الصوت الجريح الفنان عبدالكريم عبدالقادر لـ الجريدة• (2-4):

الموسيقار أحمد باقر شكّل إضاءة مشرقة في مشواري الفني

نشر في 16-06-2016
آخر تحديث 16-06-2016 | 00:03
يُعبر الصوت الجريح الفنان عبدالكريم عبدالقادر عن الكلمة المغناة والجملة اللحنية بصدق وحس فني متفردين، ينهل من مشاعر مرهفة محملة بالشجن لينثر صادق الإحساس على المتلقي، ويدأب بوخالد على التعبير عن أحلام العشاق، آملاً تحقيق أمنياتهم، ورافضا التخلي عنهم في انكساراتهم، فيرافقهم في «ليل السهارى» يواسيهم في أحلك الظروف، فلا يفقد الأمل حتى لو تحول الفرح إلى سراب، فيغني للفرح المفقود منتظراً مجيئه بفارغ الصبر، وبرغم قبوله تجرع المرارة على مضض يظل يردد «عاشق وظل صبري يطول»، متجشماً عناء الصبر، ويدندن «مانسيناه روحوا قولوله ترانا مانسيناه».
ويؤكد عبد الكريم عبدالقادر، في حواره مع «الجريدة»، أن أغنية «ليل السهارى» محببة إلى قلبه، وهي من أجمل الأعمال التي قدمها، رافضا أن يغني الألحان الجاهزة أو الطبخات اللحنية، لأنه يحرص على مواكبة العمل من الألف إلى الياء، لأنه يرى أن الفن حالة من المشاعر يعبر عنها الفنان بطريقته الخاصة.
وفيما يتعلق بتأثير توقف شركات الكاسيت عن الإنتاج، يقول إن سوق الكاسيت هو الذي تأثر وتكبد خسائر كبيرة بسبب الإنترنت والقرصنة، وفيما يلي الحوار:
● تعاملت مع الملحن أحمد باقر، كيف وجدت التعامل معه؟

- الراحل أحمد باقر شكل إضاءة مشرقة في مسيرتي الفنية لاسيما أنه في بدايتي احتضنني وشجعني، وكان ينصحني وقدم لي أغنية "سرى الليل يا قمرنا" من كلمات عبدالله العتيبي، وله دور كبير في مشواري الفني، وأكن له كل تقدير واحترام، ونظرا لفارق العمر بيننا كنت أنظر إليه بمنزلة الاستاذ وعلاقتي به مميزة جدا، وهو قيمة فنية كبيرة، لأنه استاذ أكاديمي درس الموسيقي في القاهرة، وهو وعبدالرحمن البعيجان من أوائل الفنانين الذين قدموا لي الدعم إضافة إلى يوسف المهنا، لكن أحمد باقر كانت له هيبة ووقار، أما البعيجان فكنت أناقشه وأستطيع قول أي شيء له، بينما الوضع مختلف مع أحمد باقر فلم أكن أستطيع أن اقول له ما يجول في خاطري.

الأوفر حظاً

● اعتبرك البعض الأكثر حظاً من أبناء جيلك ومنهم مصطفي أحمد وحسين جاسم لاسيما أنهما يتمتعان بخامة صوت جميلة وأداء مميز، لكن حضورك أكثر وهجا، بم ترد؟

- لأصدقك القول، صحيح أنا محظوظ لاسيما أن الأسماء التي ذكرتها تعد من أجمل الأصوات في تاريخ الغناء الكويتي والمطرب مصطفي أحمد فنان كبير وحقق سمعة طيبة وأغنياته يحفظها الجمهور عن ظهر قلب، أما المطرب حسين جاسم فاشتهر بدفء الإحساس وأناقة الغناء وأغنياته تشكل علامات بارزة في فترة السبعينيات، لكن لكل مجتهد نصيب، وأحمد الله أني تعاملت مع فنانين كبار أعطوني عصارة أفكارهم وخبرتهم الفنية كما أني حرصت على أداء دوري على أكمل وجه وبذلت جهدي لإيصال الكلمة والموسيقى والإحساس بالشكل المناسب، ونجاح أغنية "تكون ظالم" منحني دفعه معنوية كبيرة كنت بحاجة إليها، لاسيما أنني في بداية المشوار، ولولا نجاح هذه الأغنية لربما لم يكن هناك تعاون مع عبدالرحمن البعيجان في أغنية "ليل السهارى".

