قصص حقيقية من ساحات المحاكم

الماضي يعود دوماً

نشر في 13-06-2016
آخر تحديث 13-06-2016 | 00:04
No Image Caption
لم تجد ياسمين الحنان في بيت والديها، بحثت عمن يحتويها فلم تجد إلا شلة الأنس والفرفشة في الجامعة، لتبدأ قصة انحرافها بسيجارة حشيش وشمة هيروين، ورغم أنها عثرت على الحب في صورة الشاب النقي «علي»، فإن الماضي عاد ليطاردها وينهي قصة الحب في قسم شرطة.
«ياسمين» بنت جميلة لكنها مستهترة، فرغم أنها من أسرة تنتمي إلى طبقة ثرية، عاشت حياتها بالطول والعرض. الفتاة التي بحثت عن الحنان الأسري لم تجده في بيت مؤسس على أحدث طراز، فالأب غائب عن البيت في عمله شبه الدائم، والأم نادرا ما تكون في البيت، إذ تمضي معظم أوقاتها مع صديقات النادي المنهمكات في تبادل قصص النميمة، لتجد «ياسمين» نفسها في مواجهة الفراغ. كان من السهل أن تندفع في طريق الانحراف.

كانت البداية عن طريق إحدى صديقاتها خلف أسوار الجامعة. اكتشفت «ياسمين» التي لم تكمل عامها الحادي والعشرين أنها وصديقتها الجديدة تشتركان في أمور أهمها الوحدة والفراغ، فبدأت الصديقتان البحث عن وسيلة لشغل وقت فراغهما الكبير. انضمتا إلى شلة الفساد في الجامعة، شلة من المنحرفين، أولاد وبنات لا يعرفون عن الجامعة سوى «التزويغ» من المحاضرات وتنظيم الرحلات والخروج والسهرات. عرّفوا أنفسهم بـ «شلة الأنس والفرفشة»، وفي إحدى الرحلات لشلة الفساد قدم لهما أحد الأصدقاء حلا لقتل الفراغ على طبق من فضة، سيجارة حشيش.

نفثت «ياسمين» دخان أول سيجارة حشيش في حياتها، ومنها انطلقت إلى عالم الوهم والخيال الذي عشقته، وارتفعت الطالبة الجامعية بخيالها أكثر بمرور الأيام وارتفع معدل تدخينها لسجائر الحشيش، حتى أصبح المخدر اللعين بجرعات مرتفعة لا يؤثر فيها. كان إدمانها كاملاً، راحت تبحث عن مخدر آخر يعيد إليها دنيا الوهم التي عشقتها، وبسرعة البرق عثرت على ضالتها في مخدر الهيروين، وهكذا سقطت الطالبة الجامعية في الفخ، أدمنت مسحوق الموت الأبيض بعد مرور شهر، ومن أول شمة.

السقوط

لم يكن إدمان الهيروين النهاية، وإنما بداية لأمر أخطر. تحت تأثير المخدر بدأت «ياسمين» التي رفضت كل من حاول الاقتراب من قلبها، تبيع جسدها لمن يمنحها شمة هيروين، ويوماً بعد آخر سقطت طالبة الجامعة في هوة سحيقة، وانسحب جمالها ونضارتها بفعل المخدر، وابتعد عنها الأصدقاء والمعارف الذين كانوا يسعون بكل طاقتهم إلى التقرب إليها، ولكن بعدما ذاقوا حلاوتها انصرفوا عنها الواحد تلو الآخر، تاركين خلفهم حطاماً بشرياً. حتى شلة الفساد في الجامعة بدأت تنفر منها بعدما أصبحت امرأة سهلة المنال، وساد همس حولها وأُطلق عليها لقبها الأكثر شهرة «ياسمين لكل الرجال».

أفاقت «ياسمين» على هذه الحقيقة المرة ذات يوم، وقفت أمام المرآة وجدت وجهها الذابل قد راح جماله، توارى تناسق جسدها بعدما عبر عليه كل راغب متعة، بكت كثيراً، لكن لم يكن أمامها سوى متابعة طريقها إلى النهاية. بعد خراب مالطة، انتبه والدا «ياسمين» لأمرها لأول مرة، فلاحظا ذبولها وطلبها الدائم لأموال كثيرة، فسألتها والدتها:

* «أنتِ بتعملي إيه بالفلوس اللي بتطلبيها دي كلها؟

أجابت «ياسمين» وهي تصرخ في هيستريا:

- عاوزة أشتري تذكرة هيروين.

