هناك مقولة تفيد بأن «كل كاتب يستطيع كتابة رواية واحدة. لكن، الروائي وحده من يكون له مشروع روائي». هذه المقولة يمكن أن تنطبق على الروائي الشاب عبدالله البصيّص. فمع قراءة الصفحات الأولى من روايته الأولى «ذكريات ضالة»، يستطيع البصيّص أن يقنع القارئ المتابع للشأن الروائي، بأنه مشروع روائي، وأنه يتوفر على موهبة ولغة قادرتين على تشكيل رواية مكتنزة بعناصرها الفنية.

في روايته الأولى «ذكريات ضالة» التي صدرت عن المركز الثقافي العربي 2014، قدم عبدالله عالماً خاصاً، تطرق فيه لعلاقة شاب كويتي مع ابن جيرانهم «البدون». الرواية تأتي عبر حبكة فنية عالية، حيث يقوم الشاب الكويتي بإيصال ما كتبه عن قصة حياته مع الشاب البدون إلى عبدالله البصيص، طالباً منه نشره إن كان يستحق النشر. البصيص يأتي في بداية الرواية باسمه الحقيقي، وبشيء من عالمه على التويتر، وكأن البصيّص كان يتلمس ممراً لكتابة رواية «تخييل ذاتي».

Ad

«ذكريات ضالة» ترصد حياة رجل شرطة بخفايا ما يتم في المخفر الكويتي. وربما كان هذا سبباً أدى إلى تدخّل الرقيب لمنعها في الكويت، ومؤكد أن منع أي رواية في الكويت هو وجع يمس جميع الروائيين، وهو قرار ما عاد ينتمي للحظة الإنسانية الراهنة؛ لحظة شبكات الإنترنت، وبيع الكتب عبر مواقع الكتب، حيث وصول أي كتاب للقارئ خلال 48 ساعة.

رواية «طعم الذئب» الصادرة عن المركز الثقافي العربي بطبعتها الأولى 2016، تخوض من خلال نصها السردي في مغامرة تقع بين رجل وذئب، بين الشاب ذيبان وبين ذئب هائم في الصحراء. لكن، الأجمل في هذه الرواية هي الغرائبية التي قدم عبدالله فيها مشاهد روايته. علماً بأن فكرة الرواية الرئيسية التي يدسّها عبدالله بشكل لافت فكرة إنسانية رائعة فهو يقدم بطله ذيبان كشخص بقناعة مغايرة، فهو مسالم يكره الحرب والاقتتال، حتى إنه في مشهد العراك بينه وبين «حميدان» الذي يريد قتله أخذاً بثأر أخيه؛ «أمسك ذيبان السيف، وقال في نفسه: القتال أكبر عار» ص57، ويتضح المغزى أكثر في عبارة أخرى؛ «أنا رجل أريد السلامة، أريد العيش بهدوء، لكن... الأمور... الأمور دائماً تحدث خلاف ما أريد» ص173. ذيبان وعلى امتداد الرواية يجد نفسه في حروب؛ مع المجتمع، ومع نفسه، ومع الحبيبة، ومع الطبيعة، ومع الحيوان، وأخيراً مع القدر.

ذيبان بعد أن ينهزم في دفاعه عن نفسه في مشهد العراك، وحين ينفي نفسه خارج القبيلة، يهيم على وجهه في الصحراء أملاً في الوصول إلى الكويت. ويحدث أن يترصده ذئب ويقع بينهما عراك، ليجد ذيبان نفسه مجبراً على الدفاع عن وجوده الإنساني وبقائه. حتى إنه يعضّ الذئب!

عبدالله البصيص، يقدم مشاهد تبقى في الذاكرة، وفيها من الغرائبية الشيء الكثير، خاصة ذاك اللقاء والحوار الذي يقع بين ذيبان والذئب بين الريبة والحقيقة، بين الشك واليقين. المهم أن ذيبان ينجو بنفسه من الذئب. لكن، بعد أن عاش مغامرة مريرة غيّرت من شخصه، حتى إنه يكاد ينقلب على نفسه. بعد قتل الذئب وسلخه وحمل فروته.

عبدالله البصيّص في روايته الأولى غيره في روايته الثانية. صحيح أن اللغة واحدة، ولو أن شيئاً من الشعرية لامس عوالم الرواية الثانية. لكن، عبدالله قدّم نفسه في المرة الأولى مهموماً بقضايا إنسانية، وعلى رأسها قضية «البدون»، بينما في روايته الثانية ينحو إلى الذاتية من خلال رصد مغامرة إنسان في مواجهة ذاته والمجتمع والبيئة. في المرة الأولى الكويت هي ساحة الرواية، وفي الثانية الصحراء هي الحاضرة. في المرة الأولى شيء في الكتابة ينبئ بأن البصيّص ربما يذهب إلى رواية السيرة الذاتية أو التخييل الذاتي، لكن الرواية الثانية تأتي بصيغة ضمير الغائب وضمير المتكلم.

عبدالله البصيّص صاحب مشروع روائي لم تتضح معالمه بعد، ولحين تظهر الرواية الثالثة سيبقى الرهان كبيراً عليه.

* ملاحظة أخيرة؛ إن قيام الرقيب بمنع رواية «طعم الذئب» بحاجة إلى الكثير من التفسير، ومؤكد أنه مؤلم لعبدالله البصيّص ولنا جميعاً نحن الكتّاب والقراء.