قصص حقيقية من ساحات المحاكم

غرام التلميذة وانتقامها

نشر في 12-06-2016
آخر تحديث 12-06-2016 | 00:04
No Image Caption
عاشت مريم مراهقتها بأسوأ ما يكون. تعلقت بأستاذها وفسرت إشارات الحب والحنان بطريقة خاطئة، وعندما تأكدت أنه لا يبادلها الحب تحولت المشاعر البريئة إلى حقد دفين، لترتكب التلميذة حماقات قادتها إلى أخطاء وخطايا أفقدتها ثقة الجميع بها، وأولهم الأستاذ الحبيب.
رنّ جرس المدرسة معلناً نهاية “الفسحة” في إحدى مدارس اللغات الخاصة للبنات بالعاصمة المصرية، وانطلقت التلميذات إلى فصولهن في حالة من الهرج وكانت أسرعهن “مريم”، التلميذة في الصف الثالث الإعدادي، التي دخلت إلى فصلها بسرعة، واستعدت لاستقبال حصة اللغة العربية.

لم تكن تهوى اللغة العربية، إنما كانت تذوب عشقاً في أستاذ المادة، “جمال” الشاب الوسيم خفيف الظل، الذي استولى على قلوب معظم تلميذاته لأسلوبه الرشيق في شرح قواعد اللغة العربية لهن.

سقطت “مريم” فريسة حب من طرف واحد، بدأت في تتبع حركات أستاذها “جمال” ابن الذوات الذي مارس التدريس حباً في هذه الوظيفة لا سعياً وراء المال، فهو من أسرة ميسورة الحال، لذلك بذل مجهودات خرافية لتيسير اللغة العربية للطالبات. إلا أن “مريم” لم تفهم هذا الأمر وظنت أن حنان “جمال” عليها هو الحب، وبدأت تأويل حركاته ونظراته على أنها عشق، لم تلحظ أنه يوزع ابتساماته على الجميع ويحنو على الطالبات.

بدأ درس اللغة العربية وانتهى، ولم تستمع “مريم” إلى كلمة منه ولم تستوعب شيئاً، لأنها ظلت تتابع الأستاذ “جمال” بنظراتها الهائمة، وعقلها مشغول بأمور أخرى بعيداً عن دروس اللغة، اجتاحها حلم يقظة جميل عاشته بكل إحساسها، تخيلت نفسها ترتدى فستان الزفاف الأبيض، وتجلس في “الكوشة” وإلى جوارها أستاذها الوسيم “جمال”، ثم انتقلت بحلمها الوردي الجميل إلى تخيل عش الزوجية الذي يجمعها بأستاذها، وقد رفرفت عليهما سعادة لا توصف ولا تنتهي.

كان حلماً جميلاً لم تستيقظ منه الصغيرة “مريم” إلا عندما رن جرس نهاية الحصة، ولمحت فارس أحلامها الأستاذ “جمال” يلملم أوراقه ويغادر الفصل فقفزت من مكانها وهرولت خلفه ثم استوقفته بسؤال قائلة:

* أستاذ جمال أنا مش فاهمة الدرس ده كويس... ممكن أبقى إجي لحضرتك وتشرحه لي مرة ثانية؟

رمى الأستاذ “جمال” تلميذته الصغيرة بنظرة عتاب أبوية وأجابها قائلاً:

- “يا مريم أنتِ ما فهمتيش الدرس ده لأنكِ كنتِ سرحانة طول الحصة... عموماً الحصة اللي جاية هأعيد شرحه تاني علشانك وعلشان كل زميلاتك”.

واستدار الأستاذ عائداً إلى حجرة المدرسين غير منتبه إلى أنه ترك التلميذة الصغيرة تقف خلفه ترمقه بنظرة إعجاب غير اعتيادية، وتتنهد بشدة والسعادة ترقص بين ضلوعها بعد حديثها القصير مع فارس الأحلام.

انتهى اليوم الدراسي وانطلقت التلميذات واستقلين أتوبيسات المدرسة لتقلهن إلى بيوتهن، إلا “مريم” فقد كانت تنتظر والدها الموظف بقسم شؤون الطلبة بالمدرسة ذاتها حتى يعودا إلى البيت سوياً، وما إن شاهدت والدها قادماً نحوها حتى تبدلت قسمات وجهها، واختفت سعادتها البادية عليها ليس خوفاً من والدها وإنما غضباً وحنقاً.

