أطلق كمال الشناوي - هكذا أصبح يناديه تلاميذه اختصارا لاسمه فأحب ذلك - شاربه، فبدا أكبر سنا من عمره الحقيقي، وحتى تكتمل ملامح الرجولة قرر أن يذهب صباح كل يوم إلى محل "جروبي" وسط القاهرة، قبل ذهابه إلى المدرسة، لتناول "قهوة الصباح" مثلما يفعل كبار الموظفين والفنانين، يجلسون لتناول قهوتهم، ويطلعون على آخر الأخبار من صحف اليوم، ثم يتوجه كل منهم إلى عمله، ليصبح كمال أحد هؤلاء الكبار، وعندما يكون لديه متسع من الوقت قبل الذهاب إلى المدرسة، يخرج القلم الرصاص وورقة بيضاء، ويبدأ في رسم ما يجده أمامه، من طبيعة صامتة أو حتى حية، حتى ينتهي من قهوته ثم ينصرف، حتى لفتت نظره يوماً فتاة شابة صارخة الجمال، ذات شعر أحمر، تختلف عن كل من قابلهن في حياته، فأخرج على الفور الورقة والقلم، وبدأ يرسم ملامحها، ولاحظت الفتاة التي كانت تجلس بمفردها ذلك، فكانت أجرأ منه، حيث انتقلت إلى طاولته على الفور، وبادرته:

= رسام... يا الله حلو اكتير

Ad

* عجبتك الصورة

= بتاخد العقل وحياة الله

* ممكن أتجرأ وأهديها لك

= يسلموا دياتك... تسلملي هاليدين

* تسمحيلي أعزمك على فنجان قهوة

= ممنونة اكتير اكتير

* واضح من لهجتك إنك مش مصرية

= أيه... أنا من لبنان... من بيروت

* يا أهلا بلبنان وناس لبنان... تسمحيلي أقدملك نفسي أنا كمال الشناوي فنان تشكيلي

= مبين وحياة الله أنك فنان اكبير... وأنا خلود فنانة... لكن بالتمثيل

* حضرتك ممثلة... هايل أوي

= ممثلة بلا تمثيل

* مش فاهم؟

= أنا متل ما بيقولوا وجه جديد... عندي وعود ومقابلات... من شان أبدأ التمثيل

تعددت اللقاءات بين كمال والفاتنة اللبنانية الحسناء، في جروبي، حتى أصبح هناك لقاء يومي ثابت بينهما، عرف كمال خلال لقاءاتهما أنها جاءت للعمل في السينما، وأن هناك أكثر من لقاء مع أكثر من منتج لاكتشافها كوجه سينمائي، حتى أنها طلبت من كمال اصطحابها في أحد هذه اللقاءات إلى المنتج والمخرج حلمي رفلة، فوجدها كمال فرصة ليتعرف على هذا العالم عن قرب.

رفض السينما

جلست الفاتنة الحسناء أمام المنتج حلمي رفلة، وبالرغم من جمالها الصارخ، لم تلفت نظره، وظل طوال الجلسة يتحدث إليها، ثم يقطع حديثه ويلتفت إلى كمال الذي ظل جالسا ينظر إليهما في صمت، ثم يعاود حلمي الحديث معها، وفي نهاية حديثه التفت إلى كمال الشناوي وباغته بسؤال:

= وحضرتك ما بتفكرش تشتغل في السينما؟

* أيه... أنا آه... لا والله أنا فنان... بس من نوع تاني... أنا فنان تشكيلي

= وماله... ده مايمنعش إنك تجرب حظك في السينما

* أنا جربت قبل كده... ومثلت بس على المسارح... تجارب بدائية كده أثناء الدراسة

= طيب ده شيء عظيم... يعني فاهم تمثيل... أيه المشكلة بقى أنا واثق أنك لو فكرت هاتكون وجه مميز أوي في السينما

