شخصية غنائية متفردة بخصوصيتها
منذ الخطوة الأولى له في مجال الغناء لم يود الفنان عبدالكريم عبدالقادر أن يكون نسخة مكررة لأحد، فبحث عن هوية غنائية تدل عليه، وكلمة تطرب لها الأسماع، وموسيقى تمس الوجدان ضمن أداء متقن مرصع بإحساس فني جميل.

نهل "بوخالد" من كبار المطربين في الكويت والوطن العربي طرق أداء الأغاني، متعرفا على أساليب كثيرة في إيصال الكلمة للمتلقي، مستفيدا من الرواد في الكويت، سعود الراشد ومحمود الكويتي وعوض دوخي، أصالة الغناء وجمال المفردة الكويتية والحس الفني الراقي، ومن المطربين العرب محمد عبدالوهاب وليلى مراد وفريد الأطرش وعبدالحليم حافظ، استمد شرقية الأداء والشجن والجُمل اللحنية الفريدة.

Ad

من هذه المعطيات وغيرها، كوَّن المطرب عبدالكريم عبدالقادر شخصيته الغنائية التي تمثله بإحساسه الفني المتفرد البعيد عن التقليد أو الاستنساخ.

على الرغم من نجاح أغنيته الأولى "تكون ظالم"، واستحسانها من الجمهور، فإن هذا النجاح لم يُنسه هدفه الأساسي في إيجاد شخصية غنائية مختلفة عن السائد، وتستمد أصالتها من التراث الكويتي، فقرر البحث عن أغنيات تشبه واقعه، وتمس مشاعر المتلقي في الكويت والخليج.

يُعبر الصوت الجريح الفنان عبدالكريم عبدالقادر عن الكلمة المغناة والجملة اللحنية بحس فني متفرد، وينهل من مشاعر مرهفة محملة بالشجن، لينثر صدق الإحساس على المتلقي.

ويدأب "بوخالد" على التعبير عن أحلام العشاق، متأملا تحقيق أمنياتهم، رافضاً التخلي عنهم في انكساراتهم، فيرافقهم في "ليل السهارى"، يواسيهم في أحلك الظروف، فلا يفقد الأمل، حتى لو تحول الفرح إلى سراب، فيغني للفرح المفقود، منتظراً مجيئه بفارغ الصبر. وعلى الرغم من قبوله تجرع المرارة على مضض، يظل يردد "عاشق وظل صبري يطول"، متجشماً عناء الصبر، ويدندن "ما نسيناه روحوا قولوله ترانا ما نسيناه".

منذ ولوجه عالم الغناء بحث عن هوية غنائية تمثله، ولايكون من خلالها نسخة مكررة، مؤكداً ضمن هذا السياق لـ"الجريدة"، أنه رفض أن يكون نسخة مكررة لأحد المطربين، مستمداً من اطلاعه على المطربين الكبار في الكويت والوطن العربي الأداء الراقي وصدق المشاعر، ويشير إلى أن الشجن الذي يسكن صوته ليس مفتعلا، بل هبة من الخالق، معتبراً أن الأغنيات الحزينة هي الأكثر ملاءمة لإمكاناته الصوتية.

ويسرد الصوت الجريح تفاصيل أداء أغنية "شوقي سعى بي إلى المدينة"، التي تعد التذكرة الأولى له في مشواره الغنائي، الممتد إلى 5 عقود.

وفيما يلي التفاصيل:

● ماذا تعلمت من الفنانين الرواد؟

- حينما بدأت أتلمس طريقي في الغناء كنت أسمع إلى الفنانين في الكويت، ومنهم سعود الراشد وعوض دوخي ومحمود الكويتي، وتربيت على أصواتهم، وكنت أعتز بهؤلاء الأساتذه، وكنت شغوفا بتحقيق ما وصلوا إليه، لكن بطريقتي وأسلوبي.

وأذكر أنني حينما كنت أغني بحضرة هذه الأسماء كان غنائي على استحياء، لأنهم قامات فنية كبيرة، ولا يمكن مضاهاتهم، لكن أنا منذ البداية كنت أسعى إلى البحث عن ذاتي، وأردت أن تكون لي شخصية فنية مختلفة، لذلك كنت أحرص على متابعة هؤلاء النجوم وغيرهم، للاستفادة من أسلوبهم واكتساب الخبرة، ولا تعرف حجم سعادتي حينما قرر المطرب الكبير سعود الراشد تقديم لحن لي، إذ كان هذا نوعا من الدعم والتشجيع لي من قامة فنية كبيرة، وبُعد نظر وتقدير لقيمة تواصل الأجيال واستمرارها.

