رائدة المسرح في الكويت مريم الصالح لـ الجريدة• (2-2)

رحلة علاجي كانت قاسية ومريرة مع «الكيماوي» و«الإشعاع»
أمضتها في الولايات المتحدة وكانت الكويت في قلبها وعقلها

نشر في 11-06-2016
آخر تحديث 11-06-2016 | 00:05
في الحلقة الثانية من الحوار مع الفنانة الكبيرة مريم الصالح، نتطرق إلى المزيد من ذكرياتها الفنية والإنسانية، خاصة من خلال تواصلها مع جيل الشباب من الفنانات وإعجابها بعدد من الكاتبات الشابات في مجال الدراما التلفزيونية، وكذلك أحد المواقف المحفورة في ذاكرتها بينها وبين الفنان الراحل عبدالحليم حافظ، وهو موقف جعلها تختلف معه بشدة لتتحول العلاقة بينهما بعد ذلك إلى صداقة مستمرة سنوات طويلة، وكذلك مقابلتها الفنانة الراحلة فاتن حمامة أثناء زيارتها للكويت وتسجيلها إحدى السهرات لمصلحة التلفزيون الكويتي.
كما تتحدث كذلك عن رحلة علاجها في الولايات المتحدة الأميركية والمعاناة الكبيرة التي واجهتها أثناء محنتها المرضية حتى عودتها إلى الكويت والتي لم تغب أبداً عن عقلها ووجدانها طوال فترة العلاج، وتعود بالذاكرة لتتحدث عن قرارها بارتدائها للحجاب والذي اتخذته بعد أدائها لفريضة الحج... أسرار وتفاصيل كثيرة نتعرف إليها خلال هذه السطور فلنقرأها معاً:
• ما أكثر الصعوبات التي كنتم تعانونها كجيل رواد؟

- صعوبات كثيرة، ولكننا كنا نسير في طريقنا بحب للفن بعيدا عن الأمور المادية، ومن الصعوبات كذلك أتذكر أننا كنا نصور الحلقات التلفزيونية "ون شوت" بمعنى كنا نسجل كل حلقة كاملة على حدة من دون مونتاج، وأي خطأ كان يجبر فريق العمل كله على الإعادة من جديد، وأتذكر أننا أثناء تصوير أحد الأعمال الدرامية أخطأ أحد الموجودين في العمل، وهو الممثل والمخرج الكبير بالإذاعة الكويتية الراحل علي الزفتاوي، وكان هذا العمل بعنوان "أسباب النزول" واضطررنا إلى إعادة التصوير الذي استمر حتى الفجر ودخل مخرج العمل على إثر ذلك في حالة من العصبية، وظل يضرب رأسه بالحذاء حتى أصيب ودخل المستشفى وهو المخرج نزار شرابي، أما الآن فالممثل يحضر إلى مكان التصوير وهو ليس حافظا لدوره أصلا، ويعتمد المخرجون على المونتاج أكثر أثناء تنفيذ العمل، بعكس السابق عندما كنا نجري بروفات للطاولة قبل التصوير بشهر كامل حتى يحفظ كل فنان دوره كما يجب.

في السابق كنا نشعر أن المسرح هو بيتنا وكنا نجلس فيه أكثر من جلوسنا في بيوتنا، ولم نكن نسأل عن الأجر أو عن مساحة الدور، فعندما كانت الفرقة المسرحية تسند دورا لأحد الفنانين كان يؤديه بكل حب، وكنا نشعر أننا إخوة وأسرة واحدة.

تواصل وحب

• كيف تتواصلين من الفنانين من جيل الشباب؟

- أتواصل معهم بكل حب، وأرى أن هناك كثيرين منهم موهوبون، ولكن مع الموهبة لابد من صقلها بالدراسة، وهناك منهم من يتقبل النصيحة فأنصحه، أما من يرى في نفسه أنه لا يحتاج إلى النصيحة فأتركه لحال سبيله.