* في الحقيقة يا أستاذ أنا مافكرتش في الموضوع ده... أنا هنا بس مع صديقتي خلود

= عموما لو فكرت إنك تشتغل في السينما اتصل بيا... ده الكارت بتاعي

شعر كمال الشناوي بأنه يمكن أن يغتصب حق صديقته في الفرصة التي جاءت من لبنان تبحث عنها، لذا كان رفضه، غير أن ما سمعه من كلام حلمي رفلة، أرضى غروره وشعر أنه مرغوب ويمكن له أن يجد الأرض ممهدة إذا أراد، غير أنه لم يفكر جديا في الأمر، في ظل إحساسه بالمسؤولية تجاه تلاميذه الذين يحاول أن يغرس فيهم حب الفن التشكيلي، ويعلمهم الرسم، خاصة أن لديه طموحات كبيرة بإحداث انقلاب في أسلوب التدريس، وأن هناك دورا مهما لابد أن يلعبه في تربية ذوق جيل بأكمله من خلال تدريسه للتلاميذ مادة التربية الفنية، غير أنه لم يكن يؤمن بالأساليب التقليدية في تدريس الرسم، فمن خلال قراءاته عن الفن التشكيلي في العالم، ومتابعته لكل الأساليب الحديثة، أراد أن ينقل التجارب الفنية الحديثة في التدريس إلى تلاميذ مدرسة الإبراهيمية، بعيدا عن المناهج الكلاسيكية.

فوجئ مدير المدرسة بكمال يحضر معه إلى المدرسة جهاز "جرامافون" وقام بتشغيل أسطوانات موسيقية للتلاميذ، وطلب منهم الاستماع إلى الموسيقى، ثم رسم إحساسهم بما سمعوه من موسيقى على الورق، فأسمعهم "ضربات القدر" لبيتهوفن، و"هجوم نابليون على موسكو"، و"الدانوب الأزرق" لشتراوس، إلا أن النتائج لم تكن كما أراد، فلم يستجب التلاميذ بسرعة لهذا الأسلوب الجديد، ورغم ذلك وجد أنهم لا يترجمون استماعهم إلى الموسيقى ترجمة حرفية، بل يرسمون ما أثارته الموسيقى بداخلهم، وكان عليه أن يواجه الجميع، سواء مدير المدرسة أم بقية المدرسين، وكذلك التلاميذ، واتهامهم له بالجنون، خاصة أن من بينهم من هم أطول منه، ومقاربون له في السن، فلا يكفون عن السخرية والشغب، تحت قيادة زعيمهم الطالب "كمال الدين حسين"، الذي يقودهم في كل تحركاتهم ويرسم لهم خطط الشغب.

الطالب كمال الدين حسين، هو نفسه الذي أصبح فيما بعد "الصاغ كمال الدين حسين" أحد رجال ثورة 23 يوليو، والذي أصبح وزيرا للتربية والتعليم في مطلع الستينيات من القرن العشرين.

ما إن انتهى العام الأول من عمل كمال الشناوي مدرسا في الإبراهيمية الثانوية، حتى فوجئ في بداية العام الجديد، بأنه قد تم نقله من المدرسة، ليجد أن النقل إلى "مدرسة الماكس الثانوية" بمنطقة المدابغ النائية بمدينة الإسكندرية، وكان عليه تنفيذ النقل فورا.

نفي إلى الصعيد

شعر كمال بأن النقل مقصود لإبعاده عن المدرسة، بسبب الأفكار الجديدة التي حاول أن يتبعها في تعليم التلاميذ، ورغم ذلك لم يتخل عن هذا الأسلوب في تدريسه، غير أن مدير "مدرسة الماكس" لم يستطع أن يصبر على أسلوب كمال عاما دراسيا كاملا، فسرعان ما اصطدم به، ولم يستطع كمال أن يتمالك نفسه أمام اتهامات المدير وتوبيخه له، فقام برد الإهانة له أمام المدرسين والطلبة، فقام المدير بإحالته إلى مجلس تأديب، وكانت نتيجته النقل.

كان العقاب هذه المرة شديدا، حيث لم يعد إلى القاهرة، بل تم نقله إلى أسيوط في أقاصي صعيد مصر، ما أشعره أنه قد تم نفيه وليس نقله، فلم يعتد كمال حياة الريف، وليس أي ريف، فهو ريف الصعيد الذي تحكمه العادات والتقاليد الصارمة، فضلا عن أنه لم تكن هناك أية وسائل ترفيه، فلم يكن هناك وجود لأي من المظاهر الفنية أو حتى التسلية، فما إن ينتهي اليوم الدراسي، حتى يعود إلى استراحة المدرسين، ولا يخرج منها إلا في صباح اليوم التالي إلى المدرسة، وأقصى ما يمكن أن يقوم به، هو تناول الشاي ولعب الورق مع بعض الأصدقاء في الاستراحة، لقتل الوقت، حتى قادته الصدفة للالتقاء بمدير الإقليم، الشاعر عزيز باشا أباظة، أثناء زيارته للمدرسة، خلال جولته على مدارس المدينة.