سقطت كلمات الابنة كالصاعقة على رأس الأم والأب، أدركا أن ابنتهما ضاعت منهما، فأسرعا بها إلى إحدى كبريات مستشفيات علاج المدمنين في محاولة لعلاجها وإنقاذها من الضياع في عالم الإدمان. استجابت «ياسمين» لمحاولات والديها، وقررت الذهاب إلى المستشفى لتلقي العلاج أملا في بداية جديدة.

في المستشفى، بكت «ياسمين» ندماً على الحال التي وصلت إليها. قررت الابتعاد نهائياً عن تعاطي الهيروين لتستعيد ولو بعض جمالها القديم. قاومت رغباتها وشيطانها وتوقفت فعلاً عن تعاطي المخدرات لأشهر طويلة، خاضت مع الإدمان معركة شرسة، ورغم أنها تلقت علاجاً مكثفاً وخرجت من أزمتها جزئياً إلا أنها كانت أشبه بحطام إنسان.

قرر والداها حبسها في غرفتها بعد خروجها من المستشفى، وعزلها تماماً عن شلة «الأنس والفرفشة». منعا خروجها من البيت وحرماها من الأموال حتى لا تشتري المخدر اللعين مجدداً. هكذا نصحهما الأطباء في مستشفى علاج الإدمان، لتعيش «ياسمين» أحلك أيام حياتها كسجينة في البيت، فتولت والدتها أمر حراستها نهاراً ووالدها مساء. لكن نظام المراقبة الذي أثبت فاعليته في البداية، سرعان ما أصابه الخلل مع عودة الأب إلى عمله والأم إلى شلة النادي، لتجد «ياسمين» أبواب سجنها مفتوحة.

انحراف حاد

ورغم العلاج، كانت آثار انسحاب مخدر الهيروين تداهم «ياسمين»، وهي آلام رهيبة كما وصفها مدمنون، تحملتها «ياسمين» في البداية، لكن سرعان ما تراجعت مقاومتها، لتتابع انحرافها الحاد. فذات ليلة انهارت مقاومة «ياسمين» بشكل نهائي، فخرجت في غياب والديها إلى الشارع كالمجنونة تبحث عن شمة هيروين تعيد إليها توازنها. لم يكن معها جنيه واحد، لذا رفض تاجر المخدرات منحها شمة الهيروين «على النوتة»، توسلت إليه قبلت قدمه بلا فائدة.

خرجت من عند التاجر غائبة عن وعيها، استوقفت سيارة فارهة وركبت إلى جوار سائق السيارة الشاب، عرضت عليه جسدها مقابل المال، وافق وأمضت معه ليلتها، وبالمال اشترت تذكرة هيروين. في الصباح، أفاقت «ياسمين» في فراش الشاب الغريب لتدرك ما فعلته ليلة أمس. لم تندم ولم تشعر بفداحة فعلتها، بل استهزأت بكل شيء وقررت متابعة طريقها في الدنيا هكذا كما هي، مدمنة هيروين وبائعة هوى.

عادت «ياسمين» إلى منزلها من دون أن يشعر والداها بأنها نامت خارج البيت، هنا اختمرت فكرة شيطانية في رأس الفتاة الطائشة، قررت متابعة طريقها الذي بدأته بالأمس، ولكن عبر الزواج العرفي لتمارس الرذيلة بأمان من مطاردة رجال مباحث الآداب، ومن حصيلة الرذيلة تنفق على شراء الهيروين، مضت في طريق اللاعودة.

تزوجت عرفياً أكثر من عشرة رجال ممن باعت لهم جسدها خلال أشهر عدة، اختارتهم أثرياء، كانت مدة الزواج العرفي تتراوح ما بين 15 يوماً وشهر، وفي نهاية المدة تطلب من زوجها تمزيق نسخة العقد التي يحتفظ بها معه، بينما كانت «ياسمين» تحتفظ بالنسخة الأخرى على سبيل الذكرى، وهكذا جمعت مبلغاً لا بأس به انفقته على تعاطي مخدر الهيروين.

الغريب أن كل الرجال الذين مروا على «ياسمين» لم يتركوا فيها أثراً واحداً، وربما لا تتذكر ملامح أي منهم، ولكن شاء القدر أن تلتقي الفتاة الطائشة ذات يوم أثناء ذهابها إلى الجامعة بشاب ثري اسمه «علي»، سقطت في حبه من أول نظرة، لتنقلب حياتها رأسا على عقب. بدّلها الحب 180 درجة. عاد عقلها إلى رأسها عندما زادت نبضات قلبها، واتخذت الفتاة المستهترة أهم قرار في حياتها، قررت الابتعاد نهائياً عن المخدرات والتوقف عن بيع جسدها تحت غطاء الزواج العرفي. حتى السيجارة العادية ألقت بها «ياسمين» إلى غير رجعة حتى لا تغضب حبيبها «علي».

