدداً، وكانت له رؤية في التعامل مع الوجوه الجديدة، وقدرة على اكتشاف المواهب، وهو ما ظهر في خياراته للوجوه الجديدة التي حققت نجاحاً مع تقديمها أدواراً بمساحات أكبر لاحقاً، فضلا عن إيصال السينما المصرية إلى العالمية بأعماله التي تأنى في اختيارها وتقديمها على الشاشة.

يتابع أن المخرجة ساندرا نشأت الأفضل بين المخرجات، نظراً إلى العدد المحدود من المخرجات اللواتي قدمن أعمالا سينمائية، وأنها تميزت بتوليفة سينمائية تجمع بين المضمون الجيد والمحتوى التجاري للأعمال، فحققت أفلامها إيرادات جيدة في شباك التذاكر.

يعتبر أن ساندرا ساهمت في صنع نجومية فنانين، من بينهم كريم عبد العزيز من خلال دوره في فيلم «حرامية في كي جي 2»، أحمد عز من خلال دوره في فيلم «ملاكي إسكندرية» الذي حقق نجاحاً ورسخ مكانة عز السينمائية في تلك الفترة، وشكل أبرز أعماله السينمائية التي قدمها خلال مسيرته الفنية.

ماجدة خير الله

تتفق الناقدة ماجدة خير الله مع محسن في اختياره يوسف شاهين أفضل مخرج كون شهرته تخطت الوطن العربي، بالإضافة إلى الجرأة في الأفلام التي قدمها وخروجها عن المألوف، فشكل حالة استثنائية في تاريخ المخرجين السينمائيين.

تضيف أن تجربة شاهين في فيلم «الأرض» تعبّر عن الموروث المصري لدى الفلاحين، بالحفاظ على الأرض وعدم التفريط بها تحت أي ظروف، بينما سبق في فيلمه «الناصر صلاح الدين» عصره في الاستعانة بمجموعات لتنفيذ مشاهد الحروب التي تنفذ اليوم بأسلوب الغرافيك بشكل أسهل، بالإضافة إلى إيصال وجهة نظر القادة الغربيين الذين شاركوا في الحروب الصليبية، من خلال زيارته المتكررة إلى أوروبا، فقدم مفاهيم بررت الجرائم التي ارتكبوها، وأثبت عدم صحة وجهة نظرهم في خشيتهم على المقدسات المسيحية تحت حماية المسلمين لدى تعاملهم مع صلاح الدين الأيوبي.

محمود قاسم

صلاح أبو سيف أكثر مخرجي جيله تميزاً في مناقشة القضايا الاجتماعية المهمة، في رأي الناقد محمود قاسم، بالإضافة إلى الاهتمام بتفاصيل السيناريو، لافتا إلى أنه احتفظ بالخط الفني الذي قدمه عبر روايات أدبية، وأن كمال الشيخ وعاطف سالم لهما تجارب فنية أيضاً وضعتهما ضمن قائمة أفضل المخرجين.

يضيف أن كمال الشيخ قدم أفلاماً محبوكة فنياً، سواء بوليسية أو أدبية، بينما جاءت أفلام بركات في بداية حياته مبشرة وإن كانت خياراته في آخر 10 سنوات سيئة، إذ قدم أفلاماً أقل مستوى من تجاربه الأولى وتجارب منتصف العمر التي ظهر فيها نضجه الفني.

يتابع أن بعض تجارب يوسف شاهين تضعه ضمن أفضل مخرجي السينما المصرية، لكن التفاوت في مستوى أفلامه بين تقديم أفلام قوية للغاية وأخرى ضعيفة، تضعه في مرتبة بعد صلاح أبوسيف وكمال الشيخ، معتبراً أن من الظلم اختيار مخرجات ليكنّ الأفضل في ظل قلتهن، لكنه أشاد بنوعية بعض الأفلام التي قدمتها إيناس الدغيدي، لكسرها قيوداً رقابية ومناقشتها قضايا جيدة في أفلامها السينمائية.

نادر عدلي

يرى الناقد نادر عدلي أن يوسف شاهين أحد أفضل مخرجي السينما كونه عبّر عن قضايا مصر والعالم العربي على مدار أكثر من 45 عاماً، وتطور على المستوى الفني، فوصل في أعماله إلى قلب الإنسان العربي عموماً والمصري خصوصاً.