• من يعجبك من الفنانات الشباب الآن؟

- هناك أسماء كثيرة ولا أريد نسيان أحد، وقد أثبتوا حضورهن في الدراما الكويتية والخليجية أمثال إلهام الفضالة وشجون الهاجري وفاطمة الصفي وملاك وهيا عبدالسلام وغدير السبتي ولولوة الملا وآخريات، كما أريد هنا أن أذكر إعجابي الكبير بالكاتبات الشابات اللاتي ظهرن خلال السنوات الأخيرة، وأصبح لهن حضور كبير على مستوى ما يقدم من الدراما الكويتية، وأذكر منهن هبة مشاري حمادة ووهج وإيمان سلطان ونورة العتال.

كنز كبير

• ما رأيك في مقولة "الفن ما يوكل خبز"؟

- هذه المقولة كانت تنطبق أكثر أيام الزمن السابق من الفن عندما كانت الأجور زهيدة، لدرجة أن الحلقة الإذاعية كانت تسجل بدينارين فقط، أما الآن فقد تغيرت الحال، وأصبح "الفن يوكل خبز"، ولكن بعيداً عن الأمور المادية، فإنني أمتلك كنزاً كبيراً وهو حب الجمهور الكويتي والخليجي لي، وقد اتضح ذلك بمستوى كبير خلال فترة علاجي في الولايات المتحدة الأميركية، حيث كنت أستقبل الكثير من الاتصالات الهاتفية للسؤال عن صحتي وعن أحوالي، وهو أمر أثلج صدري ونعمة كبيرة أحمد ربي عليها.

وضع صعب

• أعرف أنها كانت محطة صعبة وقاسية في حياتك من خلال رحلة العلاج في أميركا... فهل من الممكن أن نتعرف على بعض ملامحها؟

- رحلة العلاج استمرت أكثر من عام عشت خلالها بعيدة عن أهلي وبلدي الكويت الحبيبة، ورغم ذلك كانت الكويت تسكن داخل عقلي وقلبي طوال فترة إقامتي هناك، لدرجة أنني كنت أشارك في فرحة الأعياد والمناسبات الوطنية التي كانت تمر علي وقتها، والحال نفسها مع شهر رمضان خارج الكويت كان طعمه مختلفا، رغم أننى كنت أقيم في منطقة فيها كثير من المقيمين العرب من كل الدول، وقد تكونت لي معهم صداقات كثيرة، وكان أكثر شيء عانيت منه هو الألم بسبب تلقي العلاج الكيماوي وكذلك صعوبة تحمل دخول الإشعاع إلى الجسم، فالإشعاع يحرق الخلايا الحية. لقد فقدت 9 كيلوغرامات من وزني أثناء فترة العلاج، وأصابتني أمراض أخرى بسبب "الكيماوي"، أما الآن فقد استعدت الكثير من وزني.

بعثة إنكلترا

• حدثينا أكثر عن المستوى الدراسي الذي حصلت عليه؟

- التحقت بالمدرسة حتى الصف الثالث من المرحلة المتوسطة، وبعدها التحقت بمعهد الدراسات المسرحية خلال الفترة المسائية، والذي كان يقابل نفس مستوى المرحلة الثانوية في ذلك الوقت، إلا أننا بعد التخرج فوجئنا بعدم قبول وزارة التربية شهادة هذا المعهد، وهو الأمر الذي دفعنا كطلاب إلى الالتحاق بمعهد المسرح مدة أربعة أعوام انتظام، وأتذكر أنني كنت أدرس مع زملاء دفعتي الفنانين علي المفيدي وكنعان حمد وأحمد مساعد، وقد واصلنا دراستنا حتى حصلنا على درجة البكالوريوس، وبعد حصولي على الشهادة سافرت في بعثة إلى إنكلترا، حيث درست في جامعة "بريستول" قسم الدراما، ونلت منها شهادة فنية عالية تعادل درجة الماجستير، ولكن من دون أن أقدم رسالة أكاديمية.

• هل هناك أحد من أبنائك درس الفن ومارسه؟

- نعم ابني الكبير نواف، الذي يقوم بالتدريس في المعهد العالي للفنون المسرحية، أما ابني صقر، فهو حاصل على شهادة في الهندسة المدنية.