كانت الصغيرة “مريم” تشعر بالغضب لأن والدها مجرد موظف بسيط في مدرستها نفسها، في حين أن أباء زميلاتها أثرياء، ويعملون في وظائف كبرى، وبالتأكيد أغنى من والدها بمراحل. كانت المراهقة الصغيرة تشعر بالعار وقلة القيمة بين زميلاتها كلما شاهدت والدها الموظف البسيط، أو جاءت سيرته بالمصادفة على لسان إحدى صديقاتها. كم تمنت الصغيرة لو كان لها أب آخر غيره، أب غني يعمل في مكان آخر غير مدرستها. كم تمنت لو عادت إلى بيتها بأتوبيس المدرسة، لا سيراً على الأقدام مع والدها. لم تدرك الصغيرة المغرورة تضحيات والدها لأجلها فرغم أن راتبه قليل فإنه حرم نفسه من كل شيء تقريباً كي يلحقها بهذه المدرسة رغم رسومها الباهظة.

انتهاء الحلم

بمجرد وصول “مريم” برفقة والدها إلى البيت، دخلت إلى أمها في المطبخ، وأسرعت الصغيرة تساعدها في تجهيز وجبة الغداء. وبعد الانتهاء من تناول الطعام، هرولت “مريم” إلى غرفة نومها، بحجة أنها ستخلد للنوم قليلاً لتحصل على قسط من الراحة يساعدها في مذاكرة دروسها في المساء. وفي فراشها استلقت المراهقة الصغيرة على ظهرها وراحت تسبح من جديد في بحر أحلام اليقظة التي تهواها وتعيش فيها معظم أوقات يومها، أحلام بطلها الرسمي الأستاذ “جمال” مدرس اللغة العربية الوسيم الذي خطف عقلها وقلبها.

نامت “مريم” على حلم جميل، لكنها استيقظت على كابوس. في المساء، تلقت مكالمة من أقرب صديقاتها وزميلتها التي لا تفارقها طوال ساعات الدراسة وكاتمة أسرارها الوحيدة. أغلقت “مريم” باب غرفتها عليها بإحكام، وجلست تتحدث إلى كاتمة أسرارها وتستمع منها باهتمام كبير.

قالت الزميلة عبر الهاتف بصوت حزين:

* عندي لكِ خبر وحش يا مريم.

انقبض قلب المراهقة الصغيرة وسألت صديقتها:

- خير إيه اللي حصل؟

* أنا سمعت أن الأستاذ “جمال” خطب ميس “نوال” مدرّسة العلوم.

كاد قلب الصغيرة “مريم” يتوقف من هول الصدمة، صرخت في صديقتها بأعلى صوتها تنهرها والغضب يتملكها:

- إيه الكلام الفارغ اللي بتقوليه ده... أنتِ أكيد جرى لمخك حاجة.

لم ترد الصديقة، فضلت الصمت على مواجهة صديقتها الغاضبة، فراحت “مريم” تقول بابتسامة استهزاء:

- دي أكيد إشاعة طبعاً، إشاعة بايخة كمان، جمال مش ممكن يعمل كده.

قالت الصديقة بصوت حزين:

* للآسف مش إشاعة، الخطوبة كانت من يومين، والمدرسة كلها عارفة الحكاية دي، إلا أنتِ يا مريم.

لم ترد المراهقة الصغيرة على كاتمة أسرارها، ألقت بالتليفون في عصبية وتملكتها حالة مجنونة وانهارت باكية.

قصة خطوبة الأستاذ “جمال” والمدرسة “نوال” لم تكن مجرد إشاعة أو قصة من وحي خيال التلميذات في المدرسة كما توهمت تلميذة الإعدادية “مريم”، كان أستاذ اللغة العربية يعيش فعلاً قصة حب ملتهبة مع مدرّسة العلوم. سقط الأستاذ “جمال” في غرام “نوال” بمجرد رؤيته لها أول مرة، كانت فائقة الجمال، خمرية البشرة، طويلة، ممشوقة القوام، وأجمل ما فيها نظرات عينيها الساحرة التي تسقط أعتى الرجال في شباكها في لحظات.

قصة حب

لفترة غير قصيرة ظلّ الأستاذ “جمال” يكتم حبه الكبير للأستاذة “نوال” في قلبه. كان يكتفي بأن يراها كل يوم ويطير من الفرحة إذا رمقته بنظرة حانية. أما إذا تحدثت إليه فكانت الدنيا تدور برأس أستاذ اللغة العربية الوسيم الخجول. وعلى الجانب الآخر، كانت “نوال” تؤمن بالمثل الشعبي المصري “التقل صنعة”، فلا تظهر إعجابها لزميلها الأستاذ “جمال” بسهولة، كانت واثقة من حبه الكبير لها، أرادت، بتجاهلها المتعمد له، أن تشعل النيران أكثر في قلبه ليتحرك ويقر بغرامه لها.