يضيف أنه رغم تقديم المخرج شادي عبد السلام فيلماً وحيداً «المومياء» الذي يعتبره أحد أهم الأفلام السينمائية، إلا أن التجربة تستحق وضعه ضمن قائمة المخرجين الأفضل تميزاً، بسبب الفنيات والطبيعة والمعالجة والإيقاع المصري الشديد الخصوصية التي قدمها في الفيلم.

يضيف أن السينما المصرية لم تشهد حضور مخرجات مميزات، في مقابل وجود مخرجين متميزين من بينهم كمال الشيخ الذي ساند حرية الإنسان، ولم تعبر أفلامه عن أي تيار سياسي، بل دافع عن كرامة الإنسان والوطن، بالإضافة إلى تحويل روايات متميزة أدبياً إلى أفلام سينمائية ناجحة من بينها، على سبيل المثال لا الحصر، «اللص والكلاب».

يتابع أن المخرج فطين عبد الوهاب اختار أسلوباً مختلفاً في أعماله الفنية من خلال معالجة قضايا ملحة ومهمة بأسلوب يميل إلى الكوميديا والسخرية إلى جانب قضيته الأساسية التي تدعو إلى حرية المرأة، وهو ما ظهر في غالبية أعماله. أما المخرج صلاح أبو سيف فيتميّز بتعامله بواقعية مع البيئة المصرية، إذ صوّر شخصيات مصرية خالصة، وكان أحد أكثر مخرجي جيله وعياً بقضايا المجتمع.

ماجدة موريس

تعتبر الناقدة ماجدة موريس أن صلاح أبو سيف أكثر مخرج في تاريخ السينما المصرية قدم الشخصية الشعبية بقدر عال من الفهم والحرفية وتفاعل مع الطبقات الشعبية بعمق وحاول تفسير الحياة الشعبية والإنسانية، عبر أعماله التي تحمل شخصياتها لمسة تراجيدية عالية، وهي لا تزال محتفظة بقوتها رغم التغييرات المجتمعية التي حدثت.

تضيف أن يوسف شاهين تميز بكونه مخرجاً لديه أفق واسع في طرح علاقة المصريين بالعالم من حولهم سواء محتلين، مستشرقين، أو محبين لمصر، واتسم بمعالجة عصرية قدمت رؤية لم يقدمها أحد غيره بفضل اتقانه الفرنسية ونجاحه في التعاون مع الغرب على عكس مخرجين كثيرين وقف حاجز اللغة عقبة أمامهم، فضلاً عن عدم تركيزه في أعماله على طبقة واحدة.

تتابع أن المخرج رأفت الميهي قدم أعمالا سينمائية مهمة بلغ فيها قمة السخرية من واقع المجتمع، ساعده على ذلك بدايته كمؤلف، فجاء استخدامه للسخرية أكثر تأثيراً وتعبيراً عن وجهة نظره، وهو ما يمكن رصده بوضوح في فيلم «الأفوكاتو» مع عادل إمام، الذي سخر فيه من السياسات المتبعة، بالإضافة إلى فيلمي «السادة الرجال»، و»سيداتي آنساتي»، إذ سخر فيهما من مقاييس الرجولة والأنوثة في المجتمع المصري.

توضح أن شريف عرفة أحد المخرجين الذين يحملون نظرة سينمائية مختلفة عبر تقديم أفلام استعراضية افتقدتها السينما المصرية خلال تلك الفترة، وجمعت أفلامه بين الدراما والاستعراض، فيما اعتبرت كاملة أبو ذكري أفضل مخرجة بسبب اللمسة المعاصرة ومناقشة قضايا الطبقة الوسطى في أعمالها السينمائية التي رغم قلتها، إلا أنها تحمل الكثير من التميز.

هنري بركات... مخرج متعدد المواهب

على مدار نصف قرن تقريباً، وقف المخرج هنري بركات خلف الكاميرا باحثاً عن التنوع في الأعمال السينمائية التي قدمها، فبدايته الفنية كمخرج ثم سيناريست فمونتير فالعودة إلى الإخراج إلى جانب الإنتاج... كلها أدت دوراً في تشكيل ثقافته السينمائية، فقدم أفلاماً شكلت علامات في تاريخ السينما.

