أيقن كمال الشناوي أن طريق التمثيل لن يكون سهلا، وأنه محفوف بكثير من المشاكل والعراقيل، فطرأت على ذهنه فكرة أن يعود إلى حبه القديم، الذي عشقه إلى جانب التمثيل والرسم، وهو حب الموسيقى والغناء، الذي لايزال بداخله لم يغادره، فقرر أن يتجه بكل قوة إليها، خاصة أنه سبق أن درسهما في المعهد الملكي للموسيقى، غير أنه لم يكمل دراسته به بسبب الأسرة، لكنه الآن رجل مستقل يستطيع أن يمارس هواياته بحرية، ويختار العمل الذي يحبه، فنصحه بعض الأصدقاء بالاتجاه مباشرة إلى الإذاعة للتقدم لاختبارات الأصوات، واعتماده مطربا بالإذاعة.

لم يتردد كمال وسارع على الفور بالتقدم لاختبارات الإذاعة كمطرب، وما إن تحدد له موعد للاختبار، حتى راح يتدرب مع صديقه القديم أحمد فؤاد حسن على أغنية "يا ورد مين يشتريك" للمطرب والموسيقار محمد عبدالوهاب، التي غناها في اختبارات قبوله بمعهد الموسيقى الملكي، وبالفعل أداها بشكل جيد جدا أمام لجنة الاختبار بالإذاعة التي أجازته بالفعل، واعتمدته مطربا بالإذاعة المصرية، وتقرر له أن يقدم 4 أغنيات شهريا، فوافق على الفور وهو يطير فرحا، واتجه إلى إدارة العقود لتوقيع العقد:

Ad

= ألف مبروك يا أستاذ كمال... الإذاعة كسبت النهارده صوت جميل.

* الله يبارك فيك متشكر أوي... بجد عجبتك.

= أنت هايل يا أستاذ ما شاء الله عليك... صوت مميز وده يفرق كتير في الإذاعة وسط الأصوات الكتيرة.

* أنا ممنون جدا.

= اتفضل أمضي هنا... هاتغني 4 أغنيات مقابل تمنتاشر جنيه في الشهر.

* تمنتاشر جنيه... معقولين.

= ده حلو أوي يا أستاذ... ده من سنة واحدة بس كان ممكن يبقوا اتناشر ولا حتى تسعة جنيه.

* لا لا كده معقول... بس أنا ليا شرط... هو مش شرط لكن طلب.

= طلباتك أوامر يا أستاذ.

* أنا بس عايز يتكتب في العقد أن يتم تقديمي في الإذاعة قبل الأغاني بلقب "الأستاذ كمال الشناوي".

= هو مين ده الأستاذ كمال الشناوي؟

* أنا.

= وحضرتك بتأستذ نفسك ليه... خير إن شاء الله؟

* ده حقي يا أخي... زي ما بتقولوا الآنسة أم كلثوم... الشيخ زكريا أحمد... والموسيقار محمد عبدالوهاب... يبقى الأستاذ كمال الشناوي.

= إيه الكلام ده يا أستاذ... طب أم كلثوم لأنها آنسة فعلا لسه ماتجوزتش... وزكريا أحمد لأن الراجل بدأ حياته شيخ واللقب استمر معاه... وعبدالوهاب لأنه مش مطرب بس... ده في الأساس ملحن وموسيقار... أنت بقى أستاذ في إيه إن شاء الله؟

* في الرسم.

= رسم إيه يا أستاذ؟ أنت جاي تضيع وقتنا ولا إيه؟... مش تحمد ربنا إنك قبلت في الإذاعة... كمان عايزنا نقدمك للناس على أنك أستاذ؟

* ما فيهاش حاجة... وده حقي.

= حقك ندهولك بينا وبينك مش قدام الناس كلها... لكن نقولك قدام ميكرفون الإذاعة يا أستاذ.. أهو ده اللي مش ها يحصل أبدا... ما فيش لا أستاذ ولا بيه ولا أفندي... واحمد ربنا إن اسمك هايتقال كده وحده... فحضرتك عايز تمضي العقد على كده أهلا وسهلا... مش عايز شوفلك إذاعة تانية تأستذك.