خطة بنات حواء التقليدية أفلحت للمرة المليون بعد المليار، دفعت نيران الحب الأستاذ العاشق ذات يوم إلى طلب الجلوس معها على انفراد في المكان الذي تختاره، تظاهرت “نوال” بالاندهاش بينما في حقيقة الأمر كانت السعادة تغمر قلبها، تمنعت قليلاً وقالت في جدية مصطنعة:

* خير يا أستاذ “جمال”... اتكلم أنا سمعاك.

أحس الشاب الخجول بالحرج فقال في تردد:

- أصل الموضوع مهم و...

لم يكمل الأستاذ “جمال” كلامه من فرط خجله، وخشيت “نوال” أن يهرب الرجل من أمامها فقالت باسمة لتهدئ من روعه:

* قول كل اللي في قلبك... أنا موافقة.

كانت كلمات “نوال” تصريحاً للأستاذ “جمال” بأن يتجرأ ويصرح لها بحبه وطلبه الزواج منها، ووافقت مدرّسة العلوم والفرحة بين الضلوع تكاد تنطق في جميع ملامحها. حددت له موعدا لزيارتها في بيت أسرتها، لإتمام تفاصيل الزواج.

وبالفعل تمت خطبة الأستاذ “جمال” والمدرسة “نوال” في حفلة صغيرة ببيت أسرتها، واقتصرت على حضور قلة من أفراد أسرتيهما.

جنون الحب

طار النوم من عيني الصغيرة “مريم” بعد مكالمة صديقتها، التي أخبرتها بالحقيقة المؤلمة. ظلت جالسة ممسكة بكتاب دراسي تتظاهر باستيعاب دروسها في حين أن عقلها كان مشغولاً بخبر خطوبة فارس أحلامها الأستاذ “جمال” على “نوال”، غير مستوعبة للحقيقة بأن خطبة الأستاذ على زميلته هي التطور الطبيعي، وألا فرصة لديها، وهي الفتاة التي ودعت الطفولة منذ أمس، لكنها عاندت المنطق، وحاولت طمأنة نفسها قائلة:

- لا طبعاً ده كلام فارغ.

ثم تراجعت في حزن قائلة لنفسها أيضاً:

- تبقى مصيبة لو الكلام ده صح. ده أنا أموّت نفسي.

صباح اليوم التالي لم يكن للتلميذة الصغيرة “مريم” همّ إلا التأكد من خبر خطوبة فارس أحلامها الأستاذ “جمال” من المدرسة “نوال”.

في المدرسة انطلقت “مريم” مثل المجنونة تسأل كل من تقابله عن صحة الخبر، ولم تتلق المراهقة الصغيرة إلا رداً واحداً على سؤالها: “أيوه الأستاذ “جمال” خطب ميس نوال”. كان هذا الرد أشبه بالسكين الذي ذبح المراهقة الصغيرة بدم بارد. كانت تتلقاه بابتسامة باهتة ونظرة زائغة.

انتهى اليوم الدراسي بالنسبة إلى “مريم” قبل أن يبدأ. أسرعت تستأذن في الانصراف والعودة إلى البيت لشعورها بتعب مفاجئ، وسمحت إدارة المدرسة للصغيرة بالانصراف، لتعود “مريم” إلى بيتها، ثم أغلقت بابها عليها لتنهار في بكاء مرير.

لم تنم “مريم” لأيام طويلة، بكت المراهقة الصغيرة كما لم تبك طوال عمرها، ذبل عودها وظهرت عليها آثار المرض والهزال. لكنها ذات ليلة ظلت ساهرة وقلبها يحترق على حلمها الوردي الجميل الذي صنعه خيالها وعاشته طوال العام الدراسي وهو ينهار أمام عينيها، الرجل الذي أحبته ها هو يضيع منها، وامرأة أخرى في طريقها للاستيلاء عليه، غضبها العارم مما سمعته من صديقتها فتح الباب على مصراعيه للشيطان حتى يتسلل إلى عقلها ويمتلك روحها، ويلقي عليها فكرة مجنونة كان عليها أن تنفذها صباح اليوم التالي لتنقذ حبها من الضياع، وحتى لا يطير حبيبها من بين يديها.