كانت بداية اهتمام بركات من خلال شقيقه شارل بركات الذي عرض عليه الدخول في شراكة لإنتاج فيلم روائي طويل يعرض في الصالات السينمائية التي كانت صناعة حديثة العهد مطلع ثلاثينيات القرن الماضي، فتحمس هنري، وخاض التجربة مع شقيقه في فيلم {عنتر أفندي} الذي صور في أحد أستوديوهات الإسكندرية، وشارك في بطولته كل من استفان روستي وسميرة خلوصي.

فشل الفيلم في الصالات السينمائية، وهو ما فسره هنري بأداء الممثلين المبالغ فيه ولم يفهم سبباً له، إلا ان ذلك دفعه إلى السفر إلى فرنسا لتعلم صناعة السينما، فكونه من أسرة ميسورة ولديه عائد من الأرض الزراعية يسمحان له بدفع تكاليف إقامته في باريس، لا سيما أن شقيقه الآخر عبد الله يعمل هناك، فقصد مالكي استوديو نحاس الذين عرضوا تجربته الأولى وحصل على خطاب توصية منهم إلى إحدى الشركات الفرنسية التي استقبلته بفتور، لكنه تعلم عبر وقوفه في كواليس تصوير فيلم {عاصفة على آسيا}.

كان لهذه التجربة، مع مشاهدته تصوير أحد الأعمال الاستعراضية واطلاعه على مكتبة الأوبرا الفرنسية، الدور الكبير في حياته كمخرج، فرغم اضطراره للعودة إلى مصر من دون أن يبدأ دراسة أكاديمية بسبب بوادر الحرب في فرنسا، إلا أنه استفاد من هذه التجربة، وخاض تجربة العمل في السينما المصرية مجدداً، لكن هذه المرة كمساعد مخرج مع الفنانة عزيزة أمين التي عرفته عن قرب، ووافقت على أن يعمل كمساعد مخرج مع استيفان روستي في فيلمها الجديد {الورشة}.

مصداقية وإبداع

تعلم بركات المونتاج على يد المصور كياريني، وقد منحه الخلاف بين أحمد جلال وآسيا فرصة إخراج آخر فصلين في فيلم {العريس الخامس}، بطولة ماري كويني وآسيا بسبب سفر جلال إلى الخارج، فحقق الفيلم نجاحاً واعجب الجمهور بالمشاهد التي صورها بركات، ما دفع آسيا إلى منحه فرصة اختيار تجربة سينمائية يكون هو مخرجها، فاختار قصة {الشريدة} لإنطوان تشيكوف من الأدب العالمي، وحوّلها إلى فيلم سينمائي، لكنه لم يحقق نجاحاً وإيرادات جيدة، مع ذلك تلقى عروضاً من آسيا التي وثقت به، وأدركت أن المشكلة لم تكن في الإخراج بل في المعالجة.

في ما بعد حققت تجربته في فيلم {لوكنت غني} نجاحاً جماهيرياً، وفي الوقت نفسه تابع بركات هوايته في كتابة سيناريو لمخرجين آخرين في أفلام عدة من بينها: {ليت الشباب} و{اليتيمتين} مع حسن الإمام.

حرص بركات في أفلامه المقتبسة عن الأفلام الأحنبية على أن يشير إلى المصدر الأجنبي الذي اقتبس منه فيلمه قبل تمصيره، على غرار {أمير الدهاء}، {القلب له واحد{الهانم} و}ارحم دموعي}، فيما تنوعت أفلامه بين الرومنسية والأكشن والميلودراما من بينها: {حبيب العمر}، شاطئ الغرام}، {معلهش يا زهر}، {أمير الانتقام}. ارتبط بصداقة قوية مع فريد الأطرش الذي قدم معه أفلاماً من بينها: {عفريتة هانم} و}حبيب العمر}.

شكلت تجربة فاتن حمامة مع هنري بركات نقلة في حياة كل منهما، فهو وصل إلى قمة النضج كمخرج في فيلم {دعاء الكروان} الذي حقق نجاحاً، وأكدت أعمالهما لاحقاً على غرار {الباب المفتوح} و{الحرام} وجود كيمياء مشتركة أحدثت حالة خاصة أمام الكاميرا.