أعاد تجاوز سعر برميل برنت الأسبوع الماضي حاجز الـ 51 دولارا كأعلى سعر للبرميل منذ 11 شهرا، النقاشَ في مختلف الاوساط الاقتصادية حول امكانية تعافي السوق النفطية بعد تراجع حاد للذهب الاسود منذ عامين خسرت فيها الاسعار نحو 60 في المئة من قيمتها... إذ كان الحديث الذي شغل بال المنتجين خلال الايام الماضية عن كيفية المحافظة على سعر يتجاوز 50 دولارا للبرميل.

ويمكن حصر اسباب صعود اسعار النفط العالمية خلال الفترة الماضية بسبب عوامل مؤقتة غير اساسية للسوق كحرائق الغابات في كندا والهجمات على خطوط الأنابيب في نيجيريا وإضراب عمال المصافي في فرنسا وتقلص كميات الانتاج في العراق بسبب انقطاعات الكهرباء ناهيك عن عامل أكثر استمرارا كتدهور الأوضاع الامنية في ليبيا وآثاره السلبية على الإنتاج النفطي، بل إن خفض الانتاج لاسباب متنوعة تتعلق بالشحن والطقس والأعطال الفنية شمل دولا اخرى كفنزويلا وكولومبيا والارجنتين.

Ad

أحداث مؤقتة

هذه الاحداث رغم كونها مؤقتة وأقصى تأثيرها لا يتعدى بضعة اسابيع في اسوأ الاحوال الا انها اعطت اشارة الى ان اي خفض ملموس في الانتاج العالمي للنفط سيدعم صعود الاسعار حتى وان كانت مستويات النمو الاقتصادي العالمي محدودة او عوامل السوق ضعيفة.

إذ تشير بيانات إدارة معلومات الطاقة الأميركية الى ان عمليات توقف الإنتاج غير المخطط لها عطلت 3.6 ملايين برميل يوميا في مايو الماضي، وهو ما يزيد على 44 % من الفائض المعروض في السوق العالمي البالغ حاليا 2.5 مليون برميل يوميا، وكان يمكن ان تتحقق مكاسب أعلى للبرميل في شهر مايو لولا نمو الامدادات في نفس الشهر من دول الخليج وايران، وهو نمو يرتكز على الحصص السوقية اكثر من الاهتمام بالسعر، وقد تكون فيه اهداف سياسية اكثر من كونها اقتصادية او مالية.

إعادة التوازن

وبغض النظر عن أسباب رفع حجم الامدادات في السوق فربما تكون «احداث مايو» وما صاحبها من احداث خفضت الانتاج اضطراريا في سوق النفط مدخلاً لإعادة النقاش بين كبار المنتجين في اوبك وخارجها وتحديدا روسيا لاعادة التوازن الى الاسعار في سوق تبدو علامات الضعف عليه واضحة كتباطؤ النمو الاقتصادي في الصين أحد أكبر مستهلكي النفط إلى أدنى مستوى منذ 25 عاماً او تزايد سياسات التقشف في اوروبا، فضلا عن النمو المطرد في الانتاج النفطي الاميركي.

فالهدف من خفض الانتاج النفطي ليس العودة الى مستويات الـ100 دولار للبرميل، فهذا امر غير متداول في السوق اصلا وفقا للعوامل الحالية، فضلا عن ان الزيادة القوية في الاسعار لن تستمر طويلا في ظل عوامل سوق ضعيفة، لذلك فالأسعار العالية ستحفز العديد من الشركات على العودة للانتاج التقليدي الى جانب الصخري، اذ ارتفع عدد الحفارات النفطية العاملة في الولايات المتحدة ارتفع للأسبوع الثاني على التوالي، وذلك للمرة الأولى منذ أغسطس بعدما ارتفعت أسعار النفط الخام هذا الأسبوع، وهو مؤشر على ضعف السوق، خصوصا إن كانت عوامل صعود السوق غير اساسية وطارئة.

في أكثر من مناسبة استقبلت الاسواق معلومات عن اتفاق محتمل بين كبار منتجي النفط من اوبك وخارجها بقدر عال من التفاؤل تمثل في احدها بنمو فاق الـ 6 في المئة في جلسة تعاملات واحدة عندما كان الحديث في السوق يدور حول خفض السعودية وروسيا كونهما اكبر المنتجين داخل اوبك وخارجها لـ 5 في المئة من إنتاجهما في خفض إجمالي يصل إلى مليون برميل يومياً، أي نحو 40 في المئة من إجمالي الفائض في سوق النفط، فإذا اتبعتهما دول أخرى في الخفض فستتوازن الأسعار في السوق على المدى المتوسط لكنها لن تنتعش لوجود عوامل أعمق.

العراق وإيران

ومع أن دول الخليج تواصل سياساتها في الامدادات العالية عند سقف يناير 2016 وهو بحد ذاته سقف انتاج مرتفع، إلا أنها لا تتحمل وحدها مسؤولية اغراق سوق النفط بفائض المعروض، إذ يعتبر العراق صاحب اعلى نمو في انتاج النفط خلال عام 2016 اذ بلغ إجمالي إنتاجه من الخام 4.7 ملايين برميل يوميا، في حين سجلت الصادرات رقما قياسيا عند 3.9 ملايين برميل يوميا. أما ايران فتتجه صادراتها النفطية نحو تسجيل أعلى مستوى في 54 شهرا، وهذه تحديات تستهدف رفع الانتاج بينما المنطق يحث على خفضه.

خلال اجتماعات اوبك الشهر الماضي تنامت التصريحات التفاؤلية لاسيما بين وزراء منطقة الخليج الذين أشاروا الى تجاوز السوق مرحلة الـ20 - 30 دولاراً للبرميل إلى مستويات تفوق الـ 50 دولاراً مع تطلعات الى 60 دولاراً للبرميل، غير أن هذا التفاؤل لا يمكن ان يرتكز على عوامل طارئة كحوادث تعرقل الانتاج، بل على رغبة من داخل اوبك وخارجها تحد من فائض المعروض وتركز على الاسعار اكثر من الحصص السوقية، فضلا عن تأكيد أن النفط الذي يباع بأسعار رخيصة انما هو ثروات اجيال يجب المحافظة عليها وادخارها كي تباع بأسعار اعلى في المستقبل.