ملابس ملتزمة

• كيف اتخذت قرار ارتداء الحجاب؟

- بعد أن أديت مناسك فريضة الحج قررت ارتداءه، وكان ذلك في عام 2008، وفي كل الأحوال لم يكن قرارا غريبا أو صعبا، لأننا في منطقة الخليج نرتدي الملابس الملتزمة بالفعل، وكذلك في أدوارنا الفنية نعكس من خلالها الواقع والمجتمع الذي نعيش فيه، وفي مجتمعنا الحجاب أمر طبيعي ومنتشر بشكل كبير.

• ما الموقف الذي تذكرينه لك مع الفنانة فاتن حمامة؟

- كان هذا الموقف خلال زيارتها إلى الكويت، وكانت تسجل سهرة فنية لمصلحة التلفزيون الكويتي من تقديم الإعلامي عبدالرحمن النجار ومن إخراج أحمد البقشي، وحضر خلال هذه السهرة كثير من الفنانين الآخرين، أذكر منهم خالد النفيسي وحسين الصالح وسعاد عبدالله، وقد وجهت لها سؤالا حول ضرورة خوضها تجارب مسرحية بجانب تألقها الفني في السينما، ولكنها رأت أنها تفضل الظهور السينمائي أكثر، كما أنها لو وقفت فوق خشبة المسرح فستؤدي نفس أدائها السينمائي، لأنها لا تفضل المبالغة في التمثيل، وتحب البساطة أكثر في الأداء، وهي فنانة كبيرة ولها حضورها الفني الجميل.

المفردات الكويتية

• ما تعليقك على الأعمال التلفزيونية التي تقدم الآن على مستوى الكويت؟

- مع الأسف، تفتقر في كثير من الأحيان إلى المفردات الكويتية الخاصة بنا، وأصبحت هناك تعبيرات دخيلة علينا مثل أن يقول الممثل:" أنا ما كليت"، والأصح أن يقول:"ما أكلت"، وأنا عن نفسي أحرص على التحدث بلهجة العمل الفني، وأذكر أنني صورت مسلسلا إماراتيا بعنوان "الغوص" خلال فترة السبعينيات، وكان من إخراج حسين الصالح، ومن بطولة الفنانين خالد النفيسي وعلي المفيدي والفنان الإماراتي سلطان الشاعر، ووقتها كنت حريصة على التمثيل باللهجة الإماراتية، لدرجة أنني كنت أطلب من فريق العمل أن يصحح لي بعض الكلمات إذا أخطات فيها من منطلق إحساسي بأن الفن مسؤولية ورسالة.

أنا ضد خلط اللهجات في العمل الفني، وكذلك ضد المبالغة التي أجدها أحيانا من بعض الفنانات في استخدامهن المكياج والأزياء بمستوى يكون بعيدا تماما عن مقتضيات الشخصية الفنية، وقد يكون سبب ذلك أن كثيرا من الفنانات يحصل على ملابسهن من المحال كرعاة، وبالتالي أصبحت لديهن وفرة في الملابس التي يتم ارتداؤها في أحيان كثيرة، بما لا يتفق مع الضرورات الفنية للعمل، أما نحن في السابق فقد كنا نشتري ملابسنا على حسابنا الخاص، والأهم كنا نراعي ملاءمة ملابسنا لأدوارنا الفنية.

حب الفن

• أحيانا تمر لحظات من الإحباط على الفنان تجعله يفكر في الاعتزال، فهل مرت عليك مثل هذه المشاعر؟

- نعم، ففي فترات عديدة عندما كنت أتضايق من أمر ما كنت أقول في نفسي: "خلاص مليت ما راح أمثل بعد"، ولكن حبي للفن جعلني أعدل عن هذه الأفكار وعن فكرة الاعتزال مرات كثيرة، فالذي جعلني أستمر كل هذه السنوات هو عشقي لعملي.

• هل تشعرين أنك حققت كل طموحاتك الفنية؟

-لا... حتى الآن أشعر بأن داخلي أحلاما وطموحات وطاقات عديدة لم تظهر بعد، رغم كل هذا المشوار الفني الطويل.

