لم يتسن لي مشاهدة العديد من البرامج والمسلسلات التلفزيونية، فلم أرَ مثلا «لعبة العروش» كما لا أعلم شيئاً عن «الفضيحة»، ولا يمكنني تسمية ربة منزل «حقيقية» واحدة.

واعتقدت أني لست من عشاق التلفزيون وأن أخذي لاستراحة مدتها ثلاثين يوماً من مشاهدته سوف تكون عملية سهلة تماماً. لكنني كنت مخطئة.

Ad

في المتوسط، الشخص البالغ يتابع برامج التلفزيون لمدة 2.8 ساعة في اليوم، بحسب دراسة أجراها مكتب إحصاءات العمل حول توزيع استخدام الوقت في الولايات المتحدة. وتضع دراسة أخرى هذا الزمن عند معدل أطول يصل إلى 4 ساعات و15 دقيقة يومياً.

مخاطر مشاهدة التلفزيون

لقد أجريت عدة بحوث ودراسات حول أثر مشاهدة التلفزيون على الأطفال، ويقول آدم ليبسون، وهو طبيب أعصاب لدى IGEA لأمراض الدماغ والعمود الفقري، إن واحدة من أفضل الدراسات أعدتها جامعة توهوكو اليابانية، «لاحظت زيادة سماكة قشرة الدماغ الأمامية المتصلة بالقدرة على التعبير اللفظي، وانخفاض مستوى الذكاء كلما زادت ساعات مشاهدة التلفزيون». إضافة إلى ذلك «لاحظت الدراسة حدوث سماكة في القشرة البصرية في الفص القذالي من الدماغ وفي الخلايا الواقعة تحت السرير البصري، المسؤولة عن تحقيق الانسجام بين وظائف الجسم والمحيط الخارجي، وهي مرتبطة بزيادة المشاعر العدوانية».

يضيف ليبسون، أن الدراسات، التي شملت أشخاصاً بالغين تربط مشاهدة التلفزيون بالنوع الثاني من مرض السكري والاكتئاب بل وحتى النزوع إلى الإجرام.

ويقول إن العديد من الدراسات تشير إلى وجود تأثيرات سلبية لمشاهدة التلفزيون مدة تزيد عن ساعة واحدة في اليوم، كما أظهرت دراسات أن مشاهدة التلفزيون تحول الدماغ من موجات «بيتا» إلى موجات «ألفا» المرتبطة بحالة أحلام اليقظة وهبوط القدرة على استخدام مهارات التفكير الحاسم».

وكان إريك بريفرمان وهو مؤسس ورئيس «باث فاونديشين» في نيويورك، وهي جمعية بحوث غير ربحية مكرسة لصحة الدماغ كان أكثر فظاظة، إذ قال «إن جهاز التلفزيون يحولك إلى شخص مغفل، وأن التلفزيون يحولك إلى مشاهد متثقف ويعزز سلبيتك، ويجعلك أقل مشاركة».

لكنه كان على حق، فبمجرد تشغيل التلفزيون أجد في أغلب الأحيان صعوبة في الابتعاد عنه، وكانت مشاهدة التلفزيون عادة بدأتها مع زوجي منذ الصغر وقد كبرنا ونحن نمضي وقت العائلة في مشاهدة برامج مثل «قارب الحب» «جزيرة الخيال». وقد وافقني على مواجهة التحدي معي والابتعاد عن مشاهدة التلفزيون.

ماذا حدث؟

خلال الأيام القليلة الأولى كنا في حالة ضياع إزاء ما يتعين علينا عمله. وكان الشيء الروتيني أن نشاهد ما يعرض من برامج على التلفزيون بعد تناول العشاء ثم افتقرنا فجأة الى أفكار لتغطية تلك الفترة. وهكذا كنا نخلد إلى النوم في الساعة الثامنة والنصف مساء، وبدأ بعد ذلك روتين جديد في حياتنا، وشرعنا في الطهي معاً، وأخذ كلابنا الأليفة في جولات أطول، وإنجاز أعمال تتعلق بالمنزل كان يطول تأجيلها، ومناقشة مواضيع عدة أثناء احتساء قدح من النبيذ – وفي ليالي الجمعة والسبت إذا لم نكن مرتبطين برؤية أصدقاء أصبحنا نستمع إلى اذاعة سي بي أس وهي تقدم برنامج «مسرح الأسرار» الذي كنا نحبه في طفولتنا.

وفيما كان الأسبوع الأول حافلاً بمقاومة الحاجة إلى تشغيل جهاز التلفزيون والأنشطة الأخرى كان الأسبوعان الثاني والثالث بداية تغير الأشياء بالنسبة لي من الوجهتين المادية والذهنية. وكان اللافت أنني شعرت بقدر أقل من الاجهاد الجسدي والارهاق الذهني، حيث إن الكثير من البرامج التي كنا نشاهدها كانت تحفل بعناصر الترقب، وتبعث على القلق، وتعج بالعنف.

ويقول بروفسور دراسات الأفلام في جامعة نبراسكا: « يعرض التلفزيون على نحو متزايد مشاهد تبقي المتابع مشدوداً ومترقباً للمزيد، ويظل أسيرا لهذه الدوامة».

وتمثل التأثير الجانبي الآخر في شعوري بقدر أقل من الحاجة إلى العودة بسرعة إلى المنزل لمشاهدة عرض ما، وسواء كنت أتسوق في متجر للبقالة أو أشتري بدلة لإبني لم أعد أشعر بقلق تجاه الوقت وأصبحت أكثر صبراً.

بحلول نهاية الشهر الخالي من التلفزيون، كنت قد انتهيت من مجموعة المجلات، التي كانت على الطاولات، ونظفت خزانتي وتبرعت بعشرة أكياس من السلع، التي لم نعد بحاجة إليها، كما أخذت ابني معي عندما كنت أذهب إلى نيويورك لحضور مؤتمر كتاب وأمضيت الوقت معه كسائحة.

كما قرأت ثلاثة كتب وأعدت قراءة كتاب استمتعت كثيراً به.

وتشكل القراءة بديلاً أفضل للدماغ والأنشطة كما يقول بريفرمان الذي يضيف، «إن قراءة الروايات الخيالية وغير الخيالية تحفز جانبي الدماغ «.

* ستيفاني فوزا