لم استسغ، يوماً، قيام بعض لجان التحكيم بمنح جائزة «أفضل فيلم» في الوقت الذي تحرم فيه مخرج الفيلم نفسه من جائزة «أفضل مخرج»، وتمنحها لغيره، وكنت أرى في ذلك ازدواجية صارخة، وترضية فاضحة، وتوازنات مخجلة، فالفيلم الأفضل لا بد من أن يكون وراءه {مايسترو} صاحب قدرة فذة على صهر عناصره الفنية، والسيطرة عليها بحرفية عالية، ما أتاح له تصدر السباق، ومن ثم فهو {الأفضل} وليس أحد سواه !

هذه قناعتي، ولكي لا أقع في المأزق نفسه، اخترت التوقف عند مخرجي الأفلام الثلاث عشرة، التي رشحتها كأهم {الأيقونات} في تاريخ السينما المصرية، باعتبارهم {آلهة الإخراج}، وهم بترتيب الأفلام المختارة في المقال السابق: شادي عبد السلام، يوسف شاهين، صلاح أبو سيف، بركات، عاطف الطيب، حسين كمال، داود عبد السيد، سعيد مرزوق ومحمد خان .

Ad

بالطبع ثمة أسماء أخرى كبيرة لا تتسع المساحة للتوقف عندها، وسيقتصر حديثنا على الأسماء السابق ذكرها، نبدأ بالمخرج شادي عبد السلام (1930 – 1986)، الذي حفر لنفسه مكاناً في تاريخ السينما بفيلمه {يوم أن تُحصى السنين}، الذي اشتهر محلياً وإقليمياً ودولياً باسم {المومياء}، وعُرف مخرجه بأنه صاحب أسلوب رصين، وعقلية دقيقة منظمة، ولغة سينمائية لا تعرف الصخب، وهذا غير مستغرب بالنظر إلى دراسته العمارة، وتخرجه في كلية الفنون الجميلة بدرجة امتياز، واختياره أن يهب حياته لفنون السينما، التي درسها في لندن، لكن الموت غيبه قبل أن ينجز مشروع عمره {إخناتون}، الذي ملك عليه عقله وحواسه!

المفارقة أن المخرج الثاني في قائمة العباقرة هو يوسف شاهين (1926 - 2008) ابن كلية فيكتوريا، الذي يقف على النقيض من {شادي} في كونه الأكثر إثارة للجدل والصخب، والأقرب إلى الواقع الراهن، واندماجاً في همومه السياسية، وانتقاداً لأنظمته الحاكمة بشكل رآه البعض صادماً، بعكس المخرج الكبير صلاح أبو سيف (1915 - 1996) - الثالث في القائمة - {رائد الواقعية في السينما المصرية} الذي تعامل مع الواقع بحكمة العاقل، وكان يقول ما عنده من أفكار، بلغة تتيح له التعبير عن رؤاه، وتجنبه الصدام مع مخالفيه، وهو الأسلوب الذي أخذه عنه تلميذه المخرج عاطف الطيب (1946 - 1995) - خامس القائمة – الذي قادته بصيرته إلى التغلغل في قضايا الوطن، وهو لم يكن بعيداً عنه يوماً، وهموم الطبقة المتوسطة، التي لم ينفصل عنها أبداً، بينما اختار المخرج بركات (1914 - 1997) – رابع القائمة – الشاطئ الآخر، حيث الهدوء والسكينة، والإخلاص للفن وحده في ظل إيمان لم يتزعزع بأن {البعد عن السياسة غنيمة}، وهي فلسفة آمن بها المخرج حسين كمال (1932 – 2003) – سادس القائمة – (أغلب الظن أن ذلك حدث بعد أزمة فيلم {شيء من الخوف})، من ثم عاش حياته مخلصاً لما عُرف بالسينما التقليدية التجارية، وغادر محطة السينما الخالصة، كما في{المستحيل} و{البوسطجي}، والأفلام المثيرة للجدل مثل: {شيء من الخوف} و{ثرثرة فوق النيل} في حين ظل المخرج داود عبد السيد (1946 - ) – سابع القائمة - محافظاً على أسلوبه المتعقل، ومدرسته الرصينة، وتمرده الواعي، وبقية السمات التي ميزت مسيرته، سواء في فترة عمله بالسينما التسجيلية أو إنجازه الإبداعي للفيلم الروائي الطويل، وهو الإبداع الذي لا يمكن الحديث عنه من دون التوقف عند المخرج سعيد مرزوق (1940 – 2014) – ثامن القائمة – الذي يمكن القول، من دون مبالغة، إنه {العصامي} الذي شق طريقه بمفرده، وأوجد لنفسه لغة خاصة ورؤية متفردة، صار بسببها واحداً من كبار {المُجددين} في السينما المصرية والعربية، وعلامة فارقة في تاريخ الإخراج المصري، بأسلوبه السينمائي المُدهش، وحسه التشكيلي الفطري، الذي أجبر مخرجين كُثراً، من بينهم يوسف شاهين، على تغيير جلدهم، حسبما أكد لي النجم نور الشريف، وهو التجديد الذي صنعه المخرج محمد خان (1942 - ) – تاسع القائمة – على طريقته، بوصفه واحداً من {فرسان الواقعية الجديدة}، وصاحب مدرسة {الكاميرا المرهفة في مواجهة الواقع الفظ}، حيث تتحول الشوارع والأماكن إلى شيء محبب، والبشر إلى نماذج تستحق التعاطف والشفقة، وحيث لا وجود للألغاز أو التورية والإسقاط!

هل نغلق القائمة عند هؤلاء المخرجين التسعة ؟ وماذا لو أضفنا مخرجاً عاشراً؟ ومن الجدير بدخول قائمة العشرة الأفضل؟

أظنه خيري بشارة (1947 - ) {المظلوم} الجدير بلقب {سابق عصره}، فالتمرد ملمح رئيس في شخصيته، وأسلوبه، وسينماه، مذ قدم حرب فلسطين في {الأقدار الدامية}، ورصد هزيمة المثقفين في {العوامة رقم 70}، ثم حطم الأعراف والثوابت السينمائية في {كابوريا}، وانحاز للشباب والمستقبل في {أيس كريم في جليم} وأول من فضح ظاهرة الهجرة غير الشرعية في {أميركا شيكا بيكا}، لكن ألا توجد مخرجة واحدة تصلح لدخول القائمة؟.. أوجدوها وأبلغوني!