طال جلوس كمال الشناوي إلى جوار الهاتف، في انتظار المكالمة الأهم في حياته، التي ينتظرها من المخرج نيازي مصطفى، حيث انقضى الشهر ولم تصله المكالمة، وانقضى بعد الشهر شهر آخر، دون إشارة من قريب أو بعيد لتحقيق الحلم، ما زاد من قلقه، حتى انتقل القلق لأصدقائه المقربين، وراح بعضهم يعرض عليه أن يذهب إلى مكتب نيازي مصطفى، ليسأل عن سبب التأخير، أو يهاتفه، فربما كان هناك سبب للتأخير، غير أن كبرياء كمال منعه من ذلك، فعرض عليه صديقه فريد شوقي أن يقوم هو بالاتصال، ليعرف سبب التأخير، فردَّ عليه ردا قاطعا:

* رقم تلفوني وعنواني عنده... وأكيد لو عايزني كان كلمني.

Ad

- يعني أنت لا عايز تتصل ولا عايز تسيبني أتصل أنا.

* صحيح أنا بأحب التمثيل وهاموت على الفرصة دي، لكن كرامتي أهم عندي من أي حاجة.

- كرامة أيه بس يا أخي؟ ده شغل يا كمال... وشرف أمي شغل.

* وهو الشغل لازم يكون على حساب كرامتي؟

- أنا مش عارف أيه حكاية الكرامة اللي ناقحة عليك أوي دي... هو حد داسلك على طرف؟... ممكن تسيبني أتصرف.

* يووه يا فريد... اعمل اللي أنت عايزه.

بالفعل ذهب فريد شوقي إلى مكتب المخرج نيازي مصطفى، وتحدث معه، فكانت المفاجأة التي لم تكن في الحسبان، أن الورقة التي كتب فيها اسم وتلفون وعنوان كمال الشناوي فُقدت منه، وظل طيلة شهر يبحث عنه، ولأنه لم يكن معروفا لأي من العاملين في الوسط الفني، فلم يستطع أن يعثر له على أثر، حتى فاتحه فريد شوقي في الموضوع، فبادر على الفور بالاتصال بكمال الشناوي، ووضح له الأمر، وطلب منه سرعة الحضور في صباح اليوم التالي، لتوقيع عقد الفيلم المنتظر "غني حرب"، من إنتاج الشركة التجارية المصرية، والذي كتب له القصة والسيناريو والحوار أبوالسعود الإبياري، ليخرجه نيازي مصطفى.

الفيلم الأول

شعر كمال الشناوي بأنه طائر فوق السحاب، وأنه استطاع أن يمسك النجوم بيديه، فقد أصبح قاب قوسين أو أدنى من تحقيق الحلم، الذي ظل يراوده لسنوات طويلة، ليس فقط حلم التمثيل، فقد حانت له أكثر من فرصة ليصبح ممثلا، غير أن حلمه المؤجل دائما كان ليدخل التمثيل من باب "النجومية" يشارك في عمل يصبح من خلاله البطل الأول، وها هو الحلم يتحقق، من خلال فيلم "غني حرب"، الذي ربما كانت البطولة الأساسية فيه للفنان الكبير بشارة واكيم، ومعه الفنان حسن فايق، غير أن البطولة الشبابية لكمال الشناوي، تشاركه البطولة فيه الفنانة الشابة إلهام حسين، الزوجة الأولى للفنان أنور وجدي، ومعهما فريد شوقي، والراقصة هاجر حمدي، وليلى فوزي، وزوجها المطرب والممثل عزيز عثمان، ومحمد كمال المصري.

