لقاء المنفى
يوم الأحد الماضي دعاني الشاعر كريم شعلان لاحتفالية تقيمها المجموعة الثقافية للكنديين العرب في بيت زيتون الفلسطيني في مدينة تورنتو، التي ضمت مجموعة من الكتاب والفنانين العرب المهاجرين. الاحتفالية كانت مناسبة للتعرف على هؤلاء الكتاب الذين توزعوا على مدن كندية مختلفة تضم بعضهم ملتقيات خاصة كرابطة الأقلام في مونتريال، ومثلها الروائيان أسامة علام وخالد ذهني صاحب رواية سيزيرين، ومجموعة تورنتو النشطة التي احتفت من قبل بالروائي صنع الله ابراهيم وابراهيم نصر الله وسنان أنطون. ما ميّز الأمسية هو تنوع الفعالية التي ضمت الشعر والرواية والفن التشكيلي والمسرحي، واستمرت أربع ساعات. فقدم الفنانون كريم رسن وفراس البصري وزينة مصطفى مجموعة من أعمالهم الفنية التي جسدت حياتهم في الوطن والغربة. التجارب التي قدمها الفنانون والكتاب عن سيرهم الذاتية القصيرة، والتي سبقت أعمالهم كانت مؤلمة جدا. فلم يكن خروج هؤلاء المبدعين من أوطانهم هو سياحة فكرية أو رغبة في المنفى، وإنما معاناة مع الأنظمة التي أجبرتهم على مغادرة أوطانهم واختيار المنافي، بعد أن ضاقت بهم هذه الأوطان الممتدة من الخليج إلى المحيط.
حين دخلت القاعة لم أكن أعرف غير صاحب الدعوة كريم شعلان وثلاثة أو أربعة أشخاص قابلتهم في فعالية سابقة، وكنت حزينا جدا لأننا حتى في بلد الغربة نعاني شتاتا وتفرقنا مدن متباعدة يصعب علينا فيها اللقاء بشكل دوري. ورغم ذلك كانت فرصة اللقاء بالأخوة الكتاب والفنانين والتعرف إلى أعمالهم وإنتاجهم الأدبي مناسبة تبعد هذا الاغتراب الثقافي. فالمهجر الذي أصبح ضرورة وربما صفة دائمة لنا في هذا الوضع المتردي والمتهالك لأوطاننا العربية يجبرنا على التعايش معه والتفاعل بين مجموعاته المتناثرة سواء في كندا أو بقية العواصم التي يتوزع فيها عدد كبير من الكتاب والفنانين العرب.الجهد الجميل والكبير الذي تقدمه المجموعة الثقافية للكنديين العرب لجمع شتات المثقفين يحتاج إلى ما هو أكثر من الجهد التطوعي للأخوة أعضاء المجموعة، وهم يقومون بكل هذا دون دعم حقيقي أو رعاية مؤسسية، ويعانون أيضا غياب الضوء الإعلامي عن أعمالهم الرائعة. المهجر هنا يفتقد جريدة أو نشرة أدبية تقوم بتسليط الضوء على هؤلاء الكتاب والفنانين الذين ما زالوا يخدمون لغتهم الأم، ويسهمون في إثراء الحركة الأدبية العربية، ويعيشون شبه عزلة عن الوطن الأم.هؤلاء الكتاب هم أبناء أوطانهم وإن اغتربوا لظروف قاهرة ولأسباب مختلفة، وما يقدمونه من نتاج أدبي وفني ينتمي لبلدانهم لغة وتراثا وفكرا، وهم لم يخرجوا عن ثقافتهم العربية، ولذلك لن تهتم بهم المؤسسة الإعلامية الكندية، ولن تدعهم المكتبة الأجنبية. وسينتهي جهدهم حين يعجزون عن الاستمرار ويغلبهم اليأس في التواصل مع عالمهم الذي غادروه. ويعانون اغترابا مضاعفا حين تتجاهلهم حتى الجالية التي ينتمون اليها، والتي تهتم كثيرا بالحفاظ على هويتها الدينية. فلدينا عدد كبير من دور العبادة يتنافس الجميع في إنشائها، وتساهم كثير من الشخصيات والسفارات العربية في دعمها، لكننا لا نجد مركزا ثقافيا واحدا نستطيع أن نجتمع فيه. ولا يجد الفنان جدارا يعلق عليه لوحاته.