والذي كان قد انتهى من كتابة ديوان كامل لرثاء زوجته بعنوان "أنات حائرة"، وكان كمال الشناوي، من أوائل من حصلوا على نسخة من الديوان:

* صدقني يا باشا حالة شعرية بديعة وإخلاص نادر في الحالة الوجدانية

= شكلك فنان بجد ومتذوق للشعر

* أنا مجرد هاوي بيحاول

= لا إذا كان كده... إحنا هانبقى أصحاب أوي

* ده يشرفني ياباشا... ما تعرفش سعادتك تشرفي بلقائك عمل في أيه؟

= عمل أيه؟

* والله يا باشا قبل مشوف سعادتك كأني ماكنتش عايش... بالظبط زي ما يكون واحد في صحرا ولقى قدامه فجأة كوباية مية ساقعة بالتلج

= هاهاها... تقصد إني حاجة باردة

* يا خبر يا باشا... سعادتك بمثابة المية للعطشان... أنا ما صدقت لقيت شاعر عظيم... وفنان متذوق لكل أنواع الفنون يكون قدوة ليّ ويمنحني خبرته الطويلة

= سيبك يا واد من البكش ده كله... شوف أنا زيك تمام... أول ما جيت هنا كنت حاسس بوحشة وغربة خصوصا أني جيت في ظروف نفسية صعبة أوي... صحيح الأجواء هنا شاعرية وتساعد على أن الواحد يلاقي وحي الشعر بسهولة.. لكن لازم يجي عليك وقت تحتاج حد على الأقل تقرا له قصيدة تاخد رأيه في بيت شعر.. بالظبط زي الفنان ما يبقى محتاج حد يقوله الله على ألوانك وخطوط لوحاتك

* بالظبط ياباشا... علشان كده أنا كان عندي طموحات كبيرة وآمال... فقدت الأمل في تحقيقها من ساعة ما جيت هنا... لكن من ساعة ما قابلت سعادتك أحييت فيّ الطموحات والآمال دي

= كده... طب يلا يا بطل ورينا همتك

راح كمال الشناوي بالمشاركة مع الشاعر عزيز باشا أباظة يخططان لأن يعيشا في أسيوط، ليس فترة مؤقتة، بل أن يعيشا فيها إلى الأبد، حيث ينصرف أهل أسيوط إلى شؤونهم وتنمية أنفسهم وبيوتهم وأولادهم وأموالهم، ويجعلون بينهم وبين حكام إقليمهم أو الوافدين عليهم مسافة في العلاقة، يقبلون بالمحبة على كل من يأنسون إليه ويأنس إليهم ويرون فيه البذل والعطاء دون غرض شخصي، وهكذا فعلوا مع "عزيز أباظة" عندما عين مديرا لإقليمهم، فأحسنوا وفادته لأنه أحسن التعامل معهم، فأحب أهل أسيوط وأحبوه، يذهب إلى مكتبه مبكرا في الصباح يباشر أعماله دون تفرقة بين الوافدين عليه، وبعد العصر يذهب إلى نادي البلدية يجلس بين رواده ولا بأس من الاستماع إلى أحوال البلد من الفئة التي تتردد على النادي، وفي التاسعة مساء يعود إلى بيته، مرتديا بذلته السوداء التي ظل يرتديها طوال عامين بعد وفاة السيدة زوجته، إلى أن خلعها تحت إلحاح أصدقائه من أهل أسيوط، وهيب دوس، وحبيب دجوي، وكمال نخلة، إضافة إلى عمدة أسيوط صموئيل شنودة، الأقرب إلى نفسه من الأصدقاء، بل وإلى بناته.