وفي مرحلة لاحقة احتضني الملحن الكبير أحمد باقر والملحن الكبير عبدالرحمن البعيجان، وكانا بمنزلة الركيزتين الأساسيتين اللتين استندت إليهما حينما كنت قليل الخبرة وحديث التجربة، فوجدت منهما كل الدعم والتشجيع والتوجيه، وقدمت أعمالا تشكل علامات بارزة في مشواري الفني، منها: "سري الليل"، "وما نسيناه"، "ليل السهاري"، و"نعم نحبك".

ذائقة فنية

● منذ صغرك بدأت الغناء، ما الذي تذكره لنا عن هذه المرحلة؟

- من بواكير حياتي عشقت سماع الأغاني لكبار الفنانين في الوطن العربي، وفي مقدمتهم الفنان محمد عبدالوهاب، ليلي مراد، فريد الأطرش، عبدالحليم حافظ وغيرهم من المطربين، إضافة إلى الأسماء المحلية التي ذكرتها آنفا، فشكلت في البداية ذائقتي الفنية، ثم وجدت تأثير ذلك على اختياراتي وميولي في الغناء، فبت أستمع إلى اللون الشرقي الأصيل، إضافة إلى الأغنيات الشعبية المحلية التي تلامس وجدان المستمع.

وأذكر أنني كنت أدخر من مصروفي لشراء الاسطونات المتوافرة آنذاك، وفي مرحلة لاحقة بدأت أغني في جلسات الأصدقاء والزملاء، فوجدت ثناء كبيرا على إمكاناتي الصوتية وإحساسي بالكلمة واللحن.

نبرة حزينة

● تبحث عن الشجن في أغنياتك، هل تعتقد أن الحزن والألم والمناجاة وحدها التي تناسب إمكانات صوتك، وتستطيع إيصالها إلى المستمع؟

- الحزن الذي يسكن صوتي ليس مفتعلا، فهو هبة من الخالق، وفي نفس كل إنسان الفرح والحزن، لكن بنرة صوتي مؤثرة جدا في الحزن وإحساسي بما أغنيه ينال استحسان الجمهور، لأنه الأكثر ملاءمة لصوتي وإمكاناتي، وأعتقد أن الأغاني الحزينة تحتاج إلى إحساس مضاعف جدا يصل إلى المتلقي بطريقة تلامس فيه وجدانه، وتتقاطع مع ما يشعر به من أحاسيس. وفي المقابل، أنا أخشى إذا غنيت للفرح أن أخذل المستمع الذي يطرب لسماع الحزن والشجن، وهذا لا يعني أنني لم أقدم أغنيات فيها مقاطع فرح وسعادة.

● التزامك بهذا اللون الغنائي على مدى عقود من الزمن، ألم يسبب لك أرقا كبيرا لتجنب الوقوع في التكرار؟

- أعتقد أن التكرار، إن حدث، فلم يكن مقصودا، كما أن المقامات التي دأبت على تقديمها متشابهة نوعا ما، لذلك التشابه ينبع من المقام المنتقى للأغنية، وليس تكرارا لنجاح جملة لحنية أو ثيمة موسيقية جميلة، وهذا التداخل أو التشابه لا يقلل من أهمية الأغنية، لأن كل عمل قائم بذاته، وربما يكون الشاعر والملحن يختلفان عن الشاعر والملحن في الأغنية الأخرى.

وجهات نظر

● هل تحرص على إجراء بعض التعديلات في الكلمة أو اللحن؟

- بالطبع، أناقش الشاعر في الكلمة، ومن خلال هذا الحوار نخرج بنتيجة ترضي الطرفين، ويحدث التغيير، وسيكون للأفضل بقبول المشاعر.

وعلى مستوى اللحن، فإني أطرح وجهة نظري على الملحن، ويستمع لها، ويقارن بين ما قدمه لي ووجهة نظري، فيحدث التقارب في وجهات النظر، ونصل في النهاية إلى صيغة لحنية نهائية ترضينا معا.

وضمن هذا الإطار يجب التعرف على نقطة مهمة، وهي أني أحرص على التعامل مع من أشعر بمشاركته الوجدانية لي، لذلك لا يحدث أي اختلاف بينا خلال تنفيذ مشاريعنا الغنائية، من خلال روح التفاهم السائدة.

● ما الدور الذي لعبه الملحن الكبير يوسف المهنا في تقديمك إلى الجمهور؟

- للفنان يوسف المهنا دور كبير في مشواري الفني، إذ شجعني للولوج في عالم الغناء، ولساني لهج بأول أغنية كانت من ألحانه "شوقي سعى إلى المدنية"، ولم أقدم على غناء هذه الأغنية إلا عقب إصرار منه شخصيا لطرح اسمي في المجال الغنائي، من خلال أغنية أديتها بمناسبة دينية، وكان ذلك في 1967.