بدأت «ياسمين» حياة جديدة نظيفة، عادت إلى وجهها نضارته، استعادت روحها المرحة. رجعت إلى الانتظام في دراستها بالجامعة، وقررت أن تصبح إنسانة جديدة تليق بحبيبها. تعددت لقاءات الحبيبين وزاد تعلق «ياسمين» بحبيبها. بادلها «علي» الشاب البريء المشاعر الصادقة وعرض عليها الزواج، وطارت الفتاة من الفرحة. رقص قلبها بين ضلوعها، أحست أن الدنيا أخيراً ابتسمت لها، وأن ماضيها الأسود مات ودفن، ولكن الفتاة التي كانت ذات يوم مستهترة لم تكن تدري أن الماضي لا يموت.

ذكرى سيئة

في عزّ فرحة «ياسمين» تذكرت آخر زيجة عرفية لها. انتبهت أن الشاب العربي الذي غادر إلى بلاده بعد 15 يوماً من زواجه بها، لم يمزق ورقة زواجهما العرفي مثل من سبقوه من أزواجها. جلست في غرفتها تفكر في حل للخروج من هذه الورطة، فهي شرعاً ما زالت في عصمة هذا الشاب العربي الذي لا تعرف عنه شيئاً سوى اسمه وبلده، وتدفقت الأفكار السوداء في رأس الطالبة الجامعية، فماذا لو تزوجت من حبيبها «علي»، وبعد أشهر أو حتى سنين فوجئت بهذا الشاب العربي يقدم ورقة زواجهما العرفي لزوجها؟!

لم تنم «ياسمين» ليالي طويلة، ضاعت منها الفرحة التي حاولت أن تقبض عليها بيد من حديد. عاد الماضي ليطاردها ويدمر لحظة اقتربت فيها من أن تنسى الذكريات. لم تجد حلا لهذه الكارثة والذكرى السيئة إلا عندما قصت حكايتها على أحد المحامين الذي قدم لها الحل على طبق من ذهب، قال لها المحامي بثقة: «كل مشكلة ولها حل... وكل حل وله ثمنه».

بعد أسبوع، تلقت محكمة مدني العجوزة دعوى براءة ذمة من شاب عربي، قال فيها إنه تزوج من «ياسمين» عرفياً لمدة 15 يوماً ثم طلقها وسلمها مؤخر الصداق وكل حقوقها الشرعية، وأن الهدف من إقامة الدعوى إبراء ذمته من هذه الزيجة العرفية.

حدّد رئيس المحكمة جلسة لمناقشة الدعوى، ولكن الغريب أن الشاب العربي صاحب الدعوى لم يحضر الجلسة ولا أي شخص من طرفه، والأغرب أن الزوجة «ياسمين» ومحاميها حضرا الجلسة، وأصرا على الفصل في القضية على أساس أن «ياسمين» صاحبة مصلحة، رغم أن المفروض قانوناً شطب القضية لعدم حضور المدعي.

لم يكن الأمر برمته سوى حيلة ذكية من المحامي الداهية، فهو بنفسه الذي أقام الدعوى باسم الشاب العربي، حتى يحصل من المحكمة على قرار يفيد بطلاق «ياسمين» من صاحب الدعوى بهذه الحيلة الخبيثة، ولكن الحيلة الذكية لم تنطل على رئيس المحكمة الذي طلب من المحامي وموكلته تقديم أي مستند يفيد زواجها من صاحب الدعوى، وفعلاً قدمت «ياسمين» عقد زواجها العرفي من الشاب العربي، ولاحظ رئيس المحكمة أن العقد كتب فيه أن «ياسمين» مطلقة، وبمناقشة الزوجة اعترفت بأنها تزوجت عشرة رجال سابقاً، وفي المرة الأخيرة لم تتأكد من تمزيق ورقة الزواج الموجودة مع زوجها العربي، فلم تجد سوى هذه الحيلة القانونية التي طرحها عليها محاميها لتتمكن من الزواج بالشاب الذي تحبه وطلب يدها للزواج، لتقضي هيئة المحكمة برفض الدعوى.