نقاش مثمر

● كيف تختار أغنياتك؟

- بطبعي أحب التأني ولست مستعجلا، لذلك اعتمدت على أسس منذ بداية دخولي المجال الغنائي، إذ كنت أبحث عن الفكرة المختلفة في الكلمة واللحن، لذلك حينما أجد ما أبحث عنه عند أحد الشعراء أو الملحنين أكرر التعامل معه، لأن ثمة وشائج مشتركة تجمعنا، ومن يرصد بدايتي يلاحظ العدد القليل من الشعراء والملحنين الذين اقتصر تعاملي معهم، لكن مع مرور الوقت بدأت تتسع دائرة التعاملات والتعاونات.

وكنا نعقد جلسات للنقاش حول المشاريع الجديدة وأسمع الاقتراحات والأفكار ونتباحث ونناقش الفكرة من كل جوانبها، إلى أن نصل إلى فكرة محددة نود تطبيقها، ومن هنا تبدأ الفكرة تتبلور وتظهر فيما بعد من خلال قصيدة، وهنا تأتي مرحلة التلحين، ونناقش اللحن الذي يتلاءم مع الأغنية وتظهر الأفكار والجمل اللحنية إلى أن نستقر على الصيغة النهائية، وأغلب أعمالي الناجحة كانت وليدة هذه النقاشات، وأذكر منها أغنية "بسك زعل" للشاعر الشيخ فهد الأحمد، الذي كان مترددا في كتابة الشعر العاطفي، مكرسا قريحته الشعرية للوطن لكن عقب النقاش قرر أن يجرب هذا النوع وحقق النجاح فيه.

معايشة حقيقية

● ما الطقوس التي تحرص على فعلها قبل تسجيل أغنياتك؟

- لكل فنان أسلوب وطريقة يتبعها أثناء التسجيل في الاستديو، لأن التحضير لهذه الخطوة ضرورية جدا، وفيها يهيئ المطرب نفسه لمعايشة العمل والولوج إلى عالمه، وأنا أسلوبي بسيط جدا، أعيش العمل وأحرص على التفرغ التام له، لأنني أود التقمص والمعايشة الحقيقية، لأنني بصدد القيام بمهمة كبيرة، لذلك أفضل الانفصال التام عن الناس لأداء المهمة بالشكل الذي يرضيني، في السابق كان التسجيل يستمر إلى 12 ساعة، لذلك ربما يشعر الفنان بالتعب أو الإجهاد، لذلك يجب أن يكون الفنان على درجة كبيرة من اللياقة مثله مثل لاعب كرة القدم أو الرياضي.

● عقب توقف شركات الكاسيت المحلية اتجهت إلى طرح "السنغل"، كيف وجدت تقبل الجمهور لهذه الأعمال؟

- الجمهور يبحث عن الشيء الجميل ويعجبه العمل المتكامل سواء كان ضمن ألبوم غنائي أو "سنغل"، ومن منظوري أن العمل الجيد يفرض نفسه وما يعانيه المطرب راهنا أن سوق الأغنية هو الذي تأثر بسبب الإنترنت وقرصنة الأغاني.

في السابق كان المطرب يقوم بإنتاج أعماله على حسابه الخاص، ويؤدي كل الأدوار البحث والتدقيق والانتقاء ثم التسجيل والتنفيذ والتسويق والتوزيع، لكن عقب ظهور شركات الكاسيت دخلنا مرحلة جديدة، إذ كانت هذه الشركات تتفق مع المطرب ثم تتولى المهام بمعية المطرب وحققت هذه الشركات الغنائية النجاح، لكن عقب التطور التقني والتقدم التكنولوجي اضطرت هذه الشركات الى إيقاف عملها لاسيما عقب سيطرة القرصنة والإنترنت اللذين لم يدعا هذه الشركات تستمر، وأنا لا ألوم الشركات بل أعذرها لأنها تبحث عن الربح بعد ان تكبدت خسائر كبيرة.

● وجود شركات الكاسيت ساهم في تحريك الساحة الغنائية، هل تعتقد أن غيابها سيؤثر سلبا في الساحة الغنائية؟

- فعلا أدت دورا جميلا وساهمت في ارتقاء الأغنية واستمرار تطورها إضافة إلى اكتشاف المواهب ودعمها، وتحريك المياه الراكدة في هذا المجال من خلال إشعار فتيل التنافس بين المطربين أنفسهم، وكذلك بين الشركات، وكانت المنافسة تتمحور حول البحث عن الجديد والمميز وتقديم الألبومات القوية لاسيما في مصلحة الغناء، ومن أبرز إيجابيات الشركات احتضان المطربين ودعمهم لتوفير أجواء عمل ملائمة تساهم في تقديم الأفضل.

