الفتنة نائمة في النفط
يبدو أن المسؤولين في الكثير من الوزارات والمؤسسات مصرون على أن يعالجوا مشاكلنا بالمسكّنات، ومن بينهم القائمون على القطاع النفطي مصدر الدخل الوحيد للدولة، حيث إنهم يواصلون العناد والمكابرة مع العاملين في هذا القطاع الحيوي، وتسببوا في خسائر تزيد على 6 ملايين دينار خلال الإضراب بعد أن رفضوا الاستجابة لمطالب العاملين المشروعة، ورغم أن موظفي القطاع النفطي أوقفوا هذا الإضراب تغليباً للمصلحة العليا وإعلاء لصوت العقل والحكمة، وقبلوا الجلوس على طاولة المفاوضات، فإن المسؤولين لا يزالون يماطلون، بل إنهم يحاولون استفزاز العاملين وبث الفتن بينهم من خلال رصد مكافآت للذين لم يشاركوا في الإضراب، وصلت إلى 1500 دينار فيما يشبه سياسة كيد النساء، الأمر الذي ينذر بتصعيد جديد خلال الفترة المقبلة. وقد ظهر جلياً أثناء أزمة الإضراب وما بعدها محاولة كسر شوكة العاملين في القطاع النفطي الذين يطالبون بحقوقهم، حيث تم التعامل مع الإضراب وكأنه معركة بين عدوّين وحرب تكسير عظام استخدم فيها المسؤولون مختلف وسائل الإعلام لتخويف المضربين وترهيبهم، وأطلقوا العديد من التصريحات التي تهدد وتتوعد من يشارك في الإضراب واتخاذ الإجراءات القانونية لمواجهة من يعطل مصالح البلاد ومرافقها الحساسة، وإحالة رؤساء نقابات عمال النفط المضربين إلى النيابة، كما صدرت العديد من البيانات التي تؤكد أن الأمور في جميع الشركات النفطية تسير على ما يرام، وأن الإنتاج لم يتعطل أو يقل رغم اعتراف الحكومة نفسها فيما بعد بوقوع خسائر هائلة في فترة الإضراب كان يمكن تجنبها واستخدامها في حل مشاكل العاملين الذين أضربوا من أجلها، ولكنها سياسة العناد والمكابرة ومحاولات تركيع كل من يطالب بحقوقه.
إن القطاع النفطي يعاني مشاكل كثيرة خصوصاً في ظل الأزمة العنيفة التي هوت بأسعار النفط إلى أرقام هزيلة، كما أن التراخي عن علاج الأسباب التي أدت إلى الإضراب يهدد باشتعال فتيل الأزمة مجدداً، حيث إن اللجنة المحايدة التي شكلت بناء على توجيهات مجلس الوزراء لم تنته من بحث المبادرات ودراستها، ولم تخرج بنتائج ومددت عملها حتى ما بعد شهر رمضان، كذلك هناك محاولات من مجلس الأمة لإقرار البديل الاستراتيجي الذي كان سبباً في الإضراب، وأيضاً لا يزال الحديث قائماً عن خصخصة بعض الشركات النفطية وتعيين عمالة أجنبية جديدة وتجاهل سياسة التكويت وغيرها من الأسباب التي تجعل النار تحت الرماد. وما أود تأكيده هنا أن النقابات العمالية تؤدي دوراً مهماً باعتبارها مظلة للعاملين في كل المجالات وصوتهم الذي يطالب بحقوقهم في ظل تخلي الكثيرين من نواب الأمة عن هذا الدور، كما أن النقابات تعتبر من أهم قطاعات المجتمع المدني ومؤسساته في كل دول العالم المتحضرة، وتكتسب أهميتها من خلال الدور الذي تؤديه في خطط التنمية الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، بل نستطيع القول إنها تشكل العمود الفقري لهذه التنمية، لذا يجب على المسؤولين الاستماع إلى هذه النقابات وعدم التهوين من دورها أو تشويه صورتها، بل يجب أن تأخذ موقع الريادة والقيادة جنباً إلى جنب مع مؤسسات صنع القرار السياسي والاقتصادي كداعم واستشاري ومراقب للأداء.