نقطة: والاعتذار فعل ثوري أيضاً
كرّت سبحة المقاطعة على يد "الإسلاميين"، بدأها جماعة "ثوابت هايف"، ولحق بهم "الإخوان الحدسيون"، ومعها دقت ساعة الحقيقة لإثبات صدق مطالباتهم والتزامهم باحترام الشعب وحقوقه، فمنذ بدء الحراك في الكويت بالتزامن مع الموجة الثورية التي أصابت المنطقة العربية، وفي طريق رفض الصوت الواحد، كانت للمعارضة والمقاطعين مطالبات وشعارات ثورية لا تحصى، تبدأ برئيس وزراء شعبي ولا تنتهي بتعديلات دستورية، وكان الاستفراد بالقرار وارتكاب الأخطاء وعدم الاعتذار عنها جزءاً من "نهج المشيخة السلطوي" الذي جاءت المقاطعة والمعارضة لمناهضته والوقوف بوجهه طوال تلك المرحلة، إلا أنها ها هي الآن تعود للساحة لتمارس ذات النهج على أصغر، فجاء تفردهم بقرار عودتهم دون مشاورة رفاقهم رغم عدم تغير أسباب مقاطعتهم، وبمكابرة وغرور واضحين بادعاءهم التفضل على الشعب بمشاركتهم القادمة، وذلك للقيام بإنقاذ ما يمكنهم إنقاذه، هكذا إذن ودون أدنى شعور بمسؤولية أو خجل أو حتى قليلاً من حمرة الخدود، فما بالكم بالاعتذار كما تفعل جميع الأحزاب والحركات السياسية المحترمة في الدول المحترمة!فبعد هذا لا أظن سيتبقى لكم مجال للوم السلطة على أفعالها واستخفافها بكم وبالناس، فلستم بأفضل منها، فإن كان القصد في البداية من مقاطعتكم وتوابعها تصحيح انحرافات السلطة فالأولى منكم كان الاعتذار كبداية لتصحيح انحرافاتكم، فالاعتذار فعل ثوري شجاع أكثر قيمة وأثراً من كل ممارساتكم وشعاراتكم السابقة التي تركتموها خلفكم، فتقدير الناس واحترام عقولهم وحقهم بالمحاسبة، سواء من قبل السلطة أو المعارضة، وعدم معاملته كالقطيع، بداية الإصلاح الحقيقي.
وحتى لا تُخلط الأوراق بحجة رفض الاعتذار لمن وقف مع السلطة او للمحايدين، فلابد من توضيح وتقسيم أنواع الاعتذارات الواجبة حتى لا تضيع ديّة الأخطاء، ويستمر استسهال ارتكابها على رؤوسنا إلى الأبد، فاليوم أنتم مدينون بنوعين مختلفين منها، أولهما للأتباع والمريدين عن الخطأ في التقدير، ومن ثم التراجع عن القرار، أو على الأقل عن الفشل في تحقيق الهدف لتخفيف وطأة الاعتذار عليكم، آسفين لم نحقق ما وعدناكم به وسنخوض الانتخابات وفق الصوت الواحد الذي كنا نرفضه، هكذا ببساطة، ومعه يأتي الاعتذار للرفاق والحلفاء الذين تمترستم خلفهم كحصان طروادة، ثم نسيتموهم في غياهب الجب، بعد أن دخلتم القصر "ببشوتكم" موحدة اللون، والذين ربما لم يتخذوا مواقفهم الحادة لولا ثقتهم بوقوفكم بجانبهم حتى آخر الدرب، ولم يستمعوا للنصح فيكم، أو أقلها استئذان مبطن بالاعتذار ولو من باب العِشرة، أما الآخر فهو للمخالفين والمحايدين عن حملات التشنيع والشتم والتخوين، والذين اتضح أنهم كانوا يعرفونكم ويعرفون مآلاتكم أكثر مما كنتم تعرفون أنفسكم، أما محاولات التغاضي والتجاهل، و"الرك" على ذاكرة الناس اللحظية، والتهوين والتبرير، والقول بأن السياسة فن الممكن، وأن طبيعتها تتطلب قدراً من "البراغماتية" والمخاتلة، وكل التغيرات والتقلبات فيها مقبولة، فهذا كلام صحيح ولكن ليس على إطلاقه، وخصوصاً مع "الإسلاميين" بالذات، فهو وإن كان يصلح من الناحية التشخيصية إلا أن اتخاذه كتبرير موضوع مختلف، فأنا أعلم أنك غير معتاد على الثبات والصدق في المواقف، لكن معرفتي بك وانطباعي عنك ليس مبرراً لك لتقوله لي وتقنعني فيه بصحة موقفك.أما الأهم من ذلك فهو كونكم تطرحون أنفسكم بالساحة السياسية "كإسلاميين" يفترض منكم "إسلامية" الممارسة والآلية والأدوات والسلوك، فذلك بالتأكيد أهم من "إسلامية" الهدف، فنحن بالنهاية جميعاً مسلمون بمجتمع مسلم، فإذا كنت ستلعب بالسياسة مثل ما يلعب بها غيرك فأين تميزك المدعى والنابع من موقفك الديني؟ فما الفائدة مثلاً من إقرار قانون متوافق مع "الشريعة الإسلامية الغراء" بواسطة نواب فازوا بطرق غير شرعية أو ذوي ممارسات غير إسلامية؟ هنا أصبح الأمر "ميكافيلية"، وأقرب للنفاق منه للإسلام الصحيح، لذا لا تقل لي وتكرر أنها سياسة، وتتطلب قدراً من الكذب والقذارة والانتهازية، لأن هنا بالضبط كان الفارق المطلوب منكم.آسف للإطالة.