خرجت «ياسمين» من قاعة المحكمة لتسرع إلى حبيبها «علي» وتؤكد له أن زواجهما سيتأخر قليلاً. طلبت منه أن يمنحها فرصة لإقناع والدها العنيد الرافض بشدة لزواجهما. لم تجد أمامها كذبة محبوكة غير تلك الكذبة حتى تحتفظ بحبيبها إلى أن تجد حلاً للورطة التي سقطت فيها بسبب كثرة نزواتها في مرحلة سقوطها، ولكن كما يقولون «تأتي الرياح بما لا تشتهي السفن»، فبينما كانت تسابق الزمن لتجد حلا لمشكلتها وقع ما لم يخطر ببالها.

سقوط الأقنعة

ذات يوم وبينما كانت «ياسمين» تقود سيارتها بجوارها محاميها الخاص في طريقهما إلى مكتبه، لمحها حبيبها «علي» بالمصادفة وهو يقود سيارته في الشارع نفسه من دون أن تلتفت «ياسمين» إليه، فقد كانت شاردة في تبعات زواجها العرفي المعلق. انقبض قلب الحبيب الشاب وتساءل في حيرة «من يكون الشاب الجالس إلى جوار محبوبته وإلى أين يتوجهان؟».

قرر «علي» مراقبة محبوبته. انطلق بسيارته وراء سيارة «ياسمين» تاركاً مسافة مناسبة حتى لا تراه، وفي نهاية المراقبة شاهدها تتوقف أمام إحدى العقارات في حي العجوزة المطل على نيل الجيزة، وتصعد إليها وبصحبتها الشاب الغريب، فكر أن يصعد وراءهما ولكنه تراجع وظل جالساً داخل سيارته، ليرى كم من الوقت ستمضيه «ياسمين» داخل العقار مع هذا الشاب الغريب.

ساعتان بالتمام والكمال وخرجت بعدها «ياسمين» من العقار بمفردها، استقلت سيارتها وتوجهت إلى بيتها مباشرة وخلفها عن بعد سيارة المراقبة التي يقودها حبيبها «علي» الذي تملكه الشك، وبدأت الأفكار السوداء تسيطر عليه تدريجاً، لذلك تناول هاتفه الجوال وبدأ الاتصال بـ «ياسمين»، التي ردت عليه غير مدركة أنه يسير بسيارته خلف سيارتها لا يفصل بينهما سوى بضعة أمتار، سألها متصنعا الحب والحنان:

* أنتِ فين يا حبيبتي. بأكلمك من بدري تلفونك مقفول؟

ردت «ياسمين» بثبات فتاة متمرسة على الكذب:

- ماعلش يا حبيبي أصلي كنت في الجامعة... ولسه مخلصة المحاضرات حالا... هأركب عربيتي وهأرجع البيت على طول.

تأكد «علي» أن حبيبته كاذبة، ولكنه تمالك أعصابه وحوّل دفة الحوار ليبدو طبيعياً وطلب منها أن يلتقيا صباح اليوم التالي لأنه اشتاق إليها كثيراً، في الموعد المحدد... كان اللقاء الأخير.

واجه «علي» محبوبته «ياسمين» بمراقبته لها بالأمس وتأكده من كذبها عليه، وحاولت «ياسمين» المراوغة واختراع أكاذيب أخرى ولكن من دون جدوى، اتهمها «علي» بالخيانة وأنها على علاقة مريبة بالشاب الذي كان معها بالأمس، ولم تجد «ياسمين» مفراً من اطلاع حبيبها على الحقيقة كاملة وتاريخها الأسود كله بداية من إدمان المخدرات مروراً بزيجاتها العشرة السابقة، مرة واحدة سقطت جميع الأقنعة أمام «علي» الذي أصيب بصدمة عمره.

انتهت «ياسمين» من سرد حكايتها لينهال عليها الشاب المخدوع ضرباً في الطريق العام، فتدخل المارة واقتادوا «علي» و»ياسمين» إلى قسم الشرطة فحررت الفتاة المستهترة بلاغاً ضد «علي» بالاعتداء عليها والتحرش بها في طريق عام، بعدما تأكدت من ضياعه منها إلى الأبد، وأن الماضي يعود دوما ليرسم الحاضر ويحدد وجهة المستقبل.

ياسمين فتاة ثرية مستهترة عاشت حياتها بالطول والعرض

انضمت إلى شلة الفساد في الجامعة فوقعت في الإدمان

والدها قرر حبسها في غرفتها بعد خروجها من مستشفى علاج المدمنين

لجأت إلى الزواج العرفي لتأمين القيمة المالية للمخدرات التي تتعاطاها
back to top