بينما يدرس مجلس الاحتياطي الفدرالي الأميركي مسألة رفع الفائدة يتعرض اليوان الصيني من جديد الى حملة ضغوط شديدة ومجهولة.

ومع تدفق الأموال الى خارج الصين منذ بداية هذه السنة قررت صناديق التحوط اتخاذ مواقف ضد اليوان، وقد ظن العديد من الخبراء والمحللين أنها مسألة وقت فقط قبل أن تستهلك حكومة بكين احتياطياتها من العملة الأجنبية، ما يفضي بشكل طبيعي الى هبوط في قيمة اليوان الصيني، لكن المسؤولين الصينيين استخفوا بتلك الاحتمالات قائلين: هل هناك من سيعلن حرب عملات على الصين؟ وكان ذلك أيضاً موقف صحيفة الحزب الشيوعي في ذلك البلد، ولكن حكومة بكين كانت تنظر على الصعيد الخاص الى تلك التهديدات بقدر أكبر من الجدية.

Ad

تشديد الرقابه

وقد ردت الحكومة الصينية على ذلك بخطوات جلية على العديد من الجبهات، كما تدخلت على الصعيدين الداخلي والخارجي من أجل رفع قيمة اليوان، بينما عمدت في الوقت نفسه الى تشديد الرقابة على رأس المال.

وتجدر الإشارة الى أن هذه المعركة سارت حتى الآن كما تريد بكين فقد تمكنت من ابطاء عملية تدفق رأس المال الى خارج البلاد، كما أن اليوان لا يزال محافظاً على سعره الذي كان عليه في مطلع شهر يناير الماضي.

ولكن على الرغم من ذلك كله فإن النجاح الواضح الذي حققته حكومة بكين يطرح سؤالين، ويدور الأول، الذي يثير القلق، حول ما اذا كان الاستقرار الذي تحقق سوف يتمكن من الاستمرار والصمود عندما يتخذ مجلس الاحتياطي الفدرالي في الولايات المتحدة قراره بشأن رفع معدلات الفائدة من جديد؟ وعلى الرغم من كل أعمال حكومة بكين القوية الهادفة الى تقوية اليوان فإن العامل الأكبر في سير الأمور الى صالحها كان من مصدر خارجي بسبب تخوف وتردد البنك المركزي الأميركي.

وعند بداية هذه السنة كان المستثمر يستعد لحدوث رفع في معدلات الفائدة الأميركية، من منطلق الظن بأن مثل ذلك الاجراء سوف يفضي الى رفع قيمة الدولار – الذي هو في وضع قوي في الأساس – وبلوغه مستويات أعلى، ولكن تقلبات السوق وظهور معلومات وبيانات ضعيفة قيدا يد مجلس الاحتياطي الفدرالي، وهو ما أدى بالتالي الى الحد من صعود العملة الأميركية وأعاد الاغراء والجاذبية الى عملات اخرى. وكان اليوان الصيني واحداً من تلك العملات حيث حقق نسبة بلغت 2 في المئة مقابل الدولار خلال الفترة ما بين منتصف شهر يناير الى منتصف مارس.

نهاية وشيكة

لكن فترة التحسن التي اتسمت بالراحة سوف تنتهي خلال فترة قصيرة، وكانت رئيسة مجلس الاحتياطي الفدرالي جانيت يلين قالت الأسبوع الماضي إن عملية رفع معدلات الفائدة سوف تكون محتملة خلال الشهور المقبلة. وإضافة الى ذلك فإن الدولار بدأ بالارتفاع مقابل كل العملات على وجه التقريب، بما في ذلك اليوان. ومنذ الثلاثين من شهر مايو الماضي وحتى الأول من يونيو الجاري حدد البنك المركزي الصيني سعر اليوان عند أدنى مستوى مقابل الدولار خلال أكثر من خمس سنوات، وقد ينطوي ذلك على جانب جيد بالنسبة الى المصدرين الصينيين، ولكن القلق يرجع الى أن خفض قيمة العملة سوف يطرح مسألة استئناف تدفق رأس المال الى خارج البلاد وهو الأمر الذي حاول البنك المركزي الصيني الحد منه.

ولكن على الرغم من ذلك فإن الصين في وضع أفضل مما كانت عليه قبل ستة أشهر في ما يتعلق بمقاومة الضغوط، وعلى سبيل المثال فإن الرقابة على رأس المال لاتزال سارية، كما أن الاقتصاد الصيني يتمتع بقوة واضحة نتيجة انتعاش سوق العقارات، وحتى اذا قرر الاحتياطي الفدرالي رفع معدلات الفائدة خلال هذا الشهر أو في يوليو فإن المتوقع أن يستمر ذلك بصورة تتسم بقدر أكبر من الحذر بعدئذ وأن يعطي الانطباع بأن هذا هو الحد الذي يمكنه الوصول اليه. وفي ضوء هذه الحصيلة فإن قيمة اليوان قد تتقلص ولكنه لن يتعثر، بحسب العديد من الخبراء.

الدفاع عن اليوان

ويتمحور السؤال الثاني حول قضية الدفاع عن اليوان من قبل حكومة بكين وهو سؤال أكثر أهمية على أي حال: هل تخلت بكين عن هدفها المتعلق باصلاح العملة؟ لقد ربطت الصين عملتها بالدولار لسنوات عديدة كما أنها تدخلت للحيلولة دون تعريضه الى تقلبات.

وفي أغسطس الماضي طرح البنك المركزي الصيني "آلية معدلات صرف" ولا يزال يحدد بشكل يومي المستوى مقابل الدولار بحيث لا يرتفع اليوان أو ينخفض بأكثر من 2 في المئة، ولكن ذلك يعتمد الآن على عاملين: معدلات اغلاق اليوم السابق وقيمة سلة عملات لا الدولار فقط، وفي حال تطبيق ذلك الاجراء بصورة تامة فإن النظام الجديد سوف يعطي لقوى السوق دوراً أكبر.

وبشكل عملي احتفظ البنك المركزي الصيني بسلطة واسعة، وهو يستطيع التأثير على معدل اغلاق اليوان مقابل الدولار من خلال التدخل بصورة مباشرة أو الايعاز الى البنوك المملوكة للدولة للقيام بذلك، كما أن البنك وعن طريق تحديد المعدلات اليومية يستطيع الاختيار بين التركيز على الدولار أو سلة عملات، وبحسب ما يلائم أهدافه، وكان يعمد الى تغيير معدلات الصرف مقابل الدولار كما تقتضيه مصلحة اليوان.

سيطرة رقابية

وبكلمات أخرى، لم يتنازل البنك المركزي الصيني عن سيطرته على مراقبة معدلات الصرف لصالح السوق، وهذا لا يشير الى أن اصلاحاته كانت من دون معنى فقد كانت معدلات صرف اليوان متقاربة جداً بشكل يومي، كما كان متوسط الفارق بين اليوان والدولار 0.009 يوان منذ شهر أغسطس مقارنة مع 0.006 يوان منذ عامين.

والأكثر من ذلك كان اليوان مقابل سلة عملات مستقراً الى حد كبير، ومعدلاته اليوم تقارب ما كانت عليه عند بداية سنة 2015، وفي حقيقة الأمر فإن الصين تقدمت بشكل جزئي فقط نحو تحرير اليوان، ولكن هذا هو كل ما كانت قد وعدت بالقيام به حتى الآن.