كخبير عايش تفاصيل وظروف صدور العقوبات الدولية ضد نظام صدام حسين، كان السياسي العراقي الراحل أحمد الجلبي أطلق تحذيرات غير معلنة لحلفائه الشيعة، من احتمال خضوعهم لعقوبات دولية، إذا لم يتمكنوا من ضبط الانتهاكات التي ترافق الحرب المشروعة ضد تنظيم «داعش».وبذلت المرجعية الدينية الشيعية والأجنحة المعتدلة من كل الأطراف جهوداً، لمنع تكرار الانتهاكات ضد المدنيين والمشتبه فيهم، لكن الأمر بدأ يتصاعد خلال معارك الفلوجة الأخيرة، حتى أن رئيس البرلمان سليم الجبوري، (سني معتدل)، التقى أمس الأول، عينة من المدنيين الذين تعرضوا لتعذيب واعتداءات في منطقة الحرب، ووعد بتحقيق رسمي، وهذا ما كرره رئيس الحكومة حيدر العبادي، بل إن قادة الحشد الشعبي الشيعي تسابقوا لإدانة تلك الأفعال.
وهذا لا يعني انتهاء هذا السجال وتبعاته السياسية والقانونية، لأن منظمات دولية معروفة مثل «العفو الدولية» أخذت تصدر بيانات مشددة راحت تعزز موجة في الصحافة الدولية تنتقد سير معارك الفلوجة، بنحو لم يسبق له أن يحصل حتى في المعارك الكبرى طوال العامين الماضيين.ويشعر المجتمع الدولي بحرج كبير، فهو يدعم العراق في حرب قاسية ومكلفة ضد هذا التنظيم الشرس، لكن بغداد لا تكاد تسيطر على ملف الانضباط العسكري، ويبدو أن حلفاءها الإيرانيين خصوصاً، يرغبون في إحراج بغداد وواشنطن، تعبيراً عن غضب طهران من تقييد دورها العسكري والسياسي في مناطق غرب العراق المحاذية لسورية والأردن والسعودية.ويبذل رئيس الحكومة حيدر العبادي جهداً كبيراً في إثبات وجود القوات النظامية وتقييد الميليشيات المساندة للجيش، ولكن غير المنضبطة، وزار قاطع عمليات الفلوجة مرات عدة، ويوم الأربعاء الماضي أمضى ساعات مع المقاتلين على خطوط التماس، إذ قال مرافقوه إنه وصل إلى منطقة لا تبعد عن سواتر «داعش» سوى بضع مئات من الأمتار، في محاولة لإثبات جديته وقوته، أمام رأي عام صار يتهمه بالضعف أمام الأزمات المتلاحقة التي تواجه البلاد. وبدأت الأوساط الشيعية تناقش، بنحو جاد، تأثير هذه الخروقات على مستقبل العراق السياسي، وإمكانية أن يتعرض قادة ميدانيون وساسة لملاحقات قانونية دولية، إلى جانب تأثير ذلك على العلاقات الإقليمية والدولية في وقت يحتاج العراق إلى شتى أنواع الدعم السياسي والاقتصادي، لمواجهة تنظيم وحشي عابر للقارات، إلا أن هناك آثاراً داخلية أخرى لا تغيب عن السجال المحلي.فصور وفيديوهات الانتهاكات ضد المدنيين أو المشتبه فيهم، يجري استغلالها من «داعش»، للتأثير على سكان المدن الأخرى التي تنتظر معارك وشيكة تهدف إلى تحريرها من قبضته، وعلى رأسها الموصل التي يقطنها نحو مليون ونصف المليون نسمة، يأملون الخلاص من سطوة الجماعة المتشددة، لكنهم يستشعرون قلقاً شديداً من «نزعة الانتقام» التي بدت خلال الحملة الإعلامية الأخيرة المعترضة على أداء القوات العراقية في معارك الفلوجة، رغم كل التقدم المفاجئ أحياناً، الذي تحققه بغداد ومساندوها في قواطع العمليات. ويقول خبراء إن الأهالي في الموصل يراقبون بقلق ما يحصل في الفلوجة، وسيكون لذلك أثر في تعاطفهم مع «داعش»، خوفاً من «انتقام الميليشيات»، ما دعا كثيراً من الحلفاء الدوليين إلى التأكيد في الحوار مع بغداد، أن الفلوجة تعتبر اختباراً لما سيجري في الموصل، وهو في النهاية اختبار لتماسك بغداد نفسها، التي تواجه «داعش»، والميليشيات المنفلتة، واحتجاجات وصلت إلى حد الاعتداء على مقرات الأحزاب في العاصمة والبصرة مركز صناعة النفط وأماكن أخرى، لتراجع الخدمات والركود الاقتصادي الحاد.
أخبار الأولى
الموصل «تراقب» الفلوجة... والعالم ينبه بغداد لخطورة الانتهاكات
11-06-2016