لم يكن كمال الشناوي يعشق الألقاب، لكن أدرك أنه لن يكون مميزا إلى جوار العديد من الأصوات المهمة التي تنتشر على الساحة، فأراد أن يكون مميزا بلقب يسبق اسمه، فيثير الاهتمام، فهو لا يريد أن يكون مجرد "كمالة" عدد في أي مجال يتطرق إليه، فرفض أن يكون كذلك في الإذاعة، مثلما رفض أن ينافق مخرجا ليحوز فرصة في التمثيل، أو يخضع لأوامر مدير المدرسة باتباع الأساليب الكلاسيكية في التدريس، وتحمل النقل من القاهرة إلى الإسكندرية ومن إسكندرية إلى أسيوط التي لم يعد منها إلا بوساطة الأميرة شويكار.

الاختيار الصعب

قرر كمال الشناوي أن يتفرغ لفن الرسم، باعتباره الفن الأنسب له بعد الذي لمسه في كل التجارب السابقة، فالرسم فن فردي، علاقة حميمة بين اللوحة والرسام، لا ثالث لهما يمكن أن يفسد بينهما العلاقة، بخلاف الغناء في الإذاعة الذي يخضعه لأوامر غيره، والنجاح فيه يعتمد إلى جانبه، على الملحن والشاعر الذي سيكتب كلمات أغانيه، وكذلك فن السينما باعتباره عملا جماعيا، يشارك فيه كاتب القصة، ثم كاتب السيناريو والحوار، والمصور ومهندس الديكور، وواضع الموسيقى التصويرية، والممثلون، وقبل كل هؤلاء وبعدهم، المخرج الذي تكون له الكلمة الأولى والأخيرة، ولابد أن يكون راضيا عن عمل الآخرين، أضف إلى ذلك أن أيا من هؤلاء يمكنه أن يفسد العمل كله، إذا ما تدخلت الأهواء الشخصية، ومن الذي يحكم على الآخرين بأن ما يقدمونه الصواب، ودونه الخطأ؟!

إذا كان للسينما دور ثقافي وتنويري، إلى جانب دورها الترفيهي، فإن للفن التشكيلي ورواده في مصر، دورا لا يقل أهمية عن دور رواد التنوير الفكري، فطرأت على رأس كمال الشناوي فكرة تأسيس "رابطة الرسامين" في منتصف عام 1947، لتكون أشبه باتحاد يجمع الرسامين، يسهمون من خلاله بأنشطتهم الفنية والثقافية والرياضية، فضلا عن الرحلات التي تنظمها الرابطة، التي يمكن أن تكون أيضا ملتقى للفنانين التشكيليين، يتعارفون من خلاله، وينظمون المعارض الفنية، فذاع صيت الرابطة في الوسط التشكيلي، لما لها من أنشطة متعددة.

ورغم انشغال كمال الشناوي بهذه الرابطة وأنشطتها، فإنها لم تستطع أن تنسيه حب السينما، خاصة كلما طرح فيلم جديد في إحدى دور العرض، يشعر بأن حبها يزداد شيئا فشيئا، ومقاومته تجاهها تنهار مع دخوله أي دار عرض، حتى أنه لا يترك مناسبة يمكن أن يحتك فيها بالسينما، لدرجة أن إدارة المدرسة عندما سمحت له بأن يصطحب الطلبة في جولات خارجية، للقيام برسم مناظر حرة، قرر اصطحاب الطلبة في جولة إلى استديو مصر، لمشاهدة ديكورات البلاتوهات، وكيف يتم بناؤها، والألوان والخامات التي يتم استخدامها في رسم المناظر، غير أنه ما إن دخل إلى الاستديو وبدأ الطلبة جولتهم في البلاتوه لمشاهدة المناظر، حتى انتحى بمدير البلاتوه جانبا وفاجأه:

* ممكن أطلب من حضرتك طلب.

= أوي أوي يا أستاذ اتفضل.

* أنا ليا رجاء شخصي إني أشوف حجرات الممثلين.

= إيه؟!

* أنا عارف إنه طلب غريب... بس هو رجاء شخصي.

= أيوه بس... دي أوض صغيرة وعادية ما فيهاش أي حاجة تلفت النظر... ولا فيها حاجة الطلبة ممكن يشوفوها.

* لا لا الطلبة مش هايدخلوها... أنا بس اللي ليا هدف أدخلها وأتفرج عليها.

= زي ما أنت عايز... اتفضل.