•هل أنت راضية عما يقدم في المسرح الآن؟

-لا أستطيع إطلاق حكم مؤكد من منطلق عدم متابعتي لما يقدم الآن في المسرح الكويتي.

مواقف في الذاكرة مع عبدالحليم حافظ

خلال هذه السطور تتذكر الفنانة الكبيرة مريم الصالح العديد من المواقف والذكريات التي جمعتها مع الفنان المصري الراحل عبدالحليم حافظ، سواء تلك التي جمعت بينهما في الكويت أو في القاهرة وقالت عن ذلك: "هذه المواقف لاتزال محفورة في ذاكرتي، كأنها حدثت أمس، وكنت صغيرة وقتها، حيث كان عمري لا يتعدى 17 عاما، وقد سافرت إلى مصر برفقة مجموعة كبيرة من الفنانين بهدف الاطلاع على الحركة الفنية هناك، وأتذكر منهم عبدالحسين عبدالرضا وعبدالرحمن الضويحي وصقر الرشود وحسين الصالح وخالد النفيسي ومريم الغضبان، وبالفعل وصلنا إلى أحد الاستديوهات، وكان وقتها الفنان عبدالحليم حافظ يصور الفيلم السينمائي "معبودة الجماهير" مع الفنانة شادية، وقد توقعت أن يحتفي بنا كوفد من الفنانين الكويتيين الذين يزورون مصر، خاصة أنه كان للتو قد زارنا في الكويت وارتدى الزي الكويتي "الغترة والعقال"، وشدا بأغنية "ياهلي"، وعندما مر علينا سلمنا عليه، ولكنه لم يهتم بنا ولم يسلم علينا باهتمام، وهذا الأمر حز في خاطري كثيراً، وعندما مر شقيقه إسماعيل شبانة علينا عاتبناه وقلنا له: "ليش أخوك شايف حاله؟"، وكان رده أنه لربما يكون متعبا، ولكن من يومها أخذت موقفا منه ثم مرت السنوات حتى قابلته مرة أخرى في الكويت في منزل الصحافي جميل الباجوري، الذي كانت زوجته صديقتي المقربة، وهي شقيقة الفنانة زيزي البدراوي، ووقتها دار الحديث عن الفن والغناء، وكنت صامتة حتى سألني الفنان عبدالحليم حافظ لكي أقول رأيي في ما يثار من حديث، ومعروف أنني صريحة منذ صغري فقلت له: "بصراحة أنا أقدر الفنان عبدالحليم حافظ ولكنه كإنسان لا أقدره" وهو الأمر الذي أثار استغرابه وصدمته في الوقت نفسه، لأن معظم البنات في ذلك الوقت كن مفتونات بعبدالحليم حافظ، ولم يكن يتخيل أن أتحدث بمثل هذا الكلام عنه، فسألني: لماذا أقول ذلك عنه؟ فقلت له: بصراحة أنه لم يقابلنا كما يجب في القاهرة كفنانين كويتيين، ومعروف أنه فنان ذكي، فلم يعلق على هذا الأمر، وقال لي ضاحكاً: "أكيد أنت كنت بتحبيني وأنا لم أهتم بك"، فضحكت، ومن وقتها أصبحنا أصدقاء، لدرجة أنني أخذته معي ومع صديقتي في السيارة نتجول في أسواق الكويت لشراء بعض الأغراض لزواج ابنة الموسيقار محمد عبدالوهاب، وكنت كلما أسافر إلى مصر أهاتفه وأسلم عليه، وحتى الآن كلما شاهدته على شاشة التلفزيون أبكي، لأنني عرفته عن قرب".

نلت شهادة تعادل الماجستير من جامعة «بريستول» في إنكلترا

في السابق كان المسرح بيتنا ولم نكن نسأل عن الأجر أو مساحة الدور

المسلسلات الحالية تفتقد المفردة الكويتية وبها مبالغة في المكياج والأزياء

حبي للفن جعلني أعدل عن فكرة الاعتزال مرات كثيرة
back to top