ضرورة إشهار العمل السياسي ونظام انتخابي عادل
إشهار العمل السياسي وتنظيمه وطنياً، علاوة على وجود نظام انتخابي ديمقراطي عادل، يفترض أن يكونا، في المرحلة السياسية الحالية، في مقدمة أولويات مشروع الإصلاح السياسي-الديمقرطي الذي أكدت الأيام أنه مشروع القوى المدنية الديمقراطية وقوى التقدم الاجتماعي وحدها.
تقوم الديمقراطية، مثلما سبق أن ذكرنا، على التعددية، وفصل السلطات، وتداول السلطة التنفيذية (الحكومة)، وهو ما يمنح النظام السياسي حيوية متجددة باستمرار وفقاً للإرادة الشعبية التي تعكسها نتائج الانتخابات العامة التي يتنافس فيها أحزاب سياسية مُنظّمة على قواعد وأسس دستورية وبرامج عامة ووطنية. بمعنى آخر فإنه لا ديمقراطية من دون إشهار العمل السياسي وتنظيمه وطنياً، بحيث تُعبّر التنظيمات السياسية عن مصالح شرائح وفئات اجتماعية، وبإمكان الجميع معرفة عدد أعضائها وبرامجها ومصادر تمويلها، أضف إلى ذلك أنه لا ديمقراطية من دون وجود نظام انتخابي ديمقراطي عادل ومتوافق عليه وطنياً.
ولأن العمل السياسي لدينا غير مُشهر ومُنظّم، والنظام الانتخابي غير عادل بعد أن وضعته الحكومة منفردة، فإن حالة الفوضى السياسية والمراوحة والتراجع الديمقراطي تستمر؛ مما يوفر بيئة خصبة لانتشار الفساد السياسي المؤسسي، وتكاثر مجاميع طائفية وانتهازية تدّعي ممارسة السياسة من أجل المصلحة العامة، في حين أنها في حقيقة الأمر تبحث عن مصالح شخصية ومنافع خاصة تتعارض مع المصالح المعيشية والقضايا الوطنية لغالبية المواطنين. على هذا الأساس فإن إشهار العمل السياسي وتنظيمه وطنياً، علاوة على وجود نظام انتخابي ديمقراطي عادل يفترض أن يكونا، في المرحلة السياسية الحالية، في مقدمة أولويات مشروع الإصلاح السياسي-الديمقرطي الذي أكدت الأيام ما نقوله باستمرار من أنه مشروع القوى المدنية الديمقراطية وقوى التقدم الاجتماعي وحدها، إذ من المستحيل أن تحمل تيارات الإسلام السياسي (سنّة وشيعة) أو المجاميع الطائفية، والفئوية، والعنصرية مشروع إصلاح سياسي وديمقراطي حقيقي أو تدافع عنه، فذلك يتناقض مع وجودها في الساحة السياسية، وبنيتها الفكرية، وتمثيلها الاجتماعي، ومصالحها المتشابكة مع الوضع القائم، وأهدافها النهائية.إذاً الإصلاح السياسي والديمقراطي الذي ينتشلنا من حالة التراجع التنموي والديمقراطي والفوضى السياسية هو مهمة القوى المدنية الديمقراطية والتقدمية، وهذا لا يحصل بين ليلة وضحاها، أي أنه ليس مجرد "ضغظة زر"، بل هو عملية اجتماعية-سياسية مستمرة تمر في بعض الأحيان بظروف شاقة وقاسية، ومنعطفات صعبة تفرضها عوامل داخلية أو خارجية أو الاثنتين معاً، وهو الأمر الذي يتطلب الصبر، وطول النفَس، وعدم التخلي عن المبادئ الوطنية، والعمل الدؤوب من أجل ابتكار أشكال وأساليب سياسية متطورة، ناهيك عن ضرورة الاصطفاف السياسي العريض بين القوى المدنيّة والوطنية، بما يتناسب مع طبيعة المرحلة وظروفها ومتطلباتها المرحلية، ثم طرح برنامج وطني واضح بأهداف مُحددة يلتف حوله الناس، وفي مقدمتها إشهار العمل السياسي وتنظيمه، ووجود نظام انتخابي عادل.