انعكس إحساس النجومية على تصرفات كمال الشناوي، ليس على المحيطين به من أصدقاء ومقربين فحسب، بل أيضا على صُناع الفيلم أيضا، ووضح ذلك عندما ذهب ليوقع العقد مع شركة الإنتاج، فقد سبق ووقع كمال على العديد من العقود، إلا أن هذا العقد له وقع خاص في نفسه، فهو بمثابة شهادة ميلاده التي سيخرج بها إلى دنيا النجومية، لذا حرص كمال على أن يستعد له استعدادا خاصا، نفسيا وشكليا، فذهب وهو في كامل أناقته يزهو كالطاووس، وما إن أمسك بالعقد في يده، ونظر فيه، حتى أعاده مرة أخرى إلى رشاد الشوا، منتج الفيلم، ليفاجئه بما طلبه:

- أيه... أنت بتقول أيه يا أستاذ... عايز أجر 500 جنيه حتة واحدة؟

* أيه، كتير؟

- كتير أيه يا أستاذ... أنت بتقول كلام مش ممكن يحصل... إزاي تطلب 500 جنيه؟

* وأيه المشكلة؟

- المشكلة إن ده رقم كبير جدا... إذا كان الأستاذ بشارة واكيم واخد 100 جنيه... وليلى فوزي ماكملتش 100 جنيه... وأنت عايز تاخد في أول فيلم 500 جنيه.

* وفيها أيه؟ أنا أستحق أكتر من كده.

- ومين اللي يقول إنك تستحق ولا ما تستحقش... مش لما تشوف الفيلم هاينجح ولا لأ تبقى تقول أستحق وما استحقش.

* أطمن يا أستاذ... طالما أنا بطل الفيلم لازم ينجح.

- أنت مغرور أوي يا أستاذ!

البطل الأول

شعر كمال الشناوي بحرج شديد، مما قاله له المنتج رشاد الشوا، واتهامه له بالغرور، واضطر لأن يتنازل عما طلبه، وافق بالحصول على مئتي جنيه، غير أنه ظل محتفظا باعتداده بنفسه، وإحساسه بقيمته، وفي اليوم التالي، ذهب إلى استديو مصر، ليستكمل تحقيق بقية الحلم، ويجني الثمرة الثانية فيه، ذهب ليجلس في حجرة "الممثل الأول" بالاستديو، تلك الحجرة التي وقف بالأمس القريب في شرفتها، ودعا الله أن يحقق له أمنيته، بأن يعود إلى هذه الحجرة وقد أصبح نجما وممثلا أول، وها هو الحلم يتحقق، غير أنه ما إن وصل إلى الاستديو، حتى صُدم صدمة كبيرة، فقد منح المخرج نيازي مصطفى حجرة الممثل الأول للنجمة إلهام حسين، فيما أعطى له حجرة مثل بقية حجرات الفنانين الآخرين، فشعر بأن حلمه قد نزع منه جزء مهم، فجلس مهموما يفكر فيما يفعل، حتى غلبه حلمه، فذهب إلى حجرة إلهام حسين، وقص عليها حكاية حلمه، فضحكت، حتى كادت تسقط من الضحك، فيما وقف كمال ينظر إليها، وقد انتابته لحظة ندم على أنه باح لها بأحد أهم أحلامه، وقبل أن تتملكه لحظة الندم، وتتحول إلى غضب، فوجئ بإلهام تطلب من مساعدتها أن تجمع ملابسها وأشياءها وتذهب بها إلى غرفة كمال، لتفرغ له حجرة الممثل الأول، وسط دهشته من نبل أخلاقها وتفهمها لموقفه بهذه السهولة.

تعاملت إلهام حسين مع الموقف ببساطة، غير أن جميع من حولهم لم يتعاملوا مع الأمر بنفس البساطة، فسرعان ما انتشر الخبر بين جميع العاملين في الاستديو، من ممثلين وفنيين وعمال، بل تخطى الأمر الاستديو، فوصل إلى الوسط الفني كله عبر الصحافة، وأصبح الممثل الناشئ الذي تركت له إلهام حسين حجرتها، حديث الساعة، ولم يكن الخبر يروى على اعتبار أن فنانة تركت حجرتها لفنان ناشئ، بل تم تطوير الخبر، وإشاعة أن هناك قصة حب وليدة في كواليس فيلم "غني حرب"، فكان الخبر خير دعاية للفيلم، قبل أن ينتهي تصويره، وراح المنتجون والمخرجون يتوافدون على استديو مصر، لمشاهدة الوجه الجديد الذي وقعت النجمة إلهام حسين في حبه، لدرجة أنها تركت له غرفتها، فتنبه لذلك النجم أنور وجدي، الزوج السابق للفنانة إلهام حسين، ووضع هذا الوجه الجديد على خريطة مراقبته، كما زار الاستديو المنتج والمخرج حلمي رفلة، ليفاجأ بأنه سبق وتعرف إلى هذا الوجه الجديد:

- أنا شوفتك فين قبل كده؟

* أنت ذاكرتك قوية أستاذ حلمي... فعلا شوفتني لما جيت مع الصديقة اللبنانية اللي كنت بتعمل لها اختبار.