وسط هذه الأجواء، راح الصديقان كمال الشناوي وعزيز باشا أباظة، يرسمان معا شكل مستقبل وجودهما في أسيوط، وقررا أن يجعلا من أسيوط مدينة تعيش مهرجانا فنيا طوال العام، فأقاما الحفلات التمثيلية، والمعارض التشكيلية، والأمسيات الشعرية، والليالي الموسيقية، بمشاركة العديد من المواهب التي حرص كل منهما على اكتشافها وتقديمها، حتى إن كمال انخرط في هذا العمل، ونسي تماما طموحاته وأحلامه التي كان يخطط لها في القاهرة، فأصبح فجأة حديث المدينة، ومحط أنظار رجال وسيدات المجتمع الخاص في أسيوط، ومن يأتون من القاهرة من الصفوة لإقامة الأنشطة الخيرية والفنية، حتى كانت تلك الليلة التي قدم فيها مسرحية "قيس ولبنى" التي كان عزيز باشا قد بدأ في كتابتها أثناء عمله في المنيا، ثم أكملها في أسيوط، وما إن قرأها كمال، حتى أصر على تقديمها على المسرح، بالمشاركة مع إحدى الفرق التي تزور أسيوط، وجسد فيها كمال دور "قيس"، فنال إعجاب الحضور بشكل منقطع النظير.

حب من أول نظرة

كان عزيز باشا أول المهنئين لكمال على دوره في المسرحية، بعدها راح يتلقى التهاني من الحضور، وفجأة وجد نفسه وجها لوجه أمام سيدة، كأنما خرجت لتوها من إحدى لوحات المستشرقين، بارعة الجمال والدلال، مكتملة الأنوثة، ترتدي تاييرا أنيقا من "الشاركسكين" الأبيض، وهو من أغلى أنواع الأقمشة آنذاك، يدل على ثراء من ترتديه.

مدت يدها لتهنئته على دوره في المسرحية، ودون أن يدري أخذ يدها وقبلها، فأثنت عليه وعلى ذوقه وأناقته، فخفق قلبه بشدة، واقترب منها ليحدث بينهما تعارف سريع‏، ‏وبعد انتهاء الحفل عرض عليها أن يقوم بتوصيلها في طريقه فلم تمانع‏، وفي الطريق تبادلا الحديث، غير أنها كانت حذرة طوال الوقت، شعر معها كأنما يحاول أن ينتزع منها اعترافات:

* لا بقى كده كتير... حضرتك حيرتيني يا هانم... ده تالت اسم تقوليلي عليه الليلة دي... حضرتك اسمك اعتماد هانم... ولا فوزية هانم... ولا لولا هانم

= لا خلاص بجد... دي آخر مرة... لولا... اسمي لولا

* ولو أني شاكك ان ده برضه ممكن يكون اسمك الحقيقي... لكن أنا هاصدق أنه لولا... عارفة ليه؟

= ليه؟

* لأن لولا فيها من اللؤلؤ... وأنا شايف قدامي لؤلؤ... جوهرة ثمينة ماتتقدرش بتمن

= ياه... أنا كنت فاكرة أنك شاطر في التمثيل بس على المسرح... لكن يظهر أنك شاطر في التمثيل في كل وقت وأي مكان

* صدقيني أنا عمري ما كنت صادق في مشاعري زي النهارده

= خلاص... زي ما أنت صدقتني... أنا كمان هاصدقك... حاسب يا أسطى... أنا هأنزل هنا

* أوام كده... خسارة الأوقات السعيدة بتخلص بسرعة

= السعادة والتعاسة من صنع الإنسان... يعني بإيدك ممكن تخلي نفسك سعيد... وبرضه بإيدك تبقى تعيس

* مش فاهم... ممكن توضحي ياهانم

= يعني ممكن لحظات السعادة تدوم... بشرط إنك ماتسألش عن أي حاجة غير اللي أقولك عليها أنا... وماتحاولش تستخدم ذكاءك في أنك تعرف عني أي حاجة

* طب أشوفك إزاي

= أنا اللي هأحدد امتى وإزاي وفين... ليلتك سعيدة

* أسعد من كده مش ممكن

لم يعرف عن لوحته الجديدة إلا اسمها، الذي أصبح على يقين أنه لم يكن اسمها الحقيقي، بعد أن قالت له ثلاثة أسماء خلال الدقائق التي قضياها معا، لسبب بسيط، وهو أنها من أسرة محافظة جدا، لا تسمح قط باختلاط الرجال بالنساء، بل محظور أن تبوح السيدة باسمها، غير أنها متمردة وشقية جدا في حياتها‏، لذا لم يكن اسمها هو الشيء الوحيد الذي أخفته عن كمال، فلم يعرف عنها شيئا سوى الاسم "المستعار" فقط، لا يعرف من هي، ولا من أية عائلات أسيوط، وهل هي من أبناء أسيوط أم وافدة مثله؟ ولا أين تسكن.