غرام وانتقام

كانت خطة “مريم” مجنونة فعلاً. كان عليها أن تنفذ دورها بكل دقة وحرفية، وكان الدور يتطلب أن تذرف الدموع أنهاراً، وتصرخ بأعلى صوتها أثناء وجودها في المدرسة لتقنع الجميع بأن الأستاذ “جمال” حاول التحرش بها داخل دورة المياه، وزين لها الشيطان النتائج مؤكداً أن الأستاذ في محاولاته إبعاد شبح الفضيحة عنه لن يجد أمامه إلا أن يطلب يدها للزواج، وبذلك ستضرب “مريم” عصفورين بحجر، ستتزوج من فارس أحلامها الرجل الذي تذوب فيه عشقاً، وتبعد عنه “نوال” أو أي امرأة أخرى تفكر في الارتباط به. بدأت “مريم” في تنفيذ خطتها بإصرار يدفعه الحب الذي تحول إلى حقد ورغبة مجنونة في الاستحواذ.

بالقرب من دورة المياه، صرخت “مريم” بأعلى صوتها، ذرفت دموع التماسيح بإتقان هائل، اصطحبتها إحدى المدرّسات إلى غرفة ناظر المدرسة، جلست أمام الجميع تبكي وتؤكد أن الأستاذ “جمال” مدرّس اللغة العربية استدرجها إلى دورة المياه وحاول التحرش بها. لم تحتمل “نوال” سماع الباقي. غادرت غرفة الناظر ودموعها تسبق خطواتها بينما وقف الأستاذ “جمال” مذهولاً غير مصدق ما يدور حوله. راح الرجل يصرخ في الجميع محاولاً تكذيب كل ما يخرج على لسان التلميذة الصغيرة.

بمجرد أن سمع والد “مريم”، موظف شؤون الطلبة بالمدرسة، الخبر أسرع محاولاً الفتك بالأستاذ “جمال”، ولكن المدرّسين حالوا دون أن يصل الأب الغاضب إلى الأستاذ البريء، الذي لم ينقذه من الموت المؤكد سوى حضور رجال الشرطة إلى المدرسة، فاقتادوه لتحرير محضر له بأقوال التلميذة الصغيرة “مريم”.

أنكر الأستاذ “جمال” رواية تلميذته المراهقة جملة وتفصيلاً أمام رجال الشرطة وأمام وكيل النائب العام، وأصر على أقواله حتى بعدما وجهت له النيابة تهمة هتك عرض فتاة قاصر، وقررت إحالته محبوساً إلى محاكمة عاجلة أمام محكمة جنايات القاهرة، وجاء موعد المحاكمة، ووقف الأستاذ “جمال” ينفي ارتكابه تلك الجريمة، وطلبت هيئة المحكمة عرض التلميذة “مريم” على الطب الشرعي، وجاء التقرير ليؤكد أن المراهقة الصغيرة لم تمس وأنها ما زالت عذراء، لتقضي هيئة المحكمة ببراءة الأستاذ من التهمة المنسوبة إليه.

وقالت المحكمة في حيثيات حكمها: “إن الواقعة ليس عليها شهود رؤية، كما أن تقرير الطب الشرعي أكد عدم لمس التلميذة المجني عليها من الأصل... ومن غير المتصور أن تتم الواقعة بالشكل الذي جاء على لسان المجني عليها، خصوصاً أن المدرسة تكتظ بالتلميذات ووالد المجني عليها يعمل فيها”.

وبعد البراءة، عادت الابتسامة لترتسم على وجه الأستاذ “جمال”، ولكنها ابتسامة ممزوجة بالمرارة والحزن، لأنه رغم إعلان براءته أمام الجميع، خسر خطيبته “نوال” التي كانت أول من صدق أنه من الممكن أن يرتكب مثل هذه الجريمة المشينة، فتخلت عنه في عز المحنة، لذلك عندما حاولت أن تعود إليه بعد ثبوت براءته رفض استكمال العلاقة بينهما، شعر بأن ثقته فيها انعدمت، وأدرك أنها ستتخلى عنه في أي أزمة مستقبلية يقع فيها.

الخطة الشيطانية التي نفذتها المراهقة الشريرة “مريم” خرج الجميع منها خاسراً، وكانت هي على رأس الخاسرين، إذ خسرت ثقة الجميع فيها. أدرك الكل أنها مجرد كاذبة فاشلة تصطنع الأكاذيب لأجل شهوة الاستحواذ والتملك، فتعاملوا معها كفتاة غير ناضجة. الأهم أنها خسرت الرجل الذي أحبته يوماً، ولم تعد تراه بعدما غادر المدرسة إلى الأبد.

مريم تسقط في حب من طرف واحد وتكتفي بلغة النظرات

خطبة جمال لزميلته تفجر نار الغيرة في قلب المراهقة الولهانة

المراهقة الطائشة تدبر مكيدة شيطانية تنتهي بخسارة الجميع
back to top