- أيوا أيوا بالظبط افتكرت... وفاكر يومها أنا قلتلك أيه؟

* فعلا... مش ممكن أنسى اليوم ده، لأنك يومها طلبت مني أني أمثل.

- يعني أنا كان عندي بُعد نظر من بدري.

* بالظبط يا أستاذ... دي فراسة أحييك عليها.

- يعني أنا اللي كان ليَّ السبق... قول بقى لأستاذك نيازي مصطفى إني أنا اللي اكتشفتك مش هو.

لم يغادر حلمي رفلة استديو مصر قبل أن يوقع مع كمال الشناوي عقود ثلاثة أفلام، "عدالة السماء" من إخراج أحمد كامل مرسي، و"سجى الليل" من إخراج هنري بركات، و"حمامة السلام" من إخراج حلمي رفلة نفسه، كما زارت الاستديو المنتجة والفنانة آسيا داغر، وقامت بالتوقيع مع كمال عقد فيلم "العقاب"، الأمر الذي زاد من إحساس كمال بنفسه وتماديه في غروره، فقبل أن يبدأ تصوير فيلمه الأول، قام بتوقيع عقود أربعة أفلام جديدة، فظن أن السينما تبحث عن وجه جديد يصلح لأدوار الفتى الأول خفيف الظل، وخاصة أن النجوم الموجودين على الساحة، أمثال: أنور وجدي، وحسين صدقي، وعماد حمدي، ومحسن سرحان ويحيى شاهين، يقومون بالأدوار التراجيدية الثقيلة، فأيقن أن السينما المصرية تفتح ذراعيها لفتاها الجديد، لتجدد دماءها، ولم يكن يعلم أن السبب الرئيسي في هذا التهافت عليه، قبل أن يروا تمثيله، هو محاولة استغلال تلك الشائعة عن حب إلهام حسين له، ولم يكن لأي منهما دخل في ذلك.

غرور النجومية

لذلك كله حرص المخرج نيازي مصطفى، منذ اليوم الأول للتصوير، على أن يكسر الغرور الذي لمسه في كمال الشناوي... فرغم إعجابه به وبقدراته كممثل، فإنه تعمَّد أن يتعامل معه بحدة واستفزاز، من أجل إخراج كل ما لديه من طاقة، ويعيد تدريبه وتعليمه كيفية الوقوف أمام الكاميرا، والتمثيل للسينما، الذي يختلف إلى حد كبير عن التمثيل على خشبة المسرح، لخوفه من أن اكتشافه وممثله الخاص الذي يصنعه بيده، يمكن أن يكون الغرور سببا في فشله قبل أن يبدأ، غير أن ذلك سبَّب ضيقا لكمال، لكن كان عليه أن يتحمَّل ثمن النجومية.

حرص كمال الشناوي أثناء تصوير الفيلم، على ألا يتجاوز حدوده مع النجمات اللاتي يشاركن معه في الفيلم، فرغم ما أشيع حول علاقة الحب التي ولدت بينه وبين إلهام حسين، ورضاها وارتياحها لهذه الشائعة، ورغم إعجابه الشديد بها، فإنه حرص على أن يظهر غير ذلك، سواء معها، أو مع الفنانة ليلى فوزي، التي لم يكن يفارقها زوجها الفنان عزيز عثمان لحظة واحدة، وخاصة أنه مشارك في الفيلم، كما لفت نظر الراقصة هاجر حمدي، لدرجة أنها أعجبت به، ولم تستطع أن تصارحه، أعجبت بوسامته وأناقته، واعتداده بنفسه، فضلا عن لباقته في الكلام، والأهم من ذلك أسلوب تعامله مع النساء بشكل عام، حيث يحرص على أن يتعامل معهن، كما لم يسبقه غيره في معاملة النساء.