رغم كل هذه التساؤلات التي لم يعرف كمال إجابة لأي منها، إلا أن لقاءاتهما تعددت، حتى أصبح اللقاء بينهما يوميا، وكما تحدد هي الطريقة والمكان والساعة، خوفا من تقاليد المدينة المتزمتة، وحتى لا يفتضح أمرها، وتعلم عائلتها بأمر هذه العلاقة التي بدأت تنمو يوما بعد يوم، بتعدد اللقاءات، حيث تأتي الفاتنة وهي تستقل "عربة حنطور" مسدلة السقف، تتوقف بها بالقرب من الاستراحة التي يعيش فيها كمال، الذي ما إن يسمع "جرس العربة" حتى يخرج مسرعا كالسهم دون أن ينظر حوله، ليستقر إلى جوارها في العربة، التي تنطلق بهما إلى خارج المدينة، حيث الحقول ممتدة حتى الأفق‏ من جانب، في حين يمتد الجبل إلى مالا نهاية على الجانب الآخر، ليتنقل الحبيبان بين الحقول والجبل، وينعما بأجمل لحظات الحب والرومانسية، على غرار أجمل قصص الحب في التاريخ، حتى أصبحت فاتنة أسيوط هي كل حياته، لم يعد قادرا على مفارقتها لحظة، وبعد أن كان يعد الأيام والساعات ليأتي موعد إجازته إلى القاهرة، أصبح لا يقضي من إجازته بالقاهرة سوى يومين على الأكثر، ليعود مسرعا إلى حبيبة القلب، غير أنه عندما عاد آخرة مرة من إجازته وجد في انتظاره مفاجأة لم يكن يتوقعها، ولم تخطر له ببال!

البقية الحلقة المقبلة

الشاعر عزيز باشا أباظة

ولد "عزيز أباظة" بالربعماية مركز منيا القمح بمديرية الشرقية عام 1898، تلقى تعليمه الابتدائي بالمدرسة الناصرية الابتدائية، بدأ دراسته الثانوية بمدرسة التوفيقية بمنطقة شبرا، ثم أكملها في المدرسة السعيدية، والتحق بمدرسة الحقوق ونال الليسانس عام 1923 في الخامسة والعشرين من عمره، تمرن على المحاماة في مكتب "وهيب دوس بك" المحامي لمدة عامين، بعدها عمل مساعدا للنيابة، فوكيلا للنيابة في مديرية الغربية، وفاز بعضوية مجلس النواب، ثم عين وكيلا لمديرية البحيرة عام 1935، وبعدها عين مديرا للقليوبية عام 1938، ثم مديرا للفيوم، ومديرا للبحيرة، ومحافظا لبورسعيد وحاكما عسكريا عام 1942، ومنها مديرا لأسيوط لمدة ثلاث سنوات ونال رتبة "الباشوية" أثناء خدمته في أسيوط.

قرض عزيز أباظة الشعر وهو في العاشرة من عمره، وطوال عمله بالإدارة استطاع ألا تكون هناك خصومة بين الإدارة والإبداع، يعطي للإدارة ما للإدارة، ويعطي للشعر ما للشعر، حتى كانت القارعة بوفاة زوجته الحبيبة إلى قلبه وروحه، فانبعثت ملكته الشاعرة بتلك "الأنات الحائرة" وإذا الناس يلتفتون إلى هذا الزوج الثاكل المكلوم، حيث رحلت زوجته، ابنة عمه، في يونيو عام 1942، قبيل تعيينه مديرا لمديرية أسيوط، حيث انتهز فرصة تفرغه هناك، وأتم رواية "العباسة" التي قدمت في دار الأوبرا.