وأذكر أن الأغنية قدمت في الإذاعة الكويتية، وحققت نجاحا لا بأس به في تلك الفترة، وأشاد الكثير بصوتي وأدائي، ولم أكن أعلم أن هذه المشاركة ستكون فاتحة خير عليَّ، وبدأ المشوار، واستمر العطاء. وبصراحة لم أكن أتوقع الاستمرار، وظننت أنها مجرد أغنية، وسأذهب في طريقي، لكن هي مشيئة الخالق.

يتميز الملحن الكبير يوسف المهنا بحس فني جميل، ولديه القدرة على صياغة جُمل لحنية مختلفة، وتحمل بصمته، وإضافة إلى أنه فنان متعدد المواهب، فهو ملحن كبير وشاعر قدير، ويستطيع تقديم اللحن العاطفي بمعاييره الدقيقة، وفي الوقت نفسه يلحن الأغنية الوطنية بحرفية عالية، وكذلك يقدم الأوبريتات والأغنيات الرياضية بكل دقة وتمكن، لذلك هو فنان من طراز خاص جدا قدم الكثير من الأعمال الخالدة تغنى بها مطربو الوطن العربي من الخليج إلى المحيط، إضافة إلى ذلك، فقد قدم أصواتا غنائية جميلة، وتنبأ بنجوميتها.

ربما الحديث عن يوسف المهنا يطول، ولا أستطيع اختزاله في بضع كلمات، فهو فنان علم من أعلام الساحة الغنائية في الكويت والساحة العربية، وتاريخه يتحدث عنه، وتعاملت معه في أعمال متنوعة، لكن لم يسعفني الحظ بتقديم المزيد من الأغنيات.

ومن الأعمال التي قدمناها معا: "شوقي سعى بي إلى المدينة"، "أنا الخليجي"، "لبيه يا خليجناه"، "هيدوه"، "وداعية"، "الله معاي"، "الفروع الستة"، "حبي وتقديري"، "حي على الفلاح"، "يا شيخنا يا بن صباح"، "عصفورة ووردة"، "توشحت"، "عاشق الشعب"، "في جبين الشمس"، "الكويت للكويتيين"، "كيف أقنعك"، "بيارق النصر" و"آهات ليلي".

رغبة حقيقية

● عقب هذه الإطلالة الأولى من خلال "شوقي سعى بي إلى المدنية"، احتضنك الملحن الكبير عبدالرحمن البعيجان، حدثنا عن هذه المرحلة؟

- بعد الإشادة بهذه الإطلالة، تعاملت مع الملحن الراحل عبدالرحمن البعيجان في أغنية "تكون ظالم"، ونالت التجربة استحسان الجمهور.

وأراد البعيجان أن أكرر التعاون في أغنية مشابهة لهذا اللون العربي الشرقي، لكن حينئذ أخبرته بأني لا أريد الاستمرار في هذا اللون الغنائي لأني إن أديت ألف اغنية مثل «تكون ظالم» فلن أصبح عبدالحليم حافظ، ولم يدفعني هذا النجاح إلى التخلي عن رغبتي الحقيقية في تقديم عمل فني يحمل هويتي وتراثي، لذلك قلت له إني أبحث عن لحن شعبي يمس وجدان المتلقي المحلي والخليجي، وكما نقول بلهجتنا "أنا أريد أن ألبس هذا الثوب المحبب"، وأيدني في هذا الكلام الشيخ خليفة العبدالله، واقتنع البعيجان بذلك، ثم بدأت مسيرة النجاح والأعمال المميزة، وقدمنا "ليل السهاري"، و"عزيز وغلي"، و"ما نسيناه".

وأذكر كلمة حق في هذا الرجل عبدالرحمن البعيجان، فله في قلبي مكانة كبيرة، وأدين له بفضل كبير، ومن حُسن الطالع أني التقيت بهذا الفارس الفنان، وحينما تعاملت معه وجدت أن ثمة قواسم مشتركة تجمعنا، وكان يفهمني ويفهم طبيعتي واختياراتي.

أول خطوة في الغناء
أول لحن أداه الفنان عبدالكريم عبدالقادر كان بمناسبة دينية، وكانت هذه القصيدة للشاعر محمد محروس والملحن يوسف المهنا:

شوقي سعى بي إلى المدينة

أزور بدر الهدى نبينا

طلبت قرب الحبيب مني

وقلت يا رب لي معينا

كتمت أمري بلغت قصدي

جعلت أحدوا للسائقينا

قولوا جمعيا يا نوق سيري

وأمضي سريعا بالراكبينا

هو ابتغائي وهو مرادي

به للدين قد هدينا

وقبل موتي أراك يوما

في حمى روضة المدينة

وأقول عند اللقاء لقلبي

يا قلب أخرج هذا نبينا

سألت بالله تعفو عني

يا شفيعا في المذنبينا