انتهى تصوير فيلم "غني حرب" وراح كمال الشناوي يتهيأ لحضور العرض الأول له في 3 فبراير 1947، الذي جاء على غير العادة، ليعرض أولا في سينما "رويال" بالقاهرة، حيث اشترى بذلة جديدة، وبذكاء النجم الذي يبدأ أولى خطواته، حرص على أن يذهب إلى دار العرض بصحبة الفنانة إلهام حسين، ليؤكد تلك الشائعة عن علاقة الحب بينهما، وجلس إلى جوارها، وتوقع أن يرى اسمه يملأ شاشة دار العرض وهو يسبقه لقب "فتى الشاشة الأول" أو "النجم الجديد" أو شيء من هذه الألقاب، التي اعتاد بعض المخرجين كتابتها إرضاء لنجومهم، غير أنه فوجئ أن اسمه كتب ببنط صغير، وقد أتى الرابع في الترتيب على الشاشة، بعد إلهام حسن وبشارة واكيم وحسن فايق، فأثار ذلك غضبه، غير أنه حرص على ألا يظهر ذلك، وظل طيلة العرض يفكر في كيف يأتي ترتيب اسمه الرابع، ومن المفترض أنه بطل الفيلم، ولم يخرج من حالة الغضب، إلا عند تصفيق الجمهور له مع كل حركة وسكنة يقوم بها، فضلا عن الصفير والهتاف باسمه، وما إن انتهى العرض وأضيئت الأنوار، حتى استقبله الجمهور استقبالا حارا بتصفيق حاد، أعاد له ثقته في نفسه، فالتفت يساره وأمسك بيد إلهام حسين، وراحا يقدمان التحية للجمهور، ثم التفت فجأة عن يمينه، ليجد من لم يتوقع حضوره كان يجلس إلى جواره دون أن يدري:

* أستاذ أنور وجدي... معقول؟! حضرتك هنا بتشوف الفيلم؟

- آه، أهلا وسهلا.

* يا رب أكون عجبتك يا أستاذ.

- مش بطال، كويس يا جمال.

* كمال يا فندم... اسمي كمال الشناوي.

- آه أيوة... كويس أوي يا شناوي... بس باين عليك ولد ذكي أوي... مأجر جمهور يصقفلك؟!

* لا يا فندم أبدا والله... دول تلاميذي.

- أنت لحقت يبقالك تلاميذ.

* لا طبعا يا أستاذ... قصدي دول تلاميذي اللي كنت بدرس لهم رسم... جايين النهاردة يجاملوني وفرحانين بأستاذهم.

- آه كويس... طب يا أستاذ ابقى خلينا نشوفك... طبعا أنت عارف مكتبي في عمارة الأيموبيليا.

شعر كمال الشناوي أن أنور وجدي تعمد التقليل من شأنه عندما أخطأ في اسمه، وخاصة بعد شائعة الحب بينه وإلهام حسين، الزوجة السابقة لأنور وجدي، غير أنه لم يرد أن يفسد على نفسه فرحته بهذا النجاح الكبير في أول أفلامه، الذي راح يتنقل معه من محافظة إلى أخرى، فحضر عرضه الأول أيضا يوم 17 من الشهر نفسه في سينما "ريتس" بالإسكندرية، ثم في 24 فبراير بسينما "مصر" بالزقازيق.

أجمل مصادفة

بعد النجاح الكبير الذي حققه الفيلم، شعر كمال بأنه أصبح نجما، يتعين على كل من حوله أن يعاملوه بما يليق به، حتى إنه لم يعد يرتاد المقاهي التي تعود ارتيادها قبل أن يخوض تجربته الأولى كممثل، بل لجأ مثل كبار النجوم في أوقات فراغهم، يذهبون للجلوس في "بيت الفن"، وهو مكان أشبه بنادٍ اجتماعي، أنشأه "الريجيسير" قاسم وجدي، ليلتقي فيه أهل الفن، من فنانين ومخرجين ومصورين، وكُتاب السيناريو، يتحدثون ويلعبون الورق والزهر، بل ويذهب إليه المنتجون، لاختيار الوجوه الجديدة، وعقد الاتفاقات مع كبار الممثلين والنجوم.

