التفاعل الكبير مع حلقة ناصر القصبي في سلسلة "سيلفي" الرمضانية يعكس حالة المجتمعات الإسلامية، خصوصاً في منطقة الخليج، فيما يخص العلاقة بين السنّة والشيعة، ونظرة كل طرف إلى الطرف الآخر، ولو على درجات متفاوتة تبدأ بإقرار الاختلافات ومحاولة استيعابها والتعامل معها كأمر واقع، وتنتهي إلى حالة من التعصب الشديد ومحاولة إلغاء الطرف الآخر أو تكفيره، واعتبار دمه وماله وعرضه مباحاً، وذلك باسم الدين أو ما يفهمه كل جانب من فهمه للدين، وما يزرعه البعض من رجالات الدين في نفوس العامة.

السؤال المهم يدور حول أسباب مثل هذا التفاعل المهم مع برنامج تلفزيوني يسرد واقعه بأسلوب لا يخلو من الكوميديا الساخرة أو السوداء، واعتبار ما طرح قضية مهمة تستحق الوقوف عندها، على الرغم من أننا نعيش هذا الجو ونتعاطى معه يومياً ونمارسه في سلوكنا وأفعالنا ومواقفنا وفي جلساتنا العامة والخاصة، ولماذا نقر ونحن نتابع أداء الفنان القدير ناصر القصبي وفريق عمله بأن هذا المسلك لا يعكس روح التسامح الديني واحترام معتقدات الآخرين أو الحاجة إلى الفهم المتبادل لخصوصيات المذاهب الإسلامية وتنوع اجتهاداتها، ولكن في الواقع المعاش نتجنب أو نتخوف من الدخول إلى هذه الفوارق بغية استيعابها والتكيف معها أو حتى بحثها بشكل علمي ومنهجي وبروح أخوية وودية؟!

Ad

الخلافات السنية الشيعية ومحاولات استغلالها بكل الطرق والوسائل عبر سنوات طويلة ممتدة على مدى التاريخ الإسلامي لم يجن منها المسلمون سوى الخراب والخسائر المتراكمة والابتعاد عن بعضهم، بل استمرت في ظلها حالة الاحتقان والازدراء والتباغض، وأخيراً الوقوع في محظور الاقتتال والتصفية الجسدية.

حالة المسلمين شيعة وسنّة في وقتنا الراهن تجسّد هذا الألم الذي تسبب في شق النسيج المجتمعي وخلق الاصطفافات المتعصبة مذهبياً والتوسع في حجم الخلاف إلى حد تلبيسه الغطاء السياسي، وتجهيز الجيوش والدخول في مواجهات دموية، والنتيجة الوحيدة كانت الدمار الواسع للدول الإسلامية وتشريد شعوبها وإبادة مجاميعها البشرية، وحالة الضعف والهوان التي وضعت المسلمين بثرواتهم ومواردهم البشرية والطبيعية وتاريخهم في قاع العالم وفقاً لمؤشرات التنمية والاستقرار والرفاهية المجتمعية.

لماذا يصعب علينا أن نتعايش سنّة وشيعة في حين خلقت نماذج التكامل البشري صوراً جميلة من التعايش والاندماج بين ملل ونحل اختزلت فوارقها الدينية المتناقضة، فجمعت اليهود والنصارى والوثنيين والشيوعيين واللا دينيين، وبلغات شتى واقتصادات متنافسة في مشاريع التكامل الاقتصادي، ومحاربة التلوث البيئي وغزو الفضاء الخارجي، ومحاصرة أمراض العصر كالأيدز والأيبولا وإنفلونزا الخنازير وخطوط المواصلات وتدفق المعلومات؟

السؤال الأصعب هو: لماذا نتناسى هذه الفوارق بيننا كشيعة وسنّة إذا سافرنا إلى أوروبا أو شمال أميركا أو حتى الصين، ولا تتملكنا هذه الجرأة والشجاعة في التباهي بأننا شيعة أو سنّة، فنحترم القوانين "الكافرة" أو "الضالة" في تلك البلدان، في حين نتحول إلى أسود ضارية في مجتمعاتنا، ونرفض أن نرى الشيعي يصلي لربه على قطعة من التراب أو نستنكر على السنّي وهو يعبد الله مكتفاً يديه؟!

تحية إلى أمثال ناصر القصبي وغيره من الفنانين والكتّاب والشعراء؛ لأنهم استشعروا الحاجة إلى نبذ خلافاتنا والدعوة إلى فهم بعضنا بعضا لنعيش إخوة متحابين، في حين الكثير من علماء الدين ومن يحبون أن يطلق عليهم الفقهاء والمشايخ مشغولون في جمع الأموال والتسمّر على الموائد الفاخرة، وهمهم وشغلهم الشاغل هو تحريض الناس وزرع الكراهية في نفوسهم ضد الآخرين!