باب السماء

مر كمال على حجرات الممثلين، غير أنه وجدها حجرات عادية، بداخل كل منها سرير صغير يكفي بالكاد لشخص واحد، ودولاب صغير من دلفتين، ومرآة كبيرة بطول الممثل وكرسي، غير أنه لم تكن هي التي في خياله، فسأل مدير البلاتوه عن حجرة الممثل الأول أو النجم، فدله عليها وهو في دهشة من طلبه، غير أن كمال دخلها وأغلق الباب، كمن يدخل محرابا، كانت مختلفة عن بقية الحجرات، حجرة تليق بنجم سينمائي، فراح ينظر إليها في حنين، ويتلمس كل قطعة أثاث فيها، ثم اتجه إلى نافذة الحجرة، ليشاهد أمامه الأهرامات قريبة من الاستديو، وأشجار النخيل التي تفتح ذراعيها للسماء الصافية، فوقف كمال ورفع ذراعيه ونظر للسماء وراح يدعو:

* يا رب... يا كريم ييجي علي يوم وأكون أنا الممثل الأول في الأوضة دي... يا رب اسمع مني واستجيب دعائي وحقق لي أمنيتي بأن أكون ممثل سينما ونجم كبير.

انتهت الزيارة وعاد كمال بالطلبة، وهو لا يغيب عن ذهنه كل ركن من أركان حجرة "الممثل الأول"، ويتذكر دعاءه الذي دعا به إلى الله، وكأن أبواب السماء كانت مفتوحة في تلك اللحظة.

في اليوم نفسه، وبينما يجلس كمال على مقهى "ريتس" بشارع الفن "عماد الدين" كعادته اليومية، إذا به يجد أمامه أحد الأصدقاء القدامى الذي تعرف إليه خلال فترة عمله في أسيوط، وهو الفنان جلال مصطفى، أو كما أطلق عليه "فاجنر الصعيد"، حيث كان بارعا في العزف على البيانو، وتقديم حفلات موسيقية تنال إعجاب الجميع، غير أنه لم يجد حظه في مدينته مسقط رأسه أسيوط، فقرر أن ينزح إلى القاهرة، وما إن التقى كمال حتى راحا يجتران أجمل الذكريات:

= هاهاها.. واحنا اللي كنا فاكرين انك هاتنزل تغزو مصر وتبقى نجم سينمائي كبير.

* وحياتك أنا كنت فاكر كده زيك وأكتر... وكنت فاكر أن السينما هتفتح لي دراعاتها... لكن بقى الأحلام والطموحات شيء والواقع شيء تاني.

= وماله الواقع؟ وقوللي عمل فيك إيه؟

* الدنيا كانت ماشية حلو... وكنت خلاص هاخد بطولة فيلم، بس بقى.....

= بس إيه... إيه اللي حصل؟

* قابلت مخرج اسمه عبدالفتاح حسن... عقدني من السينما والتمثيل ومن كل حاجة في الدنيا.

= هاهاها... كده! وطبعا عنها وهربت من أول معركة.

* وهي دي معركة؟.... دي إبادة وحياتك... القصد مافيش بخت.

= مين قال كده؟... قوم تعالى معايا.

* على فين؟

= هأخليك تقابل أخويا وهو ها يتصرف.

* أخوك؟... وهايقدر يعمللي إيه؟

= أخويا مخرج كبير دلوقت وممكن يشغلك معاه.

* أنت! أخوك مخرج؟ ويبقى مين ده أخوك؟

= نيازي مصطفى.

* أنت أخو المخرج الكبير نيازي مصطفى... أنت بتتكلم جد؟

= وهي دي حاجة فيها هزار؟... طبعا أخويا.

* مش عارف أقولك إيه... طبعا مقابلته أمنية كبيرة.

= طب عال أوي... قوم بينا يلا.

كان كمال الشناوي يائسا من تحقيق أي أمل له في السينما بعد لقائه مع المخرج عبدالفتاح حسن، فأراد أن يكون متحفظا في لقائه مع المخرج نيازي مصطفى، الذي كان رغم حداثة عهده بالسينما، نوعا مختلفا من المخرجين الموجودين على الساحة السينمائية.

