حزب «بس لو»!

نشر في 16-06-2016
آخر تحديث 16-06-2016 | 00:00
 مسفر الدوسري حزبٌ أعضاؤه يثيرون الشفقة، تعساء بؤساء، يغسلهم المطر وينبت في شرايينهم الجفاف، يغمرهم نور الشمس وتتعثر خطاهم في الظلمة، يدخلون مناجم الألماس ولا يخرجون منها سوى بالفحم، عاجزون عن الفرح، قلوبهم معاقة لا يمكنها أن تتماهى مع شعور يجنّح في السماء، عيونهم مشفّرة لا تستقبل ألوان قوس قزح فهي لا تقرأ سوى لونين فقط هما الأسود والأبيض، إنهم أعضاء حزب "بس لو"!

أعضاء هذا الحزب لا يمكنهم رؤية إلا النصف الفارغ من الكأس، هذا النصف هو محور اهتمامهم وتركيزهم، فكلما صادفهم جمال في الحياة استنزفوا تفكيرهم في البحث عن النقص فيه، وأفسد عليهم القدرة على التمتع بذاك الجمال، وكلما أهدتهم الحياة لحظة مورقة بالفرح قالوا: "بس لو... كان أو لم يكن كذا لكان أجمل"، هذه الـ"بس لو" تنسف كل ما تؤسسه البهجة في صدورهم، وتقتلع كل نبتة سعادة تطل برأسها على ضفاف قلوبهم، لا يهنأون بمجد ولا يسعدون بنشوة انتصار، يؤرّقهم السعي للكمال المنشود حتى أفسد ذلك السعي الدؤوب والمضني المتعة الحاضرة بين أيديهم، وأفسد في أفواههم طعم ما تساقط من ناضج الأماني.

هؤلاء اعتادوا على بيع ظل شجرة من أجل القبض على ظل ريشة في الفضاء، واستمرأوا مقايضة حقل اللافندر برائحة بخور كمبودي،

أعضاء "بس لو" لن يجدوا الفرح ما عاشوا، ولن يتلذذوا بطعم الحياة ما حيُوا، أعمارهم تذهب سدى دون أن يعمّروا بها ما يمكن أن يمنح بعض الدفء لأحلامهم المشتهاة، أو يروي بقطرة ماء الأغصان المتيبسة التي تطل عليها شرفات أرواحهم، اللحظة الكاملة والخالية من أي نقص في هذه الحياة لم تكن في يوم من الأيام من عمر الزمان ولن تكون، فالباحثون عن تلك اللحظة ستفنى أعمارهم حتماً دون أن يجدوها، وستضيع جهودهم دون جدوى، وستذهب مسراتهم أدراج الأوهام، وستدمى كفوفهم على مغزل الانتظار، ولن يظفروا سوى بسجادة ليل طويل مفروشة تحت أقدام أحلامهم مطرزة بصوف السُّهد.

ليس من الحكمة أبداً انتظار هلال الفرح إلى أن يصبح بدراً مكتملاً حتى نُلبس "زغرودةً" فستانها الأبيض، أو انتظار اكتمال سرب البلابل حتى نسرّح شعر أغنية، خاصة إذا علمنا أن الزغاريد سريعة الذبول والأغاني تأخذها الرياح، ومن الواقعية جداً أن نؤثث بيت لحظاتنا بما هو متاح من الفرح، وأن نعزف أغنيتنا بما هو متاح من الآلات ولو اقتصر ذلك على ربابة، وإن عزّت الربابة فلنعزف لحننا بإيقاع أكفّنا ولا ننتظر اكتمال الجوقة، أما أعضاء حزب "بس لو" فلينتظروا ما شاءوا من الدهر لعل أغنيتهم التي يأملون تكتمل يوماً.

back to top