● كيف يتأقلم المطرب ضمن هذه الأجواء في ظل غياب شركات الإنتاج وانتشار القرصنة؟

- يعتمد المطرب على إحياء الحفلات الغنائية ودعم وزارة الإعلام التي تقدم الدعم للفنانين الكبار وكل ما يحتاجونه من تشجيع أو تصوير الأغاني، وهنا أريد أن أشكر وزارة الإعلام التي أعادت الحياة للساحة الغنائية، إذ استقطبت الفنانين الكبار وأنتجت لهم أعمالهم الفنية، المشكلة في الوطن العربي عدم سريان قوانين حقوق الملكية الفكرية، الفن محمي في دول أميركا والدول الغربية، بينما نحن نعاني بسبب الإنترنت والقرصنة، وهذه المعاناة بسبب التطور التقني والتكنولوجي الذي أضر بالمشهد الغنائي ففرض واقعا غير مرغوب فيه يتمثل في إيقاف شركات الكاسيت بسبب تكبدها خسائر كبيرة.

● ما تأثير الأغنية الشبابية في مشوارك الفني؟

- دعنا نعود قليلا، حينما بدأت الغناء ظهرت مع زملائي كان هناك أساتذة كبار لهم وجة نظر فيها نقدمه ربما لم تكن ترضينا لكن هذه النظرة كانت بسبب تعودهم على نمط غنائي، لكن التجديد من طبيعة الحياة، والشباب هم الترجمة الحقيقية لواقع الحياة التي نعيشها، ونحن عبرنا عن الأمس وفق قناعاتنا وأسلوبنا، والآن الجيل الراهن يقدم رؤيته لليوم وما يجري في الساحة مع مراعاة أن التكنولوجيا تطورت وبدأت تخدم الفن بشكل أوسع ضمن فضاء رحب ما ساهم في تداخل الفنون الشرقية مع الغربية، الآن تستطيع أن تشاهد أحدث الإنتاجات للأغنية الغربية أو الجزائرية وأنت جالس أمام التلفاز، في حين كانت الأغنية تستغرق أشهرا لوصولها، ومن هو المتلقي الجيد في هذه اللحظة الشاب الذي يتفاعل مع محيطه، فهو يرسم صورة لواقع الحال، ويجب التركيز على الأعمال الجيدة، وإهمال الأعمال دون المستوى، والآن نستطيع الاطلاع على نتاج الأغاني في الدول العربية كافة في جلسة واحدة أمام التلفاز، ومن المؤكد أن كل ما يعرض ليس جيدا لكن يجب الفرز فيما يعرض والتركيز على الأعمال الجيدة.

الفصل بين العمل والحياة الأسرية
يحاول الفنان عبد الكريم عبد القادر الفصل بين الغناء والعمل وحياته الأسرية، مشيرا إلى أنه يكون أبا يلتفت إلى شؤون هذا الكيان خشية تأثير العمل على حياة أفراد أسرته، يسعى إلى توفير حالة من الهدوء ضمن أجواء البيت.

وأضاف: "في بيتي لا اختلف كثيرا عن أي رب أسرة يدير شؤون أسرته ويرعى أولاده، ويحرص على تربيتهم وتنشئتهم بشكل صحيح، متجنبا ما يعكر صفو حياتهم".

ومن جانب آخر، أكد الفنان عبد الكريم عبد القادر أنه لا يجد نفسه في الحفلات الغنائية، مشيرا إلى أنه الخاسر الأكبر في هذا الغياب.

وقال: "بصراحة لم أعد أجد نفسي في الحفلات الغنائية، ولا أحس أنها تمثلني، والناس يعتقدون أنهم خسروني بسبب هذا القرار، لكن في الحقيقة أنا الذي خسر رؤية الناس والتواصل معهم والمشاركة في هذه المناسبات". وأضاف: "وصلت إلى قناعة بضرورة التوقف عن المشاركة في الحفلات الغنائية وربما الأسلوب أو النمط، لكن هو قرار اتخذته بقناعة تامة، وخلال الفترة الماضية تلقيت أكثر من دعوة في مهرجانات أكن لها كل تقدير واحترام لكني فضلت الاعتذار، وأرجو قبول رغبتي مع التقدير والتوقير لهذه الشخصيات والمهرجانات التي وجهت إلي الدعوة، وأرى ان العودة إلى هذه الحفلات الغنائية فيها صعوبة جدا".

وتابع: "الحمدلله وجدت وسائل متنوعة لإيصال فني بمنأى عن المشاركة في الحفلات، وسلكت هذا الطريق وحققت ما أصبو إليه".

منتجو الألبومات تكبدوا خسائر كثيرة بسبب القرصنة

الجمهور يبحث عن الجمال ويعجبه العمل المتكامل

أحرص على التفرغ التام والانفصال عن الناس قبل دخول الاستديو لتسجيل الأغاني

نعاني عدم سريان قوانين حقوق الملكية الفكرية

على الإنسان أن يتكيف مع محيطه لا أن يجاري الفن الهابط
back to top