اللقاء المرتقب

رغم أنه سيذهب لمقابلة نيازي مصطفى بتوصية من شقيقه جلال، ورغم ما يعرفه وعرفه عن هذا المخرج وقدراته، لم يشأ كمال الشناوي أن يتعلق بأمل جديد، وما إن حدد له جلال موعدا مع شقيقه، حتى وضع كمال ما جرى في لقائه مع المخرج عبدالفتاح حسن، نصب عينيه، حتى لا يكرر ما حدث، فحرص على أن يكون متحفظا في حديثه معه، وألا يبدي رأيه في السينما الحالية، وما يجب أن تكون عليه، غير أن نيازي كان عكس ما توقع تماما، كان ودودا مرحا، له عقلية متفتحة، يحب الحوار والنقاش، ورغم ذلك كان يسأل كمال، فيرد باختصار شديد وباقتضاب، ولاحظ نيازي ذلك:

= إيه يا بني، أنت ما بتحبش الكلام ولا إيه؟

* إيه... لا يا افندم بالعكس.

- هاهاها.. لا يا سيدي أصله بقى عنده عقدة من الكلام من بعد مقابلة عبدالفتاح حسن... المقابلة إياها اللي قلتلك عليها.

= أيوا بس ده ما يخلكش تبقى متحفظ كده... الدنيا واسعة والفن وجهة نظر... ومافيش حد بيعمل حاجة ترضي كل الناس... ولازم تلاقي ناس تشجعك وتثني على شغلك، وناس يكون لها رأي مخالف ومش عاجبها اللي بتعمله... المهم أنك تشتغل لا تتأثر بالمدح ولا بالذم

* أنا سعيد جدا بالكلام اللي باسمعه ده.

= وأنا كمان هأكون سعيد لو اشتغلت معايا.

* أنا هأشتغل معاك.

= أيوا.. أنا بأحضر لفيلم جديد... وأنت هاتكون بطله.

* بطل الفيلم... أنا؟!

= أيوا أنت... أنا اقتنعت بك كممثل... سيب لي رقم تليفونك أو أي وسيلة اتصال بك... وهأكلمك خلال شهر، بعد ما نخلص التحضير علشان نبدأ التصوير.

ترك كمال الشناوي اسمه وعنوانه ورقم هاتفه، وخرج لا يعرف ماذا يفعل؟ هل يطلق لفرحته العنان ويعيش اللحظة ويفرح لما أسفر عنه اللقاء؟ أم لا يبالغ في فرحته، وينتظر الشهر الذي وعد المخرج نيازي مصطفى بأنه سيتصل به خلاله؟!

في الحالتين وجد كمال الشناوي أنه راض عن اللقاء، وأن عمله في السينما مسألة وقت لا أكثر، وأن حلم البطولة السينمائية أصبح وشيك التحقق، وزاد من إحساسه بقرب تحقيق الحلم، انتشار خبر المقابلة مع نيازي مصطفى، سواء من خلال الصحف والمجلات، التي راحت تؤكد مقابلة المخرج نيازي مصطفى مع بطل فيلمه الجديد، الذي سيكون مفاجأة السينما المصرية، أو من خلال العاملين في الوسط الفني الذين راحوا يعاملون كمال الشناوي على اعتبار أنه النجم السينمائي المنتظر، وهو إحساس راق جدا له، فبدأ يتحدث بلغة النجوم، يتصرف تصرفاتهم، يمشي ويصافح بطريقتهم، كما لم يعد يجلس على المقاهي التي يجلس عليها الكومبارس والباحثون عن أدوار في السينما والمسرح، بل يرتاد مقاهي النجوم، ولوقت قليل، لأن جل وقته يقضيه في البيت إلى جوار الهاتف في انتظار المكالمة المنتظرة من المخرج نيازي مصطفى، خشية أن يتصل وهو غير موجود، فتضيع الفرصة التي انتظرها طويلا.