ذهب كمال إلى "بيت الفن" بصحبة صديقه فريد شوقي، وما إن جلس، حتى وقعت عيناه على فتاتين تجلسان بصحبة رجل، يبدو أنه والدهما، حيث يجلس إلى جوارهما، وعيناه تراقبان كل الأعين التي يمكن أن تتسلل إلى فتاتيه اللتين لا تزالان في عمر الزهور، فإحداهما لم تغادر العشرين من عمرها، فيما الأخرى تخطت العشرين بسنوات قليلة، جمالهما مصري خالص، ولم تمنع نظرات الأب عيني كمال الشناوي من أن تتسلل إليهما، وما إن اقترب من مكانهما حتى تعرف عليهما، فأشار إلى صديقه فريد شوقي:

* هو في جمال بالشكل ده؟

- أيوا يا أخويا في... بس في كمان أبوالجمال قاعد زي الصقر... ومش ممكن يسمح لأي حداية تقرب من الكتاكيت بتوعه.

* صقر أيه وحداية أيه؟... يا أخي أنا غرضي شريف.

- حلو... أنت طبيت يا خفيف... أوام كده داخل على جواز.

* أنت بتخرف بتقول أيه؟ غرضي شريف في أننا نتعرف باعتبارنا فنانين زملا.

- لا يا حبيبي... عم شاكر ماعندوش الكلام ده... كان غيرك أشطر.

* هي عفاف الكبيرة مش كده.

- آه... والكتكوتة الصغيرة تبقى شادية... أنت بقى حاطط عينك على مين فيهم؟

* يا أخي بقولك نتعرف باعتبارنا زملا... زمالة بريئة.

- بس يا عم، الرسالة وصلت.

* رسالة أيه؟

- يظهر السنارة غمزت، وأهي عفاف بتبصلك ومش شايلة عينها من عليك... الله وشادية كمان... لا دي حلوت أوي... وشرف أمي طول عمرك محظوظ... أنا اللي أكلملك نيازي مصطفى، وأنت اللي تاخد دور البطولة... وأنا اللي أجيبك هنا بإيديا والسنارة تغمز معاك أنت.

* يا أخي أنت كل حاجة واخدها هزار.

- بس بس أهو والدهم قام وسابهم... اتحرك بسرعة يلا قبل ما يرجع... اتحرك يا جدع.

البقية الحلقة المقبلة

فيلم «غني حرب»

جاء الظهور السينمائي الأول لكمال الشناوي من خلال فيلم "غني حرب"، استوحى أبوالسعود الإبياري موضوع الفيلم من الأحداث الآنية المسيطرة على الساحة، ليست المصرية فحسب، بل والعالمية أيضا، وهي الآثار الاجتماعية والاقتصادية التي خلفتها الحرب العالمية الثانية، التي استمرت أكثر من ست سنوات، وكانت مصر واحدة من الساحات التي دارت فيها أحداث أحد الفصول الأخيرة لهذه الحرب الشرسة، التي شارك فيها أكثر من 100 مليون جندي، وتسببت في مقتل ما بين 50 و85 مليون شخص، ما بين مدنيين وعسكريين، أي ما يعادل 2.5 في المئة من سكان العالم في تلك الفترة، كما تسببت في إنهاك مصر اقتصاديا، وهو ما التقطه الكاتب أبوالسعود الإبياري، ونسج من خلاله خيوط أحداث فيلم "غني حرب".

فبعد أن انتهت الحرب العالمية الثانية، يصيب الثراء بعض التجار المستغلين الذين راحوا يقومون بتخزين البضائع، ولجأوا إلى رشوة موظفي الحكومة، من أجل الحصول على السلع وبيعها بأسعار عالية، تنمو قصة حب بين ابنة أحد تجار الحرب، ورجل فقير، يتصور غني الحرب أنه بماله يمكنه شراء ذمم الآخرين، لكن حبيب ابنته يثبت له أنه لا يُشترى بالمال، فيوافق على زواجهما.