البقية الحلقة المقبلة

جماعات الفنانين التشكيليين

لم تكن "رابطة الرسامين" التي أسسها كمال الشناوي سنة 1947 هي الأولى من نوعها، حيث كان للفن التشكيلي ورواده في مصر، دور مثّل مساهمة ملموسة في حركة الكفاح الوطني من أجل الحرية والاستقلال وتأكيد الهوية الوطنية، ومن بين هؤلاء الفنانين محمود سعيد، محمود مختار، يوسف كامل، وراغب عياد، محمد ناجي، وغيرهم، ومع مطلع القرن العشرين توالى في مصر ظهور العديد من الجماعات الفنية التشكيلية، ففي عام 1928 أسست "جماعة الخيال" برئاسة المثال محمود مختار، جاءت بعدها "جماعة هواة الفنون الجميلة" بالإسكندرية عام 1929، ثم أسس "المجمع المصري للفنون الجميلة" برئاسة محمد صدقي الجباخنجي عام 1932، بعده تكونت "رابطة الفنانين المصريين" في عام 1936، التي استمرت إلى مطلع الأربعينيات لتظهر "جماعة الفن والحرية" التي ضمت أسماء ورواداً كباراً في التشكيل المصري، منهم فؤاد كامل ورمسيس يونان، وجورج حنين، ثم تكونت بعدها "جماعة الفن الحديث" التي تألفت من فنانين أيضا لهم دورهم الكبير، منهم الفنان جمال السجيني، وصلاح يسري ومحمد حامد عويس.

نيازي مصطفى

لم يكن طريق المخرج نيازي مصطفى ممهدا حتى يحتل مكانته المميزة كواحد من رواد السينما المصرية، فبعد أن ترك مدينته أسيوط، وانتقل إلى المدرسة الثانوية في القاهرة، اشترك في مجلة سينمائية كانت تصدر بلندن، وعقب حصوله على البكالوريا سافر إلى ألمانيا وعمره 16 عاماً لدراسة العلوم السينمائية في معهد ميونيخ، بعد أن ادعى لأسرته أنه سافر لدراسة الهندسة، لكنه أخبرهم بعد فترة بالحقيقة فوافقوا، ليعود بعدها نيازي إلى مصر، بعد حصوله على شهادة تؤكد أنه أول مصري يحصل على دراسة أكاديمية في الإخراج السينمائي، ليعمل فور عودته مساعد مخرج مع يوسف وهبي، كما كتب سيناريو وتأليف فيلم "الدفاع"، غير أن النقلة الكبيرة له جاءت حينما التقى الاقتصادي المصري الكبير طلعت حرب الذي عيّنه في معمل التحميض والطبع الذي أنشأه فوق "مطبعة مصر"، ثم عين رئيسا لقسم

"المونتاج" منذ اليوم الأول لافتتاح استديو مصر، ليبدأ مشواره بإخراج فيلم تسجيلي عن شركات "بنك مصر".

عقب نجاح الفيلم، قدم نيازي عدة أفلام تسجيلية ودعائية وروائية قصيرة، كما تولى توليف "المونتاج" للأفلام الأولى التي أنتجها "استديو مصر" مثل "وداد، لاشين، والحل الأخير" غير أنه ما لبث أن تولى مهمة الإخراج، حيث قدم أول أفلامه الروائية "سلامة في خير" عام 1937 من بطولة نجيب الريحاني الذي فُتحت شهيته لتقديم أفلام أخرى بعدما كان أعلن اعتزاله السينما وتفرغه للمسرح، وكل ذلك لأن الفيلم قدّمه في صورة مغايرة لما سبق أن قدّم على الشاشة، ثم قدّم عام 1939 فيلم "الدكتور"، ثم قدم مع الريحاني فيلمهما الثاني "سي عمر" عام 1941، وهو العام نفسه الذي قدم فيه فيلم "مصنع الزوجات" الذي لم يحقق النجاح التجاري المنشود، لأنه كان يدعو إلى تحرر الفتاة المصرية وضرورة تعليمها، وتضافرت ضد نيازي عوامل أخرى، منها الرقابة وهجوم الصحافة والنقاد، فتخلى عما كان يحلم به وبدأ يفكر في الوصول إلى النجاح التجاري الذي تحقق في صورة كبيرة في فيلم "رابحة" من بطولة بدر لاما وكوكا، وأصبح الفيلم علامة مميزة في أفلامه، وقدم في العام نفسه فيلم "طاقية الإخفاء"، وبدأت تتحدد ملامح سينماه وحدودها التي تنوعت ما بين أفلام الكوميديا والحركة والمغامرات البدوية، أو ما يطلق عليها "الوسترن العربي" وأفلام الحيل والخدع السينمائية والأفلام ذات الصبغة الاجتماعية، وإن اعتمدت